الحرب بين روسيا وأوكرانيا تجبر كل الدول على التظاهر بردة فعل معقلنة

بقلم: عبدالرحمان رفيق

يريد الغرب من الدول، وخاصة الدول العربية، تفعيل العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وهذا ما رفضته السعودية،مصر والإمارات، حيث رفضت السعودية العرض الأمريكي بزيادة الإنتاج، الذي تصاعد سعره لما فوق المائة دولار للبرميل، وهو ما سينعكس بالسلب على معظم اقتصاديات الدول المتقدمة المستهلكة للبترول، والتي لن تستطيع أن تتحمل تلك الأسعار لفترة طويلة، لكن يبدو أن السعودية وأطراف أخرى في الأول ترفض زيادة الإنتاج. وقد لا يطول هذا الرفض في ظل تفاقم الضغوطات.
وفي ما يخص مصر، فقد زودت رسوم عبور قناة السويس لتعويض خسائر دخل السياحة ولا يستبعد أن تكون هناك ضغوط على مصر لغلق قناة السويس أمام سفن الأسطول البحرى الروسي ومنع تقديم أي دعم لوجستي لسفن الأسطول في موانئها!
كما أن الإمارات امتنعت عن التصويت بالعقوبات ضد روسيا، إضافة إلى الصين والهند، حتى قطر تمسكت باستثماراتها في روسيا بمليارات الدولارات، وهذا ما تبين في مجلس الأمن للتصويت على إجراءات ضد روسيا، حيث امتنعت الهند والصين وغيرهما من الدول، التي كان موقفها واضحا يتمثل في مصالحها أولًا.
وفي جوانب أخرى، تتعرض تركيا لضغوط شديدة، أيضا، عقوبات تم توقيعها عليها من الاتحاد الأوروبي اليوم، لم تحدد طبيعة تلك العقوبات في نوعيتها أو حجمها، بسبب عدم تصويتها على قرار بتعليق عضوية روسيا في الهيئات والمنظمات الأوروبية. وقد أثمرت تلك الضغوط عن إقدام تركيا اليوم على إغلاق مضيق البوسفور أمام سفن الأسطول البحري الروسي، وهو القرار الأخطر على الإطلاق الذى قد يكون من شأنه أن يفجر حربا عالمية، بسبب أهمية مضيق البوسفور، الذي تعتبره روسيا أحد شرايين حياتها.
أما بالنسبة لموقف المغرب من الأزمة فمن وجهة نظري هو انتهاز للفرصة لحل ملفاتنا العالقة وكسب ثقة الغرب فيها وتجنب المشاكل، التي سنقع فيها لو تعاملنا مع أمريكا أو روسيا بمبدأ إن لم تكن معي فأنت ضدي، ونحن نعلم أننا كدولة لا نستطيع الاستغناء عن التعامل مع القوتين الكبيرتين معا.
لهذا، يعتبر الموقف المغربي حاسما، المتمثل في الحياد التام وعدم المشاركة في التصويت، والاحتفاظ بمسافة واحدة من جميع الأطراف، فمثلاً إذا وقف المغرب مع خطة الحياد نجا، ولكن إذا وقف مع أمريكا، ستطلق روسيا إيران والجزائر وحزب الله على المغرب، وإذا وقفت مع روسيا، ستطلق أمريكا، كل من إسبانيا، والبوليساريو، وربما تعيد ملف الصحراء المغربية إلى طاولة النزاع. وبالتالي الإنقاذ الوحيد هو موقف الحياد والاحتفاظ بمسافة واحدة مع كل الأطراف.
وعندها ستتفهم روسيا ذلك حتى لا تخسر صداقة المغرب، الذي يشكل القوة الإقليمية في إفريقيا، بالتالي لا تدفعه للانحياز لأمريكا وفي المقابل ستتفهم أمريكا ذلك، حتى لا تخسر صداقة المغرب وتدفعه للانحياز لروسيا.
ونحن لا ننكر أن لروسيا كل الحق في اختيار الموقف، الذي يحمي مصالحها؛ فحماية الأمن القومي حرية شخصية، ما دامت لا تضر بالآخرين، لكن مشكلة بوتين أنه لا أصدقاء له، حتى الصين التي توقعنا أنه من الطبيعي أن تسانده، تقف موقفا مترددا، فهي لا مع ولاضد ! هي لاتريد أن تخسر الغرب في أوربا، وربما تعيد أمريكا حساباتها معها، نتيجة لهذا الموقف أو اللاموقف ! فالصين تتحرك كعادتها ببطء ولن تجازف بمصالحها من أجل روسيا أو غيرها، والنظام الحالي حقق لها نجاحا كبيرا في التنمية الاقتصادية، ولا أعتقد أنها ستغامر بغزو تايوان الآن إلا بعد أن تتوقف المدافع والصواريخ، لأن الصين تنتظر نهاية الدمار وتحسب حساباتها، فإذا ضمنت غزو تايوان بلا خسائر كبيرة سوف تتحرك، لكنها لن تجازف بمصالحها واقتصادها ويمكنها أن تنتظر حتى تتغير الظروف.
أما الصمت العربي، فله ما يبرره الآن بالطبع، على أمل أن تحل المشكلة سريعا، لكن إن طالت القضية واتسعت فلا مفر من تشكيل موقف سياسي واضح يضمن لنا الحياد، من الممكن أن يحظى بالقبول، أوحتى نوعا من الفهم من القوتين الكبيرتين.
خلاصة القول، على بوتين أن يخرج بسرعة من أجل خسائر أقل ولاجئين أقل من أوكرانيا ونزيف أقل، عليه أن يخرج، فهو منتصر حتى الآن وحقق جانبا من أهدافه، وعلى أمريكا والغرب أن يمارسا قدرا من الحكمة مقابل انسحابه.

الكاتب : بقلم: عبدالرحمان رفيق - بتاريخ : 08/03/2022

التعليقات مغلقة.