الزلزال الذي أعاد للإنسان إنسانيته وللمجتمع حيويته

ذ: محمد بادرة

 

وقع زلزال الحوز وسقط الآلاف بين شهيد وجريح ومفقود. وقع زلزال الحوز ودمر عشرات الآلاف من المباني والبيوت والأسوار.
وقع زلزال الحوز وقضى على الحيوانات والمواشي والطيور والدواجن وسجلت الكاميرات وصورت آلات التصوير والمسيرات (الدرونات) صورا حية عن الندوب الجسدية والجروح المتفاوتة الخطورة، صورت تصدعات الأبنية وتشققات الأرض وتساقط الأحجار وانقطاع الطرق والمسالك، ونقلت للمشاهدين تقارير المؤسسات والقطاعات الوزارية الوصية (الداخلية- الصحة..) عن إحصاءات وبيانات عن إعداد الموتى والمصابين والناجين إلا أن جروحا أخرى لم تلتقطها هذه الكاميرات والدرونات ولم تحصيها العدادات وهي تلك الندوب التي تشقق الأنفس وترعب الأرواح وهي لا تزال مختبئة داخل الأجساد الطرية والهشة !!
إن أعداد المتضررين نفسيا من هذه الكارثة المروعة قد يفوق كثيرا أعداد المتضررين جسديا، إنهم متضررون بعوارض كثيرة كالشعور بالخوف والقلق والاضطرابات النفسية لكن… ولكن تطوع المغاربة جميعا حصن الصحة النفسية لكل المتضررين من الزلزال عبر تلك الهبة الجماعية والمسيرات العفوية والتعاطفية والإنسانية نحو مناطق الزلزال رغم وعورتها أحس الجميع بالاطمئنان وساعد على بلورة مشاعر ايجابية من خلال الشعور بالرضا عن النفس والغيرة المقدسة من خلال التركيز على ماسي الضحايا والمتضررين حتى أصبح الجميع هنا وهناك كيانا متوحدا وكلا متوافقا يشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص.
لقد شاهد العالم كيف أن الإنسان المغربي اظهر معدنه الخالص حين تعامل مع الكارثة الطبيعية بالخلق والخير والعطاء ونكران ذات لا بالأوهام والأنانية والرعب الخرافي وتعامل مع إخوانه المصابين وأسرهم المكلومة برباط العطف ومحو الذات فشاركهم الإحزان وتقاسم معهم الأضرار والأموال متماسكين تماسك الفولاذ ومشدودين إلى بعضهم البعض حتى تمتد فيهم جذور الأخوة والتكاتف جيلا بعد جيل وهو ما يبين أن مجتمعنا المغربي هو مجتمع فيه نظام للتوجيه الروحي رغم هيمنة المال والرأسمال على ثقافة المجتمع إلا انه لم يتغير أي شيء عن حاجيات الإنسان الروحية بل جاء هذا الزلزال ليزيد من وعي الإنسان بإنسانيته.
جاء الزلزال وهدم القرى والدواوير ونسف الأرض وأصاب الناس في أرواحهم لكنه في المقابل حرك المشاعر والعواطف الإنسانية والروحية ومنحنا الآمل والسند والتشجيع وتزايد عدد المؤمنين بالقيم الروحية والوطنية والإنسانية لوجود جذور أصيلة للعقيدة الإسلامية في نفوس المغاربة.
ولقد اشترك الجميع رغم تباين ألسنتهم ومعتقداتهم في هذا التكافل والتضامن والتآزر الإنساني واستمتعوا به وهو ما خلق أسمى أشكال السعادة الإنسانية ألا وهو المتعة المشتركة مع المصابين والمكلومين سواء في الفرح او القرح وسواء في الانجازات او النكبات وليس اقدر على توحيد البشر من المشاركة في الإعجاب بهذا التكافل.
إن هذه التقاليد المشتركة هي الأرضية التي يعيش عليها سكان هذا الوطن وهي النسيج الذي صنع منه الثوب المغربي الذي يلف الجميع وهذه المسالة ليست ظرفية كما قد يعتقد البعض او يتوهم المغرضون وإنما هي مسألة جوهرية تدخل في نطاق هويتنا وثقافتنا وحضارتنا وليس عجيبا أن يدرك الأشقاء والأصدقاء والأعداء والخصوم من الشعوب والأمم الأخرى حقيقة هذه الخصال التي تشكل جوهر هويتنا وربما من واقع الدهشة التي أصابت البعض من أشقائنا وأصدقائنا وحتى خصومنا أن وجدوا أنفسهم أسرى له وهو ما دفعهم إلى البحث في تراث وتقاليد شعبنا العتيقة.
ان المواطنة التي تسلح بها المغاربة في مواجهة هذه الكارثة هي إيمان مغروس بجذورنا في البناء الخاص لشخصيتنا وهو ما أدهش العالم حين يتابعون القوافل والمسيرات والحشود البشرية من الشباب والكهول والأطفال أفرادا وجمعيات متجهين نحو مناطق الزلزال (لا الهروب منها) لتقديم يد المساعدة لإخوانهم ومشاركتهم في الآلام والأحزان وتقوية معنوياتهم رغم الهزات العنيفة التي أصابت أبدانهم وأجسادهم ونفوسهم وممتلكاتهم.
هذا الإيمان وهذه المواطنة الأصيلة المتجذرة في النفوس والعقول كانت الوسيلة الأساسية التي تم بها قهر جبروت الطبيعة وكوارثها كما تم بواسطتها تفويت الفرصة على بعض القوى الأجنبية لاختراق الجبهة الداخلية أو اللعب بالعواطف.

الكاتب : ذ: محمد بادرة - بتاريخ : 20/09/2023

التعليقات مغلقة.