السنة الأمازيغية بالمغرب

محمد مستاوي

يعلم المهتمون بما له علاقة باللغة والثقافة الأمازيغيتين، بل وبكل ما له علاقة بالأمازيغية عامة، وبداية السنة الأمازيغية خاصة يتزايد سنة بعد أخرى تزايد المهتمون بها أفرادا وجمعيات ومجموعات سواء تعلق الأمر بالإعلام السمعي البصري والمكتوب أو تعلق بالوسط الشعبي بمروياته وبممارسته الموروثة أبا عن جد وجدا عن جد وهكذا.
ويعتبر هذا لدى المهتمين من المؤشرات الدالة على تنامي الوعي الثقافي والهوياتي لدى المواطن المغربي عامة والأمازيغي بصفة خاصة، لكنه في نفس الوقت يطرح مسألة المعرفة التاريخية بالتقويم.
في وقتنا الحاضر يتم العمل في المغرب بأربعة أصناف مختلفة من التقويم، وصف المهتمون بالموضوع هذا للتقويم حسب تسلسله التاريخي كالتالي :
التقويم الأمازيغي أو الفلاحي الذي هو تقويم شمسي.
التقويم العبري الذي هو تقويم يجمع بين القمري والشمسي.
التقويم الكير كوري الذي هو تقويم شمسي.
التقويم الهجري الذي هو تقويم قمري.
لن نقف عند التقويمات الثلاثة، العبري، الكير كوري، الهجري لتوفرها على دراسات ومراجع شتى اللغات، أضف إلى هذا أنها ليست ذات علاقة بموضوعنا.
خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة للتقويم الأمازيغي الذي ما يزال في حاجة إلى من ينفض عليه الغبار للتعرف عليه والتعريف به من الناحية التاريخية، وهذا ليس بالأمر الهين لكون المصادر التاريخية أو مصادر المصادر التاريخية تجاهلته وسكتت عنه، فكل ما تم التعرف عليه، وصلنا عن طريق الرواية المتداولة في الأوساط الأمازيغية المتواجدة هنا وهناك ولدراسة التقويم الأمازيغي أو الفلاحي لنا الرجوع إلى ما وصل إلينا من معطيات عن طريق النقوش الصخرية أو الرواية الشفوية والطقوس الفلاحية.
فالمعروف أن الشمال الإفريقي والصحراء الكبرى بصفة عامة والمغرب الأقصى بصفة خاصة، توجد بها صخور تحمل نقوشا لرموز وحيوانات مختلفة، حاول الباحثون منذ مدة دراستها واستنطاقها وفك دلالتها التاريخية، وفي هذا الصدد يمكن القول إن بعض النقوش الصخرية ربما لها علاقة بالتقويم وخصوصا منها المتعلقة بالشمس والتي سماها بعض الباحثين بالعجلات الشمسية التي تجدها في الأطلس الكبير وتافسوت اوتيفسا في مناطق أخرى من الأطلس المتوسط وشمال مدينة فاس “فصل الربيع” وانبدوا فصل الصيف، وتيمنزويت فصل الحرث المبكر وبعض الزراعات السريعة.
والملاحظ أن مدة هذه الفصول تتفاوت شيئا ما حسب المناطق.
ففصل الحرارة مثلا يبدأ مبكرا في الجنوب الصحراوي وشبه الصحراوي، ولهذا فالسنة الأمازيغية الفلاحية هي الأخرى مقسمة إلى اثنى عشر شهرا هي يناير، فبراير، مارس، أبريل، ماي، يونيو، يوليوز، غشت، شتنبر، أكتوبر، نونبر، دجنبر.
وبفعل انتشار الإسلام في المغرب، تمت أسلمة بعض الشهور الأمازيغية وخصوصا التي لها طابع ديني كشهور رمضان، عاشوراء، والمولد النبوي، وهكذا تدخلت السنة الأمازيغية الفلاحية.
وفيما يلي قائمة هذه الشهور الأمازيغية رمضان دومضان وين لعيد – شوال وين كر لاعياد، ذو القعدة – وين نفاسكا، ذو الحجة – تاعشورت، محرم – وين لمولود، صفر – اكن ازوارت، ربيع الأول – ويسين اكتيرن، ربيع الثاني – اطفاس امزوار، جمادى الأولى – اطفاس اكران، جماعة الثانية – وين اوكرام، رجب – تلبتورت.
وكما هو معروف فالسنة الأمازيغية تبدأ يوم 13 يناير من كل سنة ولي ليلة ذاك اليوم يتم الاحتفال بحلول السنة الجديدة وفق طقوس معينة تختلف شيئا ما من منطقة إلى أخرى وتلك الليلة تسمى «ئض ن – ئناير» وتسمى في مناطق أخرى «ئض نوسكاس» وئض ن حاكوزا عن ايت شغر ءوشن.
وهذا يعني نهاية سنة وبداية سنة جديدة والتعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة يقوم الناس بإعداد وجبات أكل خاصة تتفاوت مكوناتها من منطقة إلى أخرى، فلدى قبائل دادس وامغران وتفراحت وايت عطا على سبيل المثال يكون ذلك على شكل طبق الكسكس، ومرق محضر من سبع خضر يوضع فيها … اغرمي واحد لاعتقادهم أن من وجد هذه النوى أغرمي أثناء الأكل يعتبر سعيدا ومباركا بالنسبة للعائلة خلال السنة الجديدة، فلدى امغران كان يحظى بتسلم مفاتيح مخزن العائلة ومن الأقوال المأثورة أيضا في هذا الصدد أن من لم يشبع الطعام في تلك الليلة فإن الجوع سيطارده طيلة السنة الجديدة وأنا ءور ئشبعان ئض ن ئناير ءور سار ئشبعان أردئسوتل ءوسكاس.
ولدى أيت مزال يكون ذلك الطبق من العصيدة وقبل تناوله يوضع في القدر فلس ونوي تمرد اغرمي وجزء من قشرة ثمرة أركان لاعتقادهم أن من وجد في لقمته أثناء الأكل ذلك الفلس فإنه سيكون غنيا، أما من كان من حظه أن يجد فيه النوى فإنه سيكون له ماشية كثيرة، في حين أن من وجد فيها ذلك الجزء من قشرة ثمرة أركان فإن مصيره الفقر.
وفي بعض المناطق من بادية سوس يسمونه بركوكس ومن المعتقدات أن نزول المطر في هذه الفترة أي في بداية السنة الفلاحية فإن الأمازيغيين يستبشرون خيرا بسنة فلاحية مطيرة وذات محاصيل جيدة.
إذا استمر المطر يتراشقون بالمياه فيما بينهم أو كانوا يذهبون للاستحمام في الوديان الصغيرة «اغزران».
ومن مظاهر تلك الطقوس أيضا أن النساء في منطقة حاحا كن يقمن بوضع ثلاث لقمات قبل النوم في سطوح المنازل ورمز ثلاثة يرمز إلى الشهور الثلاثة، الأولى من السنة يناير، فبراير، مارس، واستدرارا للمطر تقوم تلك النسوة برمي اللقمات بشيء من الملح وفي الغد يقمن بدراسة اللقمة التي سقط عليها الملح لأن من شأن ذلك أن يدلهن على معرفة الشهر الذي سيكون ممطرا.
وإذ يبدو واضحا أنه من الصعب تأطير تلك المعتقدات وضبطها في الزمان فمن الجائر القول إنها إشارات واضحة إلى أزمات غذائية ناتجة ربما عن مجاعة وكانت بعض المناطق المغربية عرضة لها خلال فترات تاريخية معينة ومما يدل على قوة هذه الاحتفالات بالسنة الجديدة لدى أمازيغيي المغرب أنها تركت بصمات واضحة على أسماء بعض المواقع الجغرافية إفران اغرمان بنايو تاباينون.
وقد نجد عادات تم نقلها من إض ن ئناير إلى عاشوراء الخ.
وبحلول رأس السنة الجديدة ينطلق غرس الأشجار وإتمام الحرث لأن التربة في ذلك الحين تكون دافئة مما يساعد على نمو الأشجار والنباتات التي يبدأ ماؤها في الجريان… وهكذا ينطلق العمل الفلاحي الذي يتخلل السنة كلها خاصة لما كانت الفلاحة المورد الوحيد لكسب القوت اليومي.
وما يستخلص من المعطيات السابقة، أن التقويم الأمازيغي قديم جدا قدم الإنسان الأمازيغي نفسه، ومن المحتمل أن يكون أبا للتقويم المصري الذي يرجعه بعض المؤرخين إلى 5000 سنة قبل الميلاد، ومن جهة أخرى تؤكد عناصره أنه تقويم فلاحي بامتياز، تشكل مختلف الطقوس الاحتفالية المواكبة له، خصوصا في بداية السنة، أحد مظاهره القوية.
بيد أنه ما يزال في أمس الحاجة إلى الدراسة والاغتناء ومعرفته معرفة علمية دقيقة، وهذا الأمر لن يأتي إلا بتظافر جهود الجميع، جمعيات ثقافية وأفراد ومهتمين قصد رصد جميع المعلومات المتعلقة به في جميع مناطق المغرب، ذلك يساعد على سد النقص الحاصل في المادة المصدرية المتعلقة به، ويصونه بالتالي من الاندثار قبل فوات الأوان.
ينغميسن ي – ؤسيناك
د- محمد حمام – مدير مركز الدراسات التاريخية والبيئية (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية).
أبو حامد الغرناسي، المعجب عن بعض عجائب المغرب، تقديم وترجمة وتحقيق إينغراد بيخار انو، المجلس الأعلى للأبحاث العلمية، معهد التعاون مع العالم العربي، مدريد 1991، ص : 46.

الكاتب : محمد مستاوي - بتاريخ : 23/01/2024