السودان.. بين المؤسسية والانقلابات العسكرية

د. أسامة أحمد المصطفى

الثورة السودانية اليوم، ابنة هذا التاريخ السياسي القريب والبعيد، خرجت من رحم معاناةٍ لـ 30 عاماً من التصحّر السياسي في ظل حكم الحزب الواحد، فهي تأمل في أن تنجح بتشكيل جسم سياسي موحّد في الرؤية يحظى بشرعية الداخل، وبثقة المجتمع الدولي في آن واحد.
فالمتتبع للواقع السياسي السوداني بالتحديد مع الأحزاب التقليدية خلال سنوات ما بعد الاستقلال وحتى اليوم، يرصد أنها فشلت في إيجاد صيغة توافقية بينها حول نظام الحكم والدستور، كما أخفقت في تقديم حل لمشكلات البلاد جملة وتفصيلا، مما مهَّد لتدخل الجيش لإقصائها من الحكم، وكان ذلك لثلاث مرات متتالية مُسْتغلاً السخط الجماهيري المتزايد بتأزم الأوضاع.
وإذا تابعنا مجريات عمليات الوفاق الوطني، وتدبرنا الأسس والبنود التي ظل يدور حولها أمر هذا الوفاق يتضح لنا أنها نفس البنود التي ظلت تدور حولها البلاد منذ الاستقلال، وحتى اليوم وفي لحظات التداول بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية وغيرهما، وهي رغم أهميتها إلا أنها تعكس قصور الهم الوطني.
فكيف يتسنى للمفاوضين في أديس أبابا من قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية والحركات المسلحة والحركة الشعبية والأحزاب، التوصل لاتفاق وطني حول الأفكار والأسس والاستراتيجية وحول المصالح الاقتصادية والأمنية والتعليمية، حتى لا تتكرر مسرحية («انقلاب عسكري»، «ثورة مدنية فاشلة»، «انقلاب عسكري»).
من الضرورة في الراهن، إصدار«وثيقة شرف» تمنع الانقلابات العسكرية في السودان، توقع عليها جميع القوى السياسية والأحزاب وقيادة الجيش، والاعتراف بالقوات المسلحة السودانية كحامي للوطن وللشعب وبدونها لا تعتبر هكذا، لأن الحديث عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان عموماً أصبحت تفرضها التطورات الدولية بقوة.
ولكن بقراءة دقيقة نجد أن الديمقراطية بمفهومها الصحيح كمؤسسية لم تـُمارس حتى الآن في السودان، وما تم لا يعدو أن يكون وصولاً إلى السلطة عبر انتخابات في دوائر مغلقة أو مسنودة بجماهير تساند من منطلق عقائدي طائفي لا غير.
إن المؤسسية هي السبيل الوحيد لتوفير مكونات الأمن والهوية لجميع السودانيين، مما يسرّع عملية التحضر وتكامل وتطوّر العملية السياسية والاقتصادية، ويمكن أن يلبي المطالب الشعبية، ويقلل من درجة الإحباط الشعبي والسياسي، وهكذا تسير دورة التمدن والتحضر في المجتمع بكفاءة عالية.

الكاتب : د. أسامة أحمد المصطفى - بتاريخ : 27/07/2019