السياسات الرسمية، لماذا تتجاهل أطفال الفقر… ؟

محمد أديب السلاوي

-1-

“أطفال الفقر” في بلادنا ، فئات متعددة : هم أطفال الهجرة القروية، وأطفال مدن القصدير المهمشة، والأطفال المتخلى عنهم، وأطفال الشوارع، والأطفال المطرودين من بيوتهم، والأطفال الهاربين من أسرهم، وأطفال الحقول والمعامل السرية، وأطفال التسول. هم أطفال المحيط الذي يتبنى الجيل المستقبلي من مرضى الفقر والمجرمين والمنحرفين والذين لا موقع لهم في السياسات الرسمية.
كل واحد من هؤلاء الأطفال، هو عقل وإنسان وحالة نفسية، ولكنهم بسبب الفقر تحولوا إلى كائنات بشرية تعيش وتتموضع خارج العيش، إنهم أطفال بدون أسر / بدون تكوين نفسي / بدون تكوين عقلي / …وبدون مستقبل، تتلاعب بهم الأقدار، وترمي بهم إلى الجحيم اللاإنساني، واللاأخلاقي.
إنهم فئة من الأطفال غير متجانسة، ولكن همومها واحدة في العيش والمعيش، إنها كائنات بشرية خارجة عن منهج الحياة وقيمها الحياتية.
وبعيدا عن المخاوف والهواجس والتساؤلات، استطاعت هذه الفئة من الأطفال التي تتوسع يوميا مع توسع ظاهرة الفقر والتهميش، أن تفرض نفسها، وأن تثير اهتمام الرأي العام والمجتمع المدني، وأن يكون لها ذكر في المؤسسات الإعلامية والحقوقية، وهو ما يعد انتصارا سياسيا واجتماعيا وثقافيا للطفولة الضائعة في الزمان والمكان.

-2-

تنتمي هذه الشريحة من الأطفال إلى العمود الفقري لكل إستراتيجية مستقبلية، لأجل ذلك فإن البحث في أغوارها يفرض علينا أن لا نكتفي بالنظر إليها من بعيد، لأنها تفرض علينا مواجهتها بشجاعة ونجاعة، فمثل هذه الشريحة تحتاج منا قبل كل شيء مواجهة العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية الحقيقية التي دفعت بها إلى التوسع لتصبح ظاهرة مخيفة، وأن تتحلى بالكثير من المسؤولية والحزم، فالأمر يتطلب منا مقاربة إستراتيجية / تجنيد الدولة والحكومة والمجتمع المدني، إضافة إلى عمل رجال التربية وعلماء النفس والصحة والمختصين في الإعلام والاتصال لكسب الرهان وإعادة إدماج هذه الشريحة الواسعة من أطفال الشوارع والمشردين والهاربين من أسرهم والمتخلى عنهم والمهمشين والمتسولين، ضمن إستراتيجية موازية أخرى لإعادة الثقة إلى المؤسسة الاجتماعية وخلاياها في العالمين القروي والحضري، ليكون لهذا الاندماج كاملا وتاما وايجابيا.
إن الطفولة المغربية بحجمها المتنامي، وبأهميتها في استراتيجيات المستقبل، كما في استراتيجيات التنمية في أبعادها وقيمها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الزمن الراهن، تجعلنا أمام اختيار واحد هو البدء بتفعيل أدوار هذه المقاربة / الإستراتيجية، وتحقيق مستلزماتها ومقتضياتها لتسيير ظروف العيش الكريم والرعاية المتكاملة لطفولتنا وفق أوضاع اجتماعية مريحة.
والسؤال المحير: ما هي إستراتيجية الحكومة للقضاء على ظاهرة فئات “أطفال الفقر” في غياب إحصائيات ومعطيات مضبوطة حول حجمها ؟

-3-

على المستوى الوطني، استقطبت هذه الشريحة المخيفة اهتمام المجتمع المدني المغربي، حيث عقد لها بدوره العديد من الملتقيات وأنجز لها الكثير من الدراسات والتوصيات…
ففي نطاق البحث عن إستراتيجية قويمة، أوصى المجتمع المدني بضرورة الأخذ بعين الاعتبار اشتراك الجماعات المحلية التي تتوفر على إمكانيات هائلة، مادية ومعنوية للمشاركة في برنامج إنقاذ هذه الشريحة من الأطفال، واقترح على المنتخبين إقامة شراكات مع الجمعيات غير الحكومية، التي تتوفر لديها الموارد البشرية المتخصصة لانجاز البرامج وتطبيقها مع فسح المجال للمختصين للقيام بدراسات ميدانية، يتم تعميم نتائجها وطنيا، مما سيمكن جهاز الدولة / الحكومة من بلورة تصور حقيقي لمواجهة الظاهرة.
ففي نظر المجتمع المدني، أن الآليات القانونية للتنظيم الجهوي تسمح بتحقيق هذه الأهداف عبر تصور الشراكة والتعاون بين الوزارة المعنية والجهة باعتبارها مركز وسيط، يستوعب هذا النوع من التدخلات في القطاعات الاجتماعية، وهو ما يتطلب في نظرنا رصدا شموليا داخل النطاق الترابي الجهوي، وذلك من خلال وضع برنامج عمل قادر على استيعاب مختلف المتطلبات الاجتماعية الكفيلة بحل ظاهرة “أطفال الفقر”، إن أبعاد هذه الظاهرة لا تنحصر في الجانب المادي بل تتعداها إلى الجانب المعنوي للفرد – الطفل – المفتقد للحنان الأبوي والأسري ودفء العائلة والوجود الاجتماعي والهوية إلى غيرها من الصور التي تشكل حجر الزاوية في البناء الشخصي والسيكولوجي للإنسان / المواطن.
وقبل الاقتراب من الإستراتيجية التي يقترحها المجتمع المدني لظاهرة “أطفال الفقر”، نرى من المفيد أولا ،الاقتراب من “خطة حكومة التناوب 1999″ التي اعتبرها المجتمع المدني خطة مرجعية في بناء الإستراتيجية المقترحة لإنقاذ هؤلاء الأطفال.
تأخذ هذه الخطة ” بالإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه” وتتمحور حول تفعيل حقوق الطفل وإيجاد الحلول المناسبة والموضوعاتية لمشاكل الطفولة بشكل عام.
تلتزم منطلقات هذه الخطة بالتعاليم الإسلامية، والتوجيهات الملكية السامية بخصوص الطفولة المشردة على وجه التحديد. وباتفاقية حقوق الطفل، كما تلتزم أهدافها بتحسيس السلطات العمومية ومكونات المجتمع المدني والرأي العام بخطورة ظاهرة الأطفال المشردين / أطفال الفقر وتمكينهم من الحقوق الأساسية، كما نصت عليها الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، وتنسيق وتطوير البرامج الحكومية وغير الحكومية، وإصلاح الإطارات القانونية والمؤسسات ذات الصلة بالطفولة التي تعاني من أوضاع صعبة، وتوفير شروط إعادة إدماج هؤلاء الأطفال ضمن أسرهم، وتحسين مستوى تأطير المؤسسات المهتمة بهذه الظاهرة، وتطوير الخدمات الاجتماعية التي تقوم بها لفائدة أطفال االفقر، ودعم جهود الجمعيات المتداخلة في هذا المجال.
كما التزمت هذه الخطة من جانب آخر بإنجاز دراسات محلية لرصد ظاهرة أطفال الشوارع، وإنشاء بنك للمعلومات والمشاريع المتعلقة بهؤلاء الأطفال، وتشجيع الدراسات والأبحاث الجامعية للاهتمام بقضاياهم، وتوظيف أخصائيين في مراكز وهياكل استقبال هؤلاء الأطفال للرفع من مستوى التأطير.
وفي الجانب القانوني، التزمت هذه الخطة، بإلغاء تجزيم التشرد بالنسبة للأطفال في القانون، والإسراع باقتراح قانون الكفالة والمراسيم التطبيقية له، مع تبسيط المساطر المتعلقة بالتكفل، وإعادة النظر في قانون النفقة. وخلق صندوق للنفقة لفائدة الأسر المعوزة، وتفعيل مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل، ووضع معايير وضوابط لضمان الشفافية في منح صفة النفع العام بالنسبة للجمعيات العاملة في مجال الطفولة، في وضعية صعبة.
ولقد أكدت هذه الخطة في ديباجتها أن الطفولة المشردة، تشكل تحديا أمام قدرة الجهة على كسب الرهان الاجتماعي، لأنها ابرز مظهر لتدخل الفعاليات السياسية والمدنية من اجل توفير “الخيريات” ودور الاستقبال المتوفرة على ظروف العيش الكريم، وإحداث مؤسسات وهيئات تعليمية وثقافية تسهر على دمج الطفل المشرد في بيئته، بعد أن يتم توفير شروط العيش والنمو وتحقيق التغطية الصحية والحماية الاجتماعية اللازمة، حتى يصبح هذا الطفل عنصرا منتجا وليس عنصرا للجريمة.
وتعتبر هذه “الخطة” أن الجهة قادرة على تحقيق ذلك من خلال تقوية قنوات التعاون بواسطة برنامج توسيع دائرة أساليب التحكم في هذه المعضلة. ولن يتم ذلك إلا بتوسيع دائرة المشاركة وتوسيع دائرة التوعية الاجتماعية وتحسيس السكان بأهمية المشاركة عن طريق تشجيع العمل التطوعي والجمعوي للبناء، وتحفيز الجمعيات الخيرية على توسيع نطاق تدخلها،على المستوى المادي كما على المستوى المعنوي.
وفد التزم تصريح حكومة التناوب (1998) أمام البرلمان بصياغة قانون خاص بالطفولة، الشيء الذي دفع بعدة منظمات وجمعيات من المجتمع المدني إلى دعم هذا التصريح. كما دفع بكتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والطفولة والأسرة إلى تهيئ خطة عمل وطنية لإدماج هؤلاء الأطفال ترتكز على ثلاثة مشاريع يتضمنها المخطط الخماسي (1999-2004) وتتمثل في بناء مراكز للإيواء وإعادة الإدماج الاجتماعي في كل من الدار البيضاء وتمارة وتطوان…وجهات أخرى.
السؤال المحير : أين كل هذا من واقع أطفال الفقر في المغرب الراهن…؟
هل اختفت هذه المشاريع…وأين اختفت…؟
هل رحلت مع حكومة التناوب…أم أنها ما زالت تنتظر من يحركها…؟

الكاتب : محمد أديب السلاوي - بتاريخ : 20/02/2019