الشيخ محمد المكي الناصري الدرعي

علي المرابط الدرعي

بعدما تم احتلال المغرب من طرف فرنسا بمقتضى عقد الحماية يوم 30/12/1912 مع الملك مولاي حفيظ، كان بعض الطلاب المتشبعون بأفكار السلفية المجددة والصوفية السنية كما هو الشأن بالنسبة لمحمد عبده ورشيد رضا في المشرق العربي، كانوا من خططوا للنضال وصاروا ينادون بإدخال الإصلاحات المتعلقة بتحسين أوضاع المغاربة المعيشية والسياسية ووضع حد لسياسة الإقصاء والتهميش المتبعة حتى الآن من قبل سلطات الحماية ومن الدعاة إلى اتحاد العرب المسلمين وجمع كتلتهم حتى يتمكنوا من مواجهة المخططات الاستعمارية .
كان رحمه لله من أصل واد درعة بزاوية تمكروت إقليم زاكورة حيت تشبع بالفكر الشرعي من مدرسة المرحوم سيدي محمد بناصر، شيخ الزاوية، الذي وصل صيته جميع أنحاء المغرب، ويتعلق الأمر مثلا بتلاوة الحزب الراتب من القرآن الكريم بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب في المساجد، وكانت زاوية تمكروت بوادي درعة منبعا لطلبة العلم الشرعي يأتونها من جميع أرجاء المغرب مدة طويلة لتلقي القرآن والحديث ومبادئ الصوفية السنية.
ازداد محمد المكي الناصري بمدينة الرباط ومنها أتم دراسته الابتدائية والثانوية وتخصص في دراسته الجامعية بالثقافة الإسلامية وعلوم الفلسفة والاجتماع سنة 1932 في جامعة القاهرة وفي مادة التربية بكلية الآداب جامعة باريس، وفي مادة القانون الدستوري والقانون العام الدولي في جامعة جنيف . كان عضوا مؤسسا وعاملا في لجنة تحرير المغرب العربي التي أنشأها محمد عبد الكريم الخطابي بالقاهرة وعضوا في الوفد الذي قام بتمثيل المغرب لرفع شكواه المتعلقة بالدفاع عن قضيته لدى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة منذ سنة 1931 إلى 1955، وكان أستاذا جامعيا بكلية الحقوق بالرباط حيث درست عليه الفقه الإسلامي سنة 1974 وكان إماما لجامع السنة بالرباط إلى أن انتقل إلى عفو الله سنة 1995 .
ومن الناحية السياسية أعلن تأسيس الحزب الوطني لتحقيق المطالب المتعلقة باستقلال المغرب في يناير 1937 بفاس، مباشرة بعد الانشقاق الذي عرفته كتلة العمل الوطني، والذي أدى إلى انصراف حسن الوزاني من الحزب. وهكذا جاء حزب الاستقلال برئاسة علال الفاسي بأهداف وبرامج منبثقة عن كتلة العمل الوطني من أهمها تمسك هذا الحزب بالإسلام وبالنظام الملكي . وفي مؤتمره الأول بمدينة الرباط في أكتوبر 1937 أصدر الحزب ميثاقه الوطني استنكر فيه أنواع الاضطهادات التي يقوم بها المستعمر وإطلاق سراح المعتقلين الوطنيين. ومما يذكر عنه إلى الآن أنه من كبار علماء تفسير القرآن الكريم استدلالا بعلماء التفسير، وعلى رأسهم ابن عربي المعافري، بعد تلاوته من المرحوم عبد الرحمان بن موسى بعد صلاة الفجر من كل يوم، منذ سنين، ويقوم بهذا التفسير في القناة السادسة للقرآن الكريم قبل صلاة العصر يوميا.
ومما يجب التأكيد عليه أنه من مؤسسي الخلايا الأولى ونشر الوطنية ومناهضة البدع إلى جانب شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي وبوشعيب الدكالي، وقد كانوا من القادة الأوائل الذين يشهد لهم التاريخ بنشر الوعي الوطني والإصلاح الديني من أمثال علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد والمهدي بن بركة وأبو بكر القادري، وفي بداية الاستقلال تم تعيينه سفيرا في ليبيا من طرف محمد الخامس.
أما الفكر السلفي عند الناصري فقد تشبع به من أخيه محمد اليمني الناصري قبل أن يصقله على يد شيوخ سلفيين كبار. كان رحمه لله صاحب مقدرة علمية وثقافية في كتاباته ومن خلال نجاحاته في مهمة التدريس وإشباع معلوماته في الفقه والنحو وغيرها، وفي ما يتعلق بالحركة العمالية فتم ترؤسه لأول لجنة من بين أقرانه في هذا الوسط المغربي الذي تعود أهله السكون والسكوت، وذلك بالدعوة إلى كتاب الله وسنة رسول الله (ص) وتطهير العقيدة الإسلامية من الخرافات ومن البدع ومحاربة أهلها من غير أن يخاف لومة لائم، ومن تم تشبيهه بأبطال الحق والحقيقة وجعله على رأس المعلمين، وكان من مؤلفاته «إظهار الحقيقة» أما أخوه ابن اليمني فقد ألف كتاب «ضرب نطاق الحصار» ردا على خصومهم، وأتذكر أنه بمناسبة وفاة أم كلثوم كان أول ما فتح به الدرس قوله «ماتت أم كلثوم رحمها لله وقد أغنت الشعر العربي».
أما بالنسبة لدروسه التطبيقية فقد تولاها الأستاذ عيد من جنسية سورية، ومن الذين كان لهم حظ في الاستفادة من دروس المرحوم الناصري جلالة الملك محمد السادس بعد التحاقه بكلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، التي تزخر بأساتذة جامعيين أكفاء مختصين في شعب مختلفة، كمحمد عابد الجابري في الفلسفة ومحمد كسوس في علم الاجتماع وغيرهم من المغاربة في كلية الآداب. أما بالنسبة لكلية الحقوق فمنهم فتح لله ولعلو والحبيب المالكي في علم الاقتصاد ومن خارج المغرب الأستاذ مأمون الكزبري المختص بالقانون المدني وموسى عبود الاستاذ اللبناني المختص في قانون الشغل.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المغفور له المكي الناصري لم يكتف بإلقاء دروسه في كلية الحقوق بل كان يلقي محاضرات في جامعة القرويين بفاس، وفي كلية مولاي عبد لله بالدار البيضاء، كما يتردد على زاوية تمكروت لإلقاء دروس في العلم الشرعي والحديث، وله صيت على الصعيد الوطني والدولي والعالم العربي الإسلامي حول تفسير القرآن والأحاديث النبوية الشريفة.
رحم لله الفقيد المكي الناصري وأسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء والصالحين.

الكاتب : علي المرابط الدرعي - بتاريخ : 01/04/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *