العثماني والتمسك الأعمى بتعدد الأجور التعويضات !

اسماعيل الحلوتي

في خضم الهجمة الشرسة لجائحة «كوفيد -19» التي ضربت الأرض من مشارقها إلى مغاربها، ولم تدع مفصلا من مفاصل الحياة إلا ودمرته، وبينما كان الكثير من المغاربة وخاصة منهم المهتمين بالشأن العام، ينتظرون أن تبادر الحكومة بكل ما يلزم من مسؤولية وحزم على مواجهة تداعيات هذه الجائحة، بالاعتماد على بعض الإجراءات التقشفية الضرورية، خلال انكبابها على دراسة مقترحات الأحزاب في شأن تعديل القانون المالي لسنة 2020، بما يساهم في رفع الضغط عن الميزانية العامة، ومن بينها مقترح «منع تعدد الأجور والتعويضات»..إذا بنا نفاجأ بما حملته صحيفة الصباح الصادرة يوم 16 يونيو 2020 من أن سعد الدين العثماني رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي ما انفك يتحدث عن الصعوبات المالية التي ستواجهها بلادنا في ما بعد الانتصار على الوباء الفتاك، يرفض بشدة التأشير على إجراء «منع تعدد التعويضات في المهام الانتدابية والتمثيلية الانتخابية»، المطروح من قبل حلفائه في: التجمع الوطني للأحرار بواسطة وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ويأتي هذا الرفض ليس ضدا عن الحزبين السالفي الذكر بسبب صراعه الخفي والمعلن معهما، وإنما لإرضاء «لوبيات» حزبه ممن يرون في المقترح استهدافا لهم ومسا بمكتسباتهم، باعتبارهم الأكثر عددا في رئاسة المجالس الجماعية، وتحملا للمسؤوليات في الدواوين الحكومية، واضطلاعا بمهام مختلفة في المؤسسات العمومية، حيث إنهم باتوا ينظرون للأمور من منطلق الخلود بمنطق حسابي صرف ومن زاوية ضيقة، تنحصر فقط في مصالحهم الذاتية والحزبية والدعوية، ويعتبرون أن المتضرر الأكبر من تمرير هكذا مقترح في تعديل القانون المالي، لن يكون سوى الحزب نفسه وذراعه الدعوية «حركة التوحيد والإصلاح»، بحكم أن المستفيدين من تعدد التعويضات يساهمون بمبالغ مالية شهرية قارة لفائدتهما.
وجدير بالذكر أن محمد بنشعبون وزير المالية كان من بين أكثر الوزراء تحمسا للإجراء التقشفي، إذ ظل ينتظر موافقة رئيس الحكومة على تضمينه في مشروع قانون المالية التعديلي، لوضع الصياغة النهائية وعرضه على المجلس الوزاري، ومن ثم إحالته على البرلمان للمصادقة عليه. فضلا عن أن مطلب إلغاء ازدواجية التعويضات في مناصب المسؤولية، ومنع تعدد الأجور والتعويضات في الهيئات المنتخبة والمؤسسات الدستورية والإدارية، ليس مطلبا جديدا ووليد الوضع الراهن، بل سبق للفريق الاشتراكي أن كان تقدم به في 13 نونبر 2017 وأحيل على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في 4 دجنبر 2017. لكن يد البيجيدي امتدت إليه وخنقته، حيث عمد آنذاك رئيس لجنة المالية عبد الله بوانو المستفيد بدوره من الجمع بين عدة تعويضات، إلى عدم برمجة أي اجتماع يخص تقديمه، مخالفا بذلك مقتضيات النظام الداخلي، وخاصة نص المادة 180 حول ضرورة برمجة مكاتب اللجان الدائمة دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها…
فالبيجيديون اعتادوا دوما على البحث لأنفسهم عن مشجب يعلقون عليه إخفاقاتهم المتواترة، والتستر وراء اختلاق مؤامرات وهمية تستهدفهم وحزبهم، حيث صاروا أكثر دربة على لعب دور الضحية عند كل محاولة إصلاحات أو تغييرات أو مقترحات وتعديلات قانونية لاتخدم مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة. وهم في جميع الأحوال جماعة من الأشخاص تتلمذوا على أيدي شيوخهم الكبار، وأصبحوا ملمين بكيفية دغدغة عواطف الناس واستمالتهم من خلال استغلال المشترك الديني، جاعلين منه ميزة دون باقي الأحزاب المنافسة لهم. وبفضل الخطاب الديني ولغة المظلومية ونظرية المؤامرة تمكنوا من الوصول إلى مربع الحكم، وتولي أهم مواقع المسؤولية قبل الشروع في استنزاف خيرات البلاد، مرجحين مصالحهم الشخصية على خدمة الشأن العام، ضاربين عرض الحائط بالمصلحة العليا للوطن وأبنائه، وبقيم الصدق والأمانة والوفاء، كما كشفت عن ذلك العديد من فضائحهم المتوالية.
ويستغرب الكثيرون من استمرار رئيس الحكومة في السير على نهج سلفه ابن كيران، بعد أن أتيحت له فرصة التكفير عما اقترفه الحزب من أخطاء وراكمه من خيبات، وإلا كيف يمكن تفسير تشبثه برفض مقترح لا يهدف إلى تفقير قياديي حزبه ولا إلى تجريدهم من مواصلة تحمل مسؤولياتهم وممارسة مهامهم؟ وبصرف النظر عن صاحب أو أصحاب المقترح، فهو لا يروم إلا المساهمة في تخليق الحياة العامة والتصدي لمختلف المظاهر السلبية المتناقضة مع مبادئ الحكامة الجيدة ، وحسن التدبير وترشيد النفقات العمومية. فلم الإصرار على عدم إصلاح الأعطاب وإيقاف النزيف بوضع حد لهدر المال العام، سواء عبر الأجور العليا لكبار المسؤولين وامتيازاتهم أو تعدد الأجور والتعويضات ومعاشات البرلمانيين والوزراء وغيرها، فيما بلادنا تئن تحت وطأة الفقر والبطالة، أم أن العثماني وإخوانه جبلوا فقط على استغلال الدين لمصالحهم الضيقة وليس على غيرها من الفرص التى لا تنفعهم؟
إن جائحة «كوفيد -19» فضلا عما خلفته من أضرار اقتصادية ومالية جسيمة، لا يمكن التعافي منها إلا بمزيد من التضامن والتحلي بروح المواطنة والإرادة السياسية، فإنها تعد فرصة مواتية أمام مدبري الشأن العام لمراجعة الذات، طي صفحات التنازعات السياسوية والتسابق المحموم نحو المناصب والمكاسب، والعمل سويا من أجل تدارك النقائص، والشروع العاجل في مباشرة الإصلاحات الكبرى المرتبطة أساسا بالتعليم والصحة والبحث العلمي والتشغيل والمنظومة الجبائية، إذا كنا نرغب فعلا في تحقيق إقلاع تنموي اجتماعي واقتصادي، ونتطلع إلى اللحاق بالدول الصاعدة…

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 26/06/2020