العنف ضد النساء والفتيات

فدوى الرجواني

يظل العنف ضد النساء والفتيات واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في العالم. إذ أن نحو واحدة من كل ثلاث نساء تعرضت للعنف الجسدي و/أو الجنسي من قبل شريك حميم، أو من غير الشركاء، أو كليهما، مرة واحدة على الأقل في حياتها.
وفقا لإعلان الأمم المتحدة للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1993، يشمل العنف ضد المرأة أي عمل عنف قائم على النوع الاجتماعي يتسبب في، أو من المرجح أن يتسبب في، ضرر أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديدات بهذه الأفعال، أو الإكراه، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
ويمكن تصنيف العنف كالتالي:
– العنف من الشريك الحميم (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء).
– العنف الجنسي والتحرش (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي غير المرغوب، إساءة معاملة الأطفال الجنسية، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، المطاردة، التحرش عبر الإنترنت).
– الاتجار بالبشر (العبودية، الاستغلال الجنسي).
– تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية.
– زواج الأطفال.
في عام 2023، أدى العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى قتل 51,100 امرأة على الأقل من قبل الشركاء وأفراد الأسرة بمعدل امرأة واحدة تُقتل كل عشر دقائق وتتوزع فضاءات ارتكاب هذا العنف بين المنزل والشارع وأماكن العمل والفضاءات الإلكترونية الذي أظهرت الدراسات أنها أصبحت فاعلا أساسيا في انتشار العنف ضد النساء والفتيات، عنف زادت حدته اليوم مع اتساع رقعة الصراعات السياسية والتغيرات المناخية والتي تشكل مناخا ملائما للرفع من نسبة تعرض النساء للعنف القائم على النوع لتصل لأكثر من 70%.

وككل سنة تستعد الأمم المتحدة لإطلاق حملة الستة عشر يوما لمناهضة العنف ضد النساء اختارت لها هذه السنة شعار «اتحدوا» تستمر من 25 نونبر إلى 10 ديسمبر يتم خلالها تسليط الضوء على التصاعد المقلق للعنف ضد النساء، وتجديد الالتزامات، والدعوة إلى مساءلة السياسات العمومية ومدى نجاعتها في معركة القضاء على العنف القائم على النوع. فغالبا ما يبقى العنف ضد النساء والفتيات دون إبلاغ لأسباب مختلفة نذكر منها سهولة الإفلات من العقاب وتساهل القوانين مع مرتكبي العنف وعدم جدية الإجراءات المتخذة للقضاء عليه بالإضافة للخوف من الوصم، والعار والفضيحة…
كما تواجه النساء والفتيات، خصوصا من هن في وضعية هشاشة أو في أوساط الصراعات السياسية والحروب، والمهاجرات، والشعوب الأصلية أو اللواتي يعانين من الإعاقة، مخاطر أكبر من غيرهن بالتأكيد ويصبح العنف ضدهن عائقا آخر وتعقيدا إضافيا لفرص نجاتهن.
إذ تزيد الصراعات المسلحة من تعرض النساء للعنف الجنسي والاستغلال، في سوريا واليمن، تعرضت العديد من النساء للاغتصاب والاعتداء الجنسي من قبل الجماعات المسلحة. كما أن اللاجئات والنازحات واجهن مخاطر كبيرة خلال رحلاتهن ومحاولاتهن الوصول إلى مناطق أكثر أمانا…
فيما أدت جائحة كوفيد-19 إلى زيادة حالات العنف الأسري نتيجة للإغلاق والحجر الصحي حيث ازدادت حالات العنف المنزلي بسبب التوترات النفسية والاقتصادية المصاحبة للجائحة أدت إلى محاصرة النساء في منازلهن مع المعتدين دون إمكانية الوصول إلى الدعم أو المساعدة الخارجية…
كما أن نزوح السكان جراء التغيرات المناخية يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة الهشاشة الاقتصادية، مما يزيد من المخاطر التي تواجهها النساء، ففي المناطق التي تعاني من الجفاف والتصحر، تضطر النساء إلى التنقل بحثًا عن موارد المياه والغذاء ليصبحن عرضة للاستغلال والاتجار بالبشر…
إن حملة هذا العام تكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى أن العالم يقترب من الذكرى الـ 30 لإعلان بيكين الذي انضم إليه المغرب بالإضافة لكل الاتفاقيات التي صادق عليها، كالبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكول الاختياري الأول للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية «سيداو « والالتزام بآليات الاستعراض الدوري الشامل لمختلف الجهود المبذولة في مجال تكريس حقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة خاصة.
وفي معرض مواصلة المغرب اليوم توطيد الحوار الإيجابي مع مختلف الهيئات الأممية والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان من جهة، وترصيد إنجازاته ومختلف تدابيره المتخذة من أجل النهوض بأوضاع النساء وتحقيق العدل والإنصاف والمساواة، تحت قيادة الملك محمد السادس، الذي ما فتئ منذ اعتلائه عرش المملكة سنة 1999 يؤكد على أهمية وضرورة النهوض بوضعية المرأة وتبويئها مكانة لائقة كفاعلة رئيسية في تطور البلاد وازدهارها، وقد توجت مختلف هذه الجهود والمكتسبات، التي همت المجالات السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية…، بإقرار دستور جديد للمملكة بتاريخ يوليوز 2011 يكرس مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات والأجيال والجهات، ويرسخ أولوية تعزيز حقوق النساء باعتبار النهوض بأوضاعهن رهان تحقيق أي تنمية، وتنص فصوله على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة، أو أي وضع شخصي مهما كان…
يحق لنا اليوم أن نتساءل عن وضعية جرائم العنف ضد النساء ببلدنا ومدى نجاعة الخطط والاستراتيجيات والقوانين في الحد منها، في بحث ميداني أنجزته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، نشرت نتائجه سنة 2019 وشمل 13543 امرأة يبلغن من العمر ما بين 18 و64 سنة، تظهر النتائج أن نسبة انتشار العنف ضد النساء بلغت % 54,4 تتوزع بين عنف نفسي وهو الأكثر انتشارا والعنف الاقتصادي والجسدي والجنسي بالإضافة إلى العنف الرقمي الذي صرحت 30% من النساء تعرضهن له.
وفي المقابل، وحسب تصريح لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، فقط ما بين 5 و10 بالمئة من النساء ضحايا العنف يتقدمن بشكايات لدى المحاكم، وهنا نسائل السيد وزير العدل نفسه عن دواعي هذا العزوف عن التبليغ، وهل يتعلق الأمر فعلا بعزوف عن التبليغ أم عن محدودية أدوار مراكز محاربة العنف ضد النساء في المحاكم وضعف الوسائل التقنية للتبليغ وتعقيدات مساطر التبليغ وفشل القانون الجنائي في توفير ضمانات الحماية اللازمة للنساء المعنفات، ناهيك عن البعد الجغرافي للنساء ضحايا العنف في القرى والبوادي وانعدام القدرة على الوصول إلى القضاء، هي كلها أسباب أو بمعنى أصح مسببات لعدم التبليغ واستمرار العنف بما أن الجميع يقر بصعوبة التبليغ..
وفي هذا الصدد، وخلال تقديم خلاصة التقرير الذي أعده المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول العنف ضد النساء، والذي اختار له كعنوان «العنف وعدم الانصاف يعدم الإرادة الإنسانية للمرأة» شددت أمينة بوعياش على أهمية التبليغ على اعتبار أنه وسيلة فعالة لمناهضة العنف ضد النساء وتطوير النقاش العمومي حوله ومعالجته بالجدية الضرورية والمطلوبة.
إن كلفة العنف ضد النساء باهظة جدا، وقد بلغت أزيد من 158 مليون دولار، حسب المندوبية السامية للتخطيط تحملتها الأسر الخاضعة للعنف، إذ أن 21 بالمئة من النساء المعنفات يتحملن نفقات تتعلق بالولوج إلى الخدمات الصحية والقانونية والقضائية بالإضافة إلى نفقات الإيواء وإصلاح الممتلكات التي تم إتلافها..
وإذا كان لابد من إحصاء تكلفة العنف ضد النساء المادية فلا يجب أن نتغاضى عن كلفته النفسية والاجتماعية، والتي أكدت نفس المندوبية في دراسة لها للتكلفة النفسية والاجتماعية للعنف أن أزيد من 60% من ضحايا العنف صرحن بإصابتهن باضطرابات نفسية و79% بالتوتر والإحباط والقلق واضطرابات النوم والشعور بالإرهاق الدائم..بالإضافة لخسارة 14 يوم عمل في السنة والتأثير السلبي على مردودية الضحايا والتزاماتهن المهنية والاجتماعية، وكذلك على رفاهيتهن ورفاهية من حولهن ناهيك عن اضطراب وتيرة حياة الضحايا وحياة أسرهن لاسيما ما تعلق منها برعاية الأطفال وضمان استقرارهم مما يؤثر كذلك على نموهم النفسي والاجتماعي، وقد خلصت نفس الدراسة إلى أن تأثيرات العنف ضد النساء تتجاوزهن لتلحق أيضا بالأطفال حيث يعاني أزيد من 22% منهم من اضطرابات سلوكية ومعرفية ومن التراجع الدراسي يصل أحيانا إلى التخلي عن الدراسة والانحراف…
إن عملية إحصاء تأثيرات العنف ضد النساء قد تستغرق وقتا وحيزا كبيرا لا يتسع المجال لذكرها كلها ليظل العنف ضد النساء والفتيات عقبة رئيسية أمام تحقيق التنمية المستدامة، حيث أن تأثيراته تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة بما في ذلك التعليم، والصحة، والفرص الاقتصادية، والمشاركة الاجتماعية كما يساهم في ارتفاع عدد الفقراء ويكرس الهشاشة ناهيك عن الأعباء الاقتصادية على المجتمع نتيجة التكاليف الصحية والاجتماعية والاقتصادية…
وتعتبر الأيام الأممية لمناهضة العنف ضد النساء فرصة للتحسيس بخطورة الظاهرة وضرورة التصدي لها نأمل أن لا يختصر الانخراط الفعلي فيها على جمعيات المجتمع المدني ليشمل جميع مؤسسات الدولة التي تملك من الإمكانات ما يجعل من انخراطها الفعلي في معركة القضاء على العنف القائم على النوع فعالا وناجعا…

الكاتب : فدوى الرجواني - بتاريخ : 25/11/2024