الفصل الجديد في التعليم… هل يصنع الريادة أم يعمّق الانقسام؟

n بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع (*)

في إطار سعيها الدائم لإصلاح منظومة التعليم، أطلقت وزارة التربية الوطنية مشروع مدارس الريادة كخطوة طموحة للارتقاء بمستوى التعليم العمومي عبر خلق مؤسسات متميزة تُعنى بالابتكار والجودة، إلا أن هذه الخطوة، التي جاءت على خلفية خطاب رسمي يرفع راية «التميز» و»التفوق»، كشفت بمرور الوقت عن واقع أكثر تعقيدًا، إذ يبدو أن هذا المشروع يسهم، بطريقة غير مباشرة، في تعميق الفوارق والانقسامات داخل منظومة التعليم.
يمكن القول إن مشروع مدارس الريادة شكل نقطة فصل جديدة في المشهد التعليمي المغربي، حيث ينقسم التلاميذ إلى فئتين: فئة داخل هذه المدارس تتمتع بمناهج متطورة، وتجهيزات حديثة، وبرامج تربوية مكثفة، وفئة أخرى تظل في التعليم التقليدي، الذي يعاني من ضعف البنية التحتية، وتراجع جودة التعليم، ونقص الدعم المادي والبشري.
هذا الفصل لا يقتصر على الفضاء المدرسي فقط، بل له تداعيات اجتماعية عميقة، إذ يعزز من التفاوتات بين طبقات المجتمع، ويكرّس الشعور بالتمييز وعدم الإنصاف. فالتلاميذ الذين يلجون مدارس الريادة غالبًا ما يكونون من أسر متوسطة أو ميسورة تتمكن من متابعة أبنائها والضغط للاستفادة من هذه الفرص، في حين تُترك فئات اجتماعية واسعة خارج دائرة هذا التميّز.
ما يزيد من حدة الانقسام أن هذا المشروع لا يأتي في سياق إصلاح شامل للمنظومة، بل ضمن سياسات تجزيئية تُهمّش التعليم العام الواسع، وتهمل تطويره على مستوى المضمون، والكوادر، والظروف. إذ يُفقد بذلك التعليم العمومي هويته التي تُميّزه كمرفق عمومي ديمقراطي، يُقدم فرصًا متساوية للجميع، وينمي روح المواطنة والتضامن.
علاوة على ذلك، فإن هذا الفصل الجديد يُثير تساؤلات حول معنى «الريادة» في سياق التعليم. هل هي ريادة مبنية على التفرقة الطبقية؟ هل يمكن أن تتحقق الريادة الحقيقية عندما تتركز الموارد في مؤسسات قليلة، بينما تتدهور جودة التعليم في بقية المدارس؟ هل نريد تعليمًا يبني مواطنة متكاملة أم يكرّس الفوارق الاجتماعية؟
من هنا، فإن مشروع مدارس الريادة ليس مجرد تجربة تربوية، بل هو مشروع سياسي واجتماعي يؤثر على مستقبل التربية والتعليم في المغرب. فإلى أي حدٍ يمكن للسياسات التعليمية أن تساهم في تعميق الانقسامات؟ وهل نريد منظومة تعليمية تقسم المجتمع، أم تبنيه وتوحده؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب مراجعة جذرية للاستراتيجيات التعليمية، بعيدًا عن الخطابات الشكلية التي تعطي انطباعًا بالتقدم دون معالجة الجذور الحقيقية للأزمات. يجب أن تركز السياسات على تقوية المدرسة العمومية بكل مكوناتها، وتعزيز العدالة التعليمية، وتوفير فرص متكافئة للتلاميذ جميعًا، مع الاهتمام بالموارد، والبنيات، والتكوين المستمر للأساتذة.
في النهاية، الريادة الحقيقية في التعليم هي التي تنشئ جيلًا قادرًا على الابتكار والمساهمة في التنمية، دون أن تكون الريادة مقصورة على فئة محدودة تُكرّس الفوارق والتمييز. علينا أن نُعيد النظر في هذا الفصل الجديد الذي افتُتح في منظومتنا التعليمية، ليكون فصلًا نحو دمقرطة الفرص وتحقيق جودة التعليم للجميع.

(*) باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

 

الكاتب : n بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع (*) - بتاريخ : 06/06/2025