الكوكب الواحد أو المسؤولية الجماعية للحفاظ عليه

باريس يوسف لهلالي

 

«قمة الكوكب الواحد» بباريس جاءت بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتوقيع على اتفاقية باريس للمناخ (كوب 21)،وبعد سنة عن لقاء مراكش كوب 22 بالإضافة الى لقاء بون الأخير بألمانيا، والذي سجل الى حد ما اضعاف هذه الاتفاقية الدولية حول المناخ بعد انسحاب اهم دولة مسئولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وانبعاث الغازات وهي الولايات المتحدة الامريكية التي سهلت الوضع على بلدان أخرى ملوثة مثل الهند،البرازيل وروسيا،وكندا.
و تبقى الصين في وضعية خاصة، رغم المشاركة الضعيفة على المستوى السياسي فان بكين اتخذت مجموعة كبيرة من الإجراءات في اتجاه الحد من عواقب الاحتباس الحراري ومن تلوث المناخ والذي اصبحت آثاره جلية ببعض أقاليم البلد الذي تعرف ضبابا كثيفا بسبب كثافة انبعاث الغاز من السيارات ومن وسائل النقل، وهو ما يهدد حياة الانسان بشكل كبير وسريع.وهي وضعية تجعلنا بعيدين على أجواء لقاء باريس أثناء الكوب 21 حيث اتفقت نحو 200 حكومة على وقف الاعتماد الكثيف على الوقود الأحفوري والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، وساد العالم جو من التفاؤل عكسته تصريحات مختلف البلدان الصناعية الكبرى التي عبرت عن إدراكها للخطر الذي أصبح يهدد الكوكب والحياة عليه بصفة عامة، قبل انتخاب رئيس جديد بالبيت الابيض، وهو القادم من عالم آخر لا يرى أي مشكل على الكوكب إلا فتح مجال الربح السريع أمام الرأسمال ولو اقتضى الامر ذلك تدمير الارض ومن عليها والذي انسحب من هذه الاتفاقية وهو ما جعلها في موقف سياسي ضعيف لثقل وزن واشنطن السياسي و لمسؤوليتها الكبيرة عن الثلوت في العالم ولتأثيرها الكبير على باقي العالم من خلال النظام المالي والسياسي الذي يحكمه ويجعل من الولايات المتحدة الامريكية فاعل أساسي وضروري لأي تغيير على مستوى الممارسات التي تحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.
الرئيس الفرنسي مند وصوله الى قصر الإليزي حاول إنقاذ اتفاقية باريس حول المناخ من خلال إطلاق هذا اللقاء الذي حضره اكثر من 60 من قادة العالم، وهو لقاء مشترك مع الامم المتحدة والبنك الدولي، بالإضافة الى قادة الدول حضر القمة ممثلو المنظمات غير الحكومية ورجال الأعمال والثقافة والفن من أنحاء العالم لرفع التحديات المناخية والبيئية.
هذه القمة التي أطلقت بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر انسحاب واشنطن من اتفاق باريس، تسعى أساسا إلى إيجاد طرق تمويل جديدة لمكافحة الاحتباس الحراري،وهو لقاء خيم عليه غياب بعض البلدان الصناعية الكبرى على رأسها الولايات المتحدة، الرئيس الفرنسي في تصريحاته الى القناة الامريكية سي ان ان حاول بعث رسالة مفادها الامل تجاه الرئيس الامريكي وإمكانية عودة واشنطن الى مجال الشرعية في المحافظة على الكون الواحد والذي يعني مصيره الجميع.
خلاب هذا اللقاء أيضا ترددت مفاهيم جديدة مثل التمويل الأخضر والمالية الخضراء وهي كلها مفاهيم جديدة تجعل الأبناك تراعي في المستقبل عملية تمويل المشاريع المقدمة لها قضية الاحتباس الحراري والاهتمام بالمشاريع الصناعية النظيفة.وإذ تميز هذا للقاء بغياب الدول الكبرى المسؤولة عن الثلوت فانه تميز بحضور زعماء دول تواجه ضررا كبير بسبب التغير المناخي مثل جزيرة مدغشقر وجزر المحيط الهادئ ،مالي و تشاد.
هذا اللقاء بين أيضا أهمية توصيات والتزامات لقاء الكوب 22 بمراكش والذي سعى من خلاله المغرب إلى اثارة الاهتمام حول قضايا الدول الافريقية وضرورة توفير التمويل والتكنولوجيا لمساعدة دول الجنوب على المساهمة في الحد من الاحتباس الحراري من خلال تكنولوجيات جديدة ونظيفة وتمويل اخضر.
مشاركة المغرب بقمة الكوكب الواحد بباريس كانت متميزة بحضور جلالة الملك محمد السادس وولي عهده مولاي الحسن وهي اشارة ملكية لدفع الشباب بالاهتمام بتحديات المناخ، لأن هذه القضية تمس المستقبل وضرورة ترك كوكب أرضي حي للأجيال المقبلة. وهذه المشاركة المتميزة نوه بها رئيس جلسة المؤتمر بهذه وكذا بالمجهود الخاص الذي يقوم به المغرب في هذا المجال من أجل إنتاج طاقة نظيفة، وأخذ قضية المناخ بعين الاعتبار في المشاريع المنجزة..
الاهتمام الملكي بقضايا المناخ يجعل من المغرب رائدا ونموذجا بإفريقيا وفي الاقتصاد الاخضر وهي خبرة يضعها رهن اشارة شركائه الافارقة وهو الامر الذي يؤكده العديد من الخبراء منهم الزيتوني ولد داده مدير وحدة التكنولوجيا في برنامج الامم المتحدة بباريس.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حفز في هذا اللقاء الدول الغنية والشركات العالمية اليوم على زيادة التمويل المخصص للمناخ وهو ما أطلق عليه التمويل الاخضر والذي يأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير هذا المشروع على ارتفاع درجة الحرارة ومدى نظافته وهي كلها متطلبات وشروط لم تكن تطرح في السابق على أصحاب المشاريع والمقاولات وذلك لتسريع جهود مكافحة ارتفاع درجة حرارة الأرض ودعم الدول الأكثر فقرا في مواجهة التغيير المناخي.
وسعى المسؤول الفرنسي من خلال هذا المؤتمر الدولي إلى إظهار أن هناك تقدما في تحقيق هذه الأهداف الصعبة رغم انسحاب دونالد ترامب من الاتفاقية وتجميده لكل الاستتمارات حول المناخ بعد ان اعتبر ان خطر ارتفاع درجة حرارة الكون مجرد خدعة ،واقترح على اوربا خطوة طموحة وهي فرض ضريبة على جميع العمليات المالية في الاسواق الاوربية من اجل تمويل مشاريع صديقة للبيئة حيث تمت هذه التجربة بفرنسا وبريطانيا وتسعى باريس لتعميمها على باقي البلدان الاوربية وتقديمها كنموذج لباقي بلدان العالم.
وطالب الرئيس الفرنسي «بتعبئة اكبر وسط الشركاء» وأضاف في تصريح لجريدة لوومند «اننا مازلنا بعيدين عن هدف اتفاقية باريس بالحد من درجة ارتفاع درجات الحرارة الى ما دون درجتين مئوتين.»
وقالت الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ «باتريسيا إسبينوزا» إن التحرك السياسي «لن يكون كافيا إذا لم نحدث ونعيد إطلاق البنية المالية العالمية ونجعل جميع أشكال التنمية منخفضة الانبعاثات ومرنة ومستدامة».
ولطالما شكلت المسائل المالية نقطة خلافية في خطط الأمم المتحدة المتعلقة بالمناخ حيث تصر الدول النامية على الحصول على مساعدة مالية لتتمكن من سد كلفة التحول إلى مصادر طاقة أقل تسببا للتلوث ولمواجهة العواصف والجفاف والفيضانات الناجمة عن التغير المناخي
قضية التمويل هي أعمق من هذا التحول الذي يسعى له العالم في التعامل مع المناخ ونهج سياسة مختلفة عما كان عليه الامر في السابق وإقحام القطاع الخاص والمقاولات في هذا المسلسل كما تقول الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ باتريسيا إسبينوزا «إن التحرك السياسي لن يكون كافيا إذا لم نحدِّث ونعيد إطلاق البنية المالية العالمية ونجعل جميع أشكال التنمية منخفضة الانبعاث مرنة ومستدامة»وأضافت «» أخذ المناخ بعين الاعتبار يجب أن يشكل الآن جزءا من جميع قرارات القطاع الخاص». وهو ما يعني أن قضية التمويل هي ضرورية من أجل التحفيز في السوق المالية العالمية بصفة عامة، وكذلك ضرورة إدماج جميع الفاعلين في هذا المسلسل خاصة القطاع الخاص، ليأخذ قضية المناخ بعين الاعتبار في مجال الاستتمار.
بعد لقاء باريس مازالت توصيات الكوب 22 بمراكش مطروحة وهي ضرورة مواكبة الدول المتقدمة والالتزام كذلك بما تم التوافق عليه بمراكش، وذلك من خلال توفير 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 من موارد عامة وخاصة على حد سواء لمساعدة الدول النامية في التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة نظيفة والتكيف مع آثار التغير المناخي.وهو ما يجعل الطريق طويلا نحو هذا الهدف،وضرورة اشراك الرأي العام الدولي والمجتمع المدني من اجل تحقيق هذه الأهداف والتظاهرة التي شهدتها باريس لدعم قرارات القمة الدولية حول المناخ كانت محتشمة وحضرها بضعة مئات من الاشخاص.
مستقبل البشرية كان هو الرهان الاساسي لقمة الكوكب الواحد، وهو ما يعني ان مسؤولية الكوكب الذي نعيش عليه هي مسؤولية جماعية والحفاظ عليه هو واجب جماعي لكل دول العالم لتسليم كوكب نظيف وحي للأجيال المقبلة من خلال تشجيع تكنولوجيا وتمويل اخضر وهو رهان على المستقبل دخلت اليه اغلب بلدان العالم منها المغرب الذي اصبح نموذجا بالقارة السمراء و باعتراف دولي.

الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 21/12/2017