المخطط الأخضر والجيل الأخضر والأمن الغذائي

اسماعيل فيلالي

في شهر أبريل من سنة 2008 تم الإعلان الرسمي ، بمناسبة افتتاح المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، عن بداية ما سمي بمخطط المغرب الأخضر؛ هذا المخطط الذي أوكلت مهمة التخطيط له لمكتب الدراسات الأمريكي «ماكنزي» لإعداد استراتيجية فلاحية تنموية تضمن الأمن الغذائي للشعب المغربي، تحت إشراف وزير الفلاحة، آنذاك، عزيز أخنوش، ورئيس الحكومة حاليا، وقد رصدت له ميزانية ضخمة حددت في 150 مليار درهم من المال العام، والشعار الذي رفع آنذاك هو أن المخطط الأخضر سيحقق الأمن الغذائي للمغاربة في أفق سنة 2023 ؟ ها نحن وصلنا إلى التاريخ المحدد لبلوغ الأمن الغذائي ؛ وقد مرت 15 سنة على انطلاق المخطط ؛ ولكن للأسف لا يزال المغاربة يعيشون على وقع الغلاء الكبير للمواد الغذائية، حيث بلغت أسعار الخضر واللحوم والفواكه أثمنة غير مسبوقة؛ فحملة مص الدماء تقودها لوبيات الاحتكار والفساد في تحدّ صارخ للحكومة التي أقرت بعجزها عن التحكم في الأسعار بالرغم من الخرجات الفولكلورية لما يسمى بلجان المراقبة … كان الهدف، إذن، من هذا المخطط، هو ضمان الأمن الغذائي للمغاربة ورفع الأجور وخلق فرص الشغل، حيث كان يفترض أن يخلق حوالي 125 ألف منصب شغل سنويا، وتحسين الإنتاجية لزيادة دخل المزارعين الصغار ومحاربة الفقر والهشاشة وتقليص فوارق الأمن الغذائي بين المدن
والقرى وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان كرامة المواطن … إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فالمغرب لم يحقق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية الأساسية ولا يزال يستورد الحبوب واللحوم والسكر والزيوت وغيرها من المواد الأساسية التي تشكل أسس الأمن الغذائي؛ وهناك توقعات أن يستمر المغرب في استيراد كميات مهمة من الحبوب، وتوقعات أن تظل المملكة مرتبطة بالأسواق الخارجية لتأمين حاجياتها الأساسية بنسبة تصل إلى 63 في المائة إلى أمد غير محدد، وأن المغاربة سيعانون بنسبة 36 في المائة من انعدام الأمن الغذائي، وقد جاء تقرير الأمم المتحدة ليؤكد أن نسبة انعدام الأمن الغذائي من إجمالي عدد السكان المغاربة تصل إلى 9,7 في المائة في فترة 2019-2021، أي حوالي 3,6 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي مما يتضح معه أن 150 مليار درهم لم تستهدف صغار الفلاحين والمواطنين الفقراء والزراعات السيادية لتحقيق حاجيات المغاربة، بقدر ما منحت للباطرونا الفلاحية والمحظوظين والنافذين أصحاب الرأسمال والشركات الكبرى والمتنوعة ليستمر مسلسل تراكم الثروة لدى البورجوازية المتوحشة؛ وهذا ما أجهز على القدرة الشرائية للمواطنين واتسعت معه الفوارق الطبقية والاجتماعية وانهارت الطبقة المتوسطة التي تعتبر صمام الأمان للسلم الاجتماعي …
يبدو أن مشروع المخطط الأخضر، حسب الواقع الذي نعيشه، وليس الأرقام التي نسمعها، كان يهم كبار الفلاحين عبر تمويل استثماراتهم بنسب وصلت إلى 80% أو عبر كراء أراضي الدولة أو شرائها بأسعار جد تفضيلية، وإعفائهم من الضرائب، وكم من سائل عن هذا الإعفاء وما هو المقابل الذي يقدمه كبار الفلاحين لهذا الوطن ؟ وهل لا يزال كبار الفلاحين في حاجة لدعم الدولة ؟؟ فحجم الأراضي التي فوتت لهم فاقت 9 ملايين هكتار تخص الأراضي الجماعية والسلالية وأراضي الحبوس، كما أن حجم المساعدات المادية للمشاريع التي قاموا بها تقدر بالملايير … كما أن المخطط الأخضر خصص ميزانية 50 مليار درهم لدراسة نوعية التربة لكل المناطق الفلاحية ونوعية الزراعة الملائمة لها من أجل تشجيرها، وقد استفادت مكاتب الدراسات، وعلى رأسها مكتب الدراسات الأمريكي «ماكينزي»، الذي أعد استراتيجية المخطط بالملايير من هذه الميزانية، في ما استفادت بعض المقاولات التي تكلفت بعملية التشجير والمواكبة من الكثير من الملايير، وبقي الفلاح الصغير بصفة خاصة والمواطن بصفة عامة ينتظر الذي يأتي ولا يأتي .
بعد فشل مخطط المغرب الأخضر في توفير الأمن الغذائي للمغاربة، سطرت الحكومة برنامجا آخر تحت اسم استراتيجية الجيل الأخضر 2020 \ 2030 ، هذه الاستراتيجية التي تعد بإصلاح شوائب المخطط الأخضر وتصحيح أوجه اللامساواة بالتركيز على التنمية البشرية في المناطق الريفية والجبلية، وتعد مرة أخرى بتحقيق وفرة في الإنتاج الزراعي وبالتالي تحقيق الأمن الغذائي بغلاف مالي كبير لم تعط تفاصيله كاملة يقدر بـ : 1100 مليار … و قد خصصت الدورة الـ 15 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب المنظم من 2 إلى 7 ماي 2023 بمكناس شعار “ الجيل الأخضر.. من أجل سيادة غذائية مستدامة «، وهو شعار يبدو كبيرا، لكن هل يمكن للمشروع الجديد « الجيل الأخضر» أن يتدارك الفشل الذي عرفه المخطط الأخضر؟ وكم سنحتاج من الوقت لتحقيق السيادة والأمن الغذائيين ؟؟ فالمخطط استنفد 15 سنة، ولم يحقق الأمن الغذائي للمغاربة، والجيل الأخضر تمت برمجته على مدى عشر ( 10 ) سنوات ( 2020 / 2030 ، سنكون، إذن، أمام ربع قرن من الزمن لتحقيق السيادة الغذائية المستدامة ؟؟ كثيرة هي الأسئلة التي تتناسل حول هذا المخطط الذي استبشر به الفلاح الصغير بصفة خاصة والمواطن المستضعف بصفة عامة خيرا؛ لكن السؤال الكبير الذي يطرح هو أين ذهبت الأموال الضخمة التي خصصت للمخطط الأخضر ؟ فالأرقام التي أعطيت من لدن رئيس الحكومة، يوم الاثنين 8 ماي 2023، أمام نواب الأمة خلال الجلسة الدستورية للمساءلة الشهرية حول موضوع الرؤية الحكومية لإرساء منظومة وطنية للسيادة الغذائية لا تهم المواطن لا من قريب ولا من بعيد، ولا علاقة لها بالواقع الملموس الذي يعيشه المواطن المغربي بصفة عامة والفلاح الصغير بصفة خاصة، وأن منجزاته التي عددها رئيس الحكومة لم تضمن الأمن الغذائي للمغاربة ،حيث قال إن المخطط ساهم في الاستغلال الكامل لإمكانيات المغرب الفلاحية ‏ومضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي ليتجاوز سقف 127 مليار درهم سنة 2021، ‏ومضاعفة الصادرات ثلاث مرات، وهنا نعود لطرح السؤال ماذا استفاد المواطنون من مرجوعات التصدير، فهي تذهب لجيوب كبار الملاكين والفلاحين الذين ضاعفوا أزمة الأسعار بالبلاد. وإذا كان المخطط قد حقق الهدف المسطر لماذا أصدر حزبان من الأغلبية بلاغات ينتقدان فيها الحكومة التي يشاركان فيها، ماذا يعني هذا ؟ يعني ببساطة، أن الحكومة فشلت في تدبير الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي … وللخروج من حلقة الضيق قال السيد رئيس الحكومة إن مخطط المغرب الأخضر كان محط تقييم شامل، وانتهى بتقرير مفصل وقعه 12 رئيس جهة و 16 رئيس غرفة فلاحية و19 من رؤساء الفيدراليات البيمهنية … كيف لا يوقعون وهم الذين يلتهمون الملايير من التعويضات من دون تقديم أي إضافة للقطاع وللفلاح ؟؟ وليترجل السيد رئيس الحكومة وينزل من برجه العاجي وينظر في واقع القرى والبوادي القاحلة والمناطق الجبلية التي عاشت وتعيش على وقع الفقر والحرمان وغلاء الأسعار، ولم تستفد من المخطط الأخضر إطلاقا …
إن استفحال الأزمة الغذائية الاجتماعية بالمغرب واستمرار ارتفاع الأسعار خصوصا بالنسبة للطبقات الهشة وكذلك الطبقة المتوسطة، هو استمرار لاتساع دائرة الفقر لهذه الفئات التي أصبح رهانها هو ضمان الخبز والإفلات من قهر الجوع، الذي يقتل التفكير والإبداع، ويصبح معه الإنسان كائنا حيا يلهث وراء الخبز فقط ، لقد أصبح المغاربة يفكرون، فقط، في القوت اليومي لأولادهم، ولم يعودوا قادرين على تقبل لغة الخشب التي تنهجها حكومة الكفاءات والإنقاذ، التي وعدت المغاربة بالكثير ولم يتحقق منه إلا القليل، وليس له أثر على المعيش اليومي للأسر المغربية، والدليل على ذلك التدهور الكبير لمستوى عيش المواطنين وتزايد معدلات البطالة والفقر .
وأعتقد أن عدم قدرة المخطط على تحقيق الأمن الغذائي هو ارتباط جزء من أهدافه بالتساقطات المطرية، ولما توالت مواسم الجفاف أثرت على مردودية المخطط بصفة خاصة والقطاع الفلاحي بصفة عامة …
مازلنا بعيدين عن تحقيق الأمن الغذائي لأن هذه العملية تتطلب إنشاء بنية مؤسساتية وطنية صادقة متكاملة تسهر على تحقيق السيادة الغذائية بالتوجه نحو تقوية الإنتاج الداخلي، الذي يعتبر أكبر ضمانة لتحقيق هذه السيادة، وضرورة تسريع الاستراتيجية الوطنية للماء، التي خصص لها 143 مليار درهم لتستفيد منها جميع مناطق المملكة؛ كما يحتاج إلى الضرب بقوة على أيدي الوسطاء والمضاربين وتجار الأزمات، الذين أرهقوا العباد بجشعهم الذي لا ينتهي ….
وقد سبق لملك البلاد أن أشار في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية 2021- 2022 إلى ضرورة إنشاء منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية، بما يعزز الأمن الاستراتيجي للبلاد والعباد ليتحقق بالفعل السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي ….

الكاتب : اسماعيل فيلالي - بتاريخ : 22/05/2023

التعليقات مغلقة.