المدرس ليس موظفا عاديا، وما ينبغي له

عبد السلام المساوي

إن الشعب المغربي الذي خاض نضالات، من أجل مدرسة عمومية وطنية، لا يمكنه أن يتخلى عن هذه المبادئ التي ضحى من أجلها في انتفاضات وإضرابات واحتجاجات شاملة، تعتبر أن مجانية التعليم حق للشعب المغربي، والتزام وتعاقد من طرف الدولة مع المجتمع، لا يمكن التراجع عنه، وهو إن يؤكد اليوم على الوفاء له، كما يؤكد أيضا على ضرورة توفير العدالة الاجتماعية واللغوية لكافة الشعب المغربي، إذ لا يعقل أن نوفر لأقلية محظوظة الولوج للعلم والمعرفة المتقدمة والإلمام باللغات الأجنبية، ونرهن مصير أغلبية الشعب في تعليم تقليدي، غير منفتح على اللغات الأكثر تداولا في العالم.
إن محو الأمية الطبقية يمر عبر تكافؤ الفرص في التعليم، حتى يتمكن كل أبناء الشعب بالحصول على أدوات المعرفة، بشكل عادل ومنصف…
إن إصلاح التعليم إصلاح سياسي وقاعدي يهم كل مكونات المجتمع المغربي، بالإضافة إلى كونه جزءا من إصلاح المجتمع المغربي مما يفرض شروط التعبئة، فلا يكون هذا الإصلاح معزولا عن الواقع. ذلك أن إصلاح التعليم لا ينجح الا في علاقته في ميادين اخرى. وهذه الجدلية هي ما ينقص المغرب …
ان أصعب إصلاح في جميع المجتمعات، ولا أقول البلدان، هو الإصلاح المرتبط بالمنظومة التربوية.. ومن الطبيعي، اذن، أن نناقش كل الجوانب المتعلقة بهذه المنظومة والمرتبطة بمسار إصلاحها، أحيانا بنوع من التشاؤم، ولن قبل ذلك وبعده، علينا أن نناقشها بجدية ومسؤولية، بروح التحدي لا الاستسلام، بإرادة البناء لا الهدم، بوعي أننا في بداية الطريق …
على الجميع أن يستوعب مهنة التعليم، أن يستوعب المهام المنوطة بهم داخل المجتمع وإلا سيعرف هذا المجال الحيوي خصاصا بنيويا خطيرا وسنواجه افتقار المجتمع الى المدرس، وفي هذه الحالة سيفقد المجتمع بوصلته. إن المدرس هو من ينير الطريق، يعبدها، يصنع الأمل …لا أحد غيره يستطيع القيام بهذه المهمة. إن المدرس بحكم موقعه المحوري داخل المجتمع يمكن أن يصنع الأمل ويمكن أن يزرع التشاؤم… بنساء ورجال التعليم يمكن للمجتمع ان يذهب بعيدا ، ان يتطور/ يتقدم، وبهم يمكن أن يركن إلى السكون، أن يتخلف/ يتأخر …
إن المدرس ليس جزءا في قطيع، إنه انسان، ذات واعية، مريدة وحرة… المدرس يعقل ويفكر، فيبني موقفه الذي انطلاقا منه يمارس ويفعل. موقف المدرس موقف متميز. انه يختلف كل الاختلاف عن موقف اي موظف آخر. إن موقف المدرس بحكم ممارسته للتربية والتكوين سيصبح موقفا للتلاميذ، موقفا للآباء، موقفا لجزء كبير من المجتمع. إن المدرس بحكم مهنته حاضر بقوة في المجتمع، حاضر بفكره، بسلوكه، بموقفه وقيمه في المجتمع، إن المدرس، اذن، ليس موظفا عاديا، ولا ينبغي أن يكون كذلك… علينا إذن إشاعة موقف يساهم في البناء والتقدم، موقف المواطنة والحداثة ، فمهنة التعليم هي مسار التنمية والتقدم …
هناك من يريد الزيغ بالنقاش الحقيقي حول إصلاح التعليم، في حين أن النقاش الحقيقي الذي يجب ان يفتح الآن، يجب ان يكون حول جودة التعليم، وكيفية تحقيق هذه الجودة …وان من يدرس أبناءه في مدارس البعثات، ليس له الحق في إعطاء الدروس حول المسألة التعليمية
إن كل الدول التي حققت تقدما في تعليمها استندت إلى المدرسة العمومية، من هنا وجب إيلاء الأولوية لإصلاح منظومة التعليم والتكوين لاعطائها الدور الأساسي في النموذج التنموي الجديد..( بدون إصلاح للتعليم لن يكون هناك تطور ولا تنمية ).
إن الامر يقتضي إجراء إصلاحات هيكلية عميقة من أجل وضع أسس مدرسة عمومية وطنية حداثية، تضمن تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب وتوفر العدالة في دراسة اللغات الأجنبية للجميع والجودة في التدريس بشكل متساو، وتلعب دورا ايجابيا في التنشئة الاجتماعية .
لا مجال لنجاح التجربة الديموقراطية بدون مواطنين مقتنعين بجدوى الديموقراطية المبتدئة بضمان حق كل طفل في التعليم، في التربية والتكوين النافع، وتمكينه من خلال انخراط الجميع في تحقيق إصلاح التعليم، ليس كمشروع تربوي فحسب، بل كمشروع مجتمعي، يجسد الإرادة الجماعية في التغيير الملائم المواكب للتحديات والمتماشي مع التحديات الكبرى للبلاد .فالتضحيات من أجل الإصلاح التعليمي والتربوي مع توفر شروط العقلنة والانفتاح ودمقرطة الوعي والسلوك والاختبارات، تعد أحد رهانات مغرب الديموقراطية والحداثة .

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 28/09/2024

التعليقات مغلقة.