المرحلية في العمل السياسي برنامجا وزمنا

عبد السلام المساوي
كل عمل سياسي عمل مرحلي بالتعريف من خلال التدرج الذي يمكن لمسه على صعيد البرنامج الذي تتحكم فيه طبيعة المرحلة ومهامها وأولوياتها، وطبيعة قواها المتنافسة أو المتصارعة، كما يمكن لمسه من خلال البعد الزمني لفكرة المرحلية ذاتها، لأن كل برنامج يقتضي توفر عدد من العوامل يدخل الزمن في صلبها، إلى جانب العوامل الموضوعية والذاتية الأخرى، باعتبارها أساس شروط التفعيل على أرض الواقع. فلا يمكن إنجاز أي برنامج سياسي، بصورة جزئية أو كلية، خارج إطار زماني محدد، بالقدر الذي لا يمكن فيه تحقيق تراكمات فعلية على صعيد الإنجاز ما لم تتم مراعاة أولوية الخطوات التي ينبغي القيام بها، بحيث يؤدي بعضها إلى البعض الآخر، في نوع من الجدلية الحية التي تستوعب التقدم، كما تستوعب التأخر. وهو ما يعني أن يكون الفاعل السياسي، دولة كان، أم قوة سياسية، ممسكا بالخيط الناظم لمجمل مراحل العملية السياسية، بحيث يكون قادرا على تفعيل عوامل النجاح والفشل التكتيكيين في إعادة تصويب الاتجاه، لا من حيث الأهداف البعيدة فحسب، بل أيضا، من حيث الوسائل، والأساليب المعتمدة لترجمة البرنامج السياسي على أرض الواقع. وهذا يعني أن اعتماد نظام أولويات في العمل ضمن إطار زمني محدد، وبوسائل ملائمة لإنجاز المهام ذات الأولوية في مرحلة على حدة، هو شرط إمكان الممارسة الفاعلة في مجالها، القادرة على إنجاز التراكمات الضرورية للتقدم نحو الهدف الاستراتيجي، بخطى ثابتة.
لكن على أي أساس يتم الحسم في مسألة الأولويات؟ وكيف يمكن ضمان التواصل بين المهام المطروحة على جدول أعمال الإنجاز المباشر، وبين المهام التي تم تأجيلها، لهذا السبب أو ذاك، إلى فترات لاحقة؟
إن هذا السؤال يطرح في العمق مسألة العلاقة بين التكتيك والاستراتيجية، وبين الآن الموضوعي القائم، وبين المستقبل، الذي لا يزال قيد الغيب في معطياته الموضوعية، إلا أن ملكة التخيل والتصور قادرة على استشرافه والعمل على إقامة الجسور الضرورية بينه وبين وقائع الحاضر وهمومه ومهامه.
إن كل نظام للأولويات هو نظام منهجي، وليس نظاما حصريا ومغلقا. ذلك أن بعض ما تم التخطيط لتنفيذه، باعتباره أولوية مرحلة سياسية بعينها، قد يتم التخلي عنه، في تلك المرحلة ذاتها، عندما يتبين لصانع القرار السياسي أو المسؤول عن المتابعة التنفيذية أن المهمة قد أصبحت متجاوزة، أو من قبيل المستحيل، نظرا للتطورات التي تعرفها الساحة السياسية بصورة مفاجئة.
إن مسألة الأولويات مسألة منهجية لتنظيم العمل السياسي والتعامل مع القضايا المطروحة على أساس التمييز بين ما هو قابل للإنجاز مباشرة، وما يقتضي إنجازه توفر عدد من الشروط التي تتطلب مزيدا من الجهد والزمن والتفاعل مع مختلف الفاعلين إقليميا ودوليا، وقوانين الشرعية الدولية ذات الصلة، خصوصا منها تلك التي تنص صراحة على شرعية مساعي القوى السياسية والوطنية التي ترغب في إنجاز تلك المهام.
إن المرونة في التعامل مع مهام المرحلة النضالية المطروحة يعني أخذ كل المتغيرات الفعلية والممكنة بعين الاعتبار، ووضع عدد من السيناريوهات البديلة لتجاوز الإرباكات التي تسببها التقلبات السياسية غير المتحكم فيها، وتجنب كل جمود في التعامل مع شعارات المراحل المختلفة.
وهذا لا يعني الانطلاق من نوع من الصفر التكتيكي أو الاستراتيجي، وعدم إعطاء الأهمية كأولوية، بصورة مطلقة، لأي قضية من القضايا، وإنما يعني الانطلاق من أن هناك تكتيكات واستراتيجيات أخرى غالبا ما تناوئ تلك المعتمدة من طرف هذه القوة أو تلك، وأن محصلة الصراع بين هذه التصورات والمهام المرحلية هي التي تفرض على كل طرف إعادة النظر في نظام أولوياته حتى يكون قادرا على الاستمرار في حلبة الصراع السياسي، وحتى يأمل في تحقيق الأهداف التي يتوخاها من النزول إلى تلك الحلبة، ضمن شروط وظروف مادية ومعنوية محددة.
وبطبيعة الحال، فإن تجاهل هذه القاعدة يعرض أصحابه لخسائر كثيرة قد تؤدي بصورة نهائية بخططهم التكتيكية، وتؤثر سلبا في ما يضعونه من استراتيجيات، الأمر الذي يفرض عليهم التراجع إلى مواقع كانوا قد اعتقدوا أنهم تجاوزوها، مقابل التقدم الذي ينجزه الخصوم والمواقع الجديدة التي يحتلونها والتي تعطيهم امتيازات إضافية، ما كان لهم أن يحلموا بها لو تم، في المقابل، اتباع أسلوب قادر على قراءة المؤشرات الموضوعية التي تدل على التحولات المقبلة واستشراف الوضع المقبل وتوفير متطلبات الفعل فيه.
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 09/04/2025