المرسوم المنظم لجهاز «السنديك « لم يرق إلى تطلعات الفاعلين القانونيين والاقتصاديين

بعد ما يقارب ثلاثين (30) سنة عن صدور مدونة التجارة التي نظمت في كتابها الخامس «صعوبات المقاولة» معلنة بذلك انتهاء حقبة نظام الإفلاس الذي كان بمثابة سيف مسلط على رقبة المقاولات المغربية التي تعترضها صعوبات، وبعد مرور حوالي ثماني (8) سنوات عن صدور القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق «بمساطر صعوبات المقاولة». تفطن المشرع أخيرا إلى أن الجهاز الأهم في نظام مساطر صعوبات المقاولة ألا وهو «السنديك»، لايزال ينتظر تدخلا تشريعيا تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 673 من مدونة التجارة التي نصت على أن المؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام «السنديك» والأتعاب المستحقة عن هذه المهام سيتم تحديدها بموجب نص تنظيمي، هذا الأخير الذي رأى النور بتاريخ 22/09/2025 بمناسبة صدور المرسوم رقم 2.23.716 بالجريدة الرسمية عدد 7441.
هذا المرسوم القاضي بتحديد المؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام «السنديك» والأتعاب المستحقة عن هذه المهام في مساطر صعوبات المقاولة، لم يرق أبدا إلى تطلعات وانتظارات المهتمين بالشأن القانوني وكذا الفاعلين الاقتصاديين في النسيج المقاولاتي المغربي، بحيث إن مقتضياته المتعلقة بالمؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام «السنديك» جاءت جد محتشمة، واكتفت بوضع ما كرسه الواقع العملي بخصوص جهاز «السنديك»، على طول الثلاثين سنة الماضية، في شكل قالب تشريعي دون أي محاولة تذكر من أجل تجاوز الإشكاليات والصعوبات العملية، التي طرحت ونوقشت بخصوص هذا الجهاز من قبل الفاعلين في الحقلين القانوني والاقتصادي منذ اعتماد المغرب نظام مساطر صعوبات المقاولة سنة 1996.
ذلك أن المرسوم أسند صلاحية القيام بمهام «السنديك»، في مساطر الإنقاذ والتسوية القضائية والتصفية القضائية، إلى الخبراء في المحاسبة طبقا لمقتضيات القانون 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين، هؤلاء الخبراء في المحاسبة الذين حدد لهم قرار وزير العدل رقم 2239.16 الصادر بتاريخ 5 يوليو 2016 فرعين: الأول يتعلق بتدقيق الحسابات ومراقبتها والمصادقة عليها « AUDIT « في الشؤون الجبائية والنزاعات المتعلقة بالضرائب والشركات وصعوبات المقاولات، والثاني يتعلق بالخبرة في المحاسبة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية أسند المرسوم إمكانية ممارسة مهام «السنديك» في مسطرة التصفية القضائية لموظفي كتابة الضبط بالمحكمة المفتوحة أمامها المسطرة المنتمين لفئة المنتدبين القضائيين من الدرجة الثانية على الأقل، والذين قضوا مدة لا تقل عن خمس سنوات من الخدمة الفعلية بكتابة الضبط.
وعليه يكون المشرع بإصداره للمرسوم رقم 2.23.716 قد عاد لفترة ما قبل صدور قانون 73.17 القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بمساطر صعوبات المقاولة. حيث كانت تزاول مهام «السنديك» طبقا للمادة 568 من القانون رقم 15.95 من طرف كاتب الضبط وعند الاقتضاء من قبل الغير ، الذي غالبا ما كان من بين خبراء المحاسبة حسب العمل القضائي، وبعد صدور القانون 73.17 ونسخه للمادة 568 المذكورة وتنصيصه في المادة 673 من مدونة التجارة على أن المؤهلات المطلوبة لمزاولة مهام «السنديك» والأتعاب المستحقة عن هذه المهام سيتم تحدديها بموجب نص تنظيمي، ظل كل الفاعلين القانونيين والاقتصاديين يترقبون صدور هذا النص التنظيمي معلقين عليه آمالا من أجل تنظيم دقيق ومفصل للشروط المهنية والمؤهلات المطلوبة في جهاز «السنديك»، غير أن هذه الآمال سرعان ما تبخّرت مع صدور المرسوم المذكور، الذي — بغضّ النظر عن المقتضيات المرتبطة بالأتعاب — اكتفى بقلب الأولوية في التعيين بين خبراء المحاسبة وموظفي كتابة الضبط، بجعل الأصل في تعيين “السنديك” هو خبراء المحاسبة، بعدما كان النص السابق يُقرّ بالأولوية لموظفي كتابة الضبط، وحيث إنه، وإن كان المرسوم قد أحسن صُنعًا حينما أسند، من خلال مادته الثانية (2)، إمكانية ممارسة مهام «السنديك» في مسطرتي الإنقاذ والتسوية القضائية حصراً إلى الخبراء المحاسبين دون موظفي كتابة الضبط — لما لهاتين المسطرتين من أهمية قصوى في الحفاظ على استمرارية نشاط المقاولة التي تعاني من صعوبات جدية قد تؤدي بها إلى التوقف عن الدفع في الحالة الأولى، وكذا في تمكين المقاولة المتوقفة عن الدفع من استعادة توازنها والعودة إلى وضعها الطبيعي في الحالة الثانية —
فإن سماح المرسوم، من خلال مادته الثالثة (3)، بتعيين أحد موظفي كتابة الضبط «سنديكًا» في مسطرة التصفية القضائية، يُعدّ مجازفة كبيرة بمصير هذه المقاولات، لما تتطلبه هذه المرحلة من كفاءة تقنية دقيقة وخبرة مالية ومحاسبية متقدمة لضمان تصفية عادلة وفعّالة لأصولها.
إذ وإن كانت وضعية هذه المقاولات تعتبر مختلة بشكل لا رجعة فيه، إلا أن فتح مسطرة التصفية القضائية في مواجهتها لا يعني إقبارها، إنما يتم اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات من قبل «السنديك» تروم حماية مصلحة المقاولة ومصلحة دائنيها، هذه التدابير والاجراءات التي تلزم لاتخاذها بشكل سليم تحقيقا للهدف المنشود تعيين رجل فني خبير ك»سنديك» لمسطرة التصفية القضائية، وهو ما يطرح معه سؤال مدى أهلية موظفي كتابة الضبط للقيام بمهام «السنديك»؟ فبالرغم من تكوينهم وتجربتهم التي تمكنهم من اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأموال المعهودة بها إليهم وإدارتها، إلا أن تسيير وإدارة شؤون المسطرة، كما يرى الأستاذ محمد الفروجي، تقتضي دراية وإلماما بأصول ومبادئ الإدارة والتسيير والتجارة والتسويق والمحاسبة.
عموما، تبقى المقتضيات التي جاء بها المرسوم المذكور لا ترقى أبدا بالمؤهلات والشروط المهنية المطلوب توفرها في «السنديك» باعتباره جهازا محوريا في نظام مساطر صعوبات المقاولة تلقى على عاتقه مهام جسيمة ومصيرية في إنجاح النظام المذكور، على عكس مجموعة من التشريعات المقارنة التي وعيا منها بدور جهاز «السنديك»، قامت بتنظيم مهامه بنصوص خاصة ودقيقة منذ أواخر القرن الماضي، كما هو حال المشرع الفرنسي الذي نظم هذا الجهاز بمقتضى القانون رقم 85.99 الصادر في 25 يناير 1985 بشأن المتصرفين القضائيين والوكلاء القضائيين المكلفين بتصفية المقاولات والخبراء المتخصصين في تشخيص أوضاع المقاولات ومرسومه التطبيقي رقم 1389-85 الصادر بتاريخ 27 دجنبر 1985.
(*) محامي (م) بهيئة طنجة وعضو المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية