المصالحة الاتحادية، نجحت؟ أم فشلت؟

محمد إنفي

كل من يتحدث عن نجاح أو فشل المصالحة، فهو يصدر حكما، صراحة أو ضمنيا، عن مبادرة لا تزال في بدايتها، أو لنقل عن عمل لا يزال في طور الإنجاز؛ وبمعنى آخر، فهو يقوم بعملية تقييم لشيء غير تام. ومن هذا المنطلق، فهو يرتكب خطأ منهجيا وعمليا فادحا، لن تكون استنتاجاته أو نتائجه إلا واهية أو واهمة.
. فللتقييم شروط، ومن ضمنها أن يكون الشيء الذي نُقيِّمه تاما وقائما بذاته، ونتوفر على كل المعطيات بشأنه؛ ودون ذلك، سوف نصدر أحكاما جزافية. فالمعطيات الدقيقة، أو على الأقل، القريبة من الدقة، ستسمح لنا بمعرفة نسبة الاستجابة أو عدم الاستجابة لنداء المصالحة؛ كما ستسمح لنا بتصنيف الرافضين والمستجيبين للنداء، من حيث النوعية والكم.
كما أن عملية التقييم تتطلب وجود معايير تقاس بها نسبة النجاح أو الفشل. وهذه المعايير لا يجب أن تخضع للعشوائية أو أن تتحكم فيها النزوات الشخصية؛ بل يجب أن تكون من المعايير العلمية والإجرائية، المستعملة في مجال التقييم حتى يكون الحكم مطابقا للواقع.
هناك قاعدة أصولية معروفة تقول: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره». والمقصود بالتصور، هنا، الفهم والاستيعاب بشكل يجعل الحكم على الشيء (قول أو فعل أو سلوك) مطابقا للواقع، وإلا سيكون مجانبا للصواب وللحقيقة.
ورغم أنني لست من أهل الاختصاص، فإنني أفترض وجوب توفر بعض القيم في الذي يقوم بعملية التقييم؛ ومن هذه القيم الموضوعية والنزاهة الفكرية؛ وهذا ليس متاحا للجميع، ولا أزعم لنفسي التوفر عليها.
لكن، وكيفما كان الموقع الذي يتحدث منه الناقد أو المنتقد، فإنه، إن احترم هاتين القيمتين أو لنقل إن اعتمد هذين المعيارين أو أحدهما، فسوف يدرك أن لا نجاح كامل ولا فشل تام. فالأمور تبقى نسبية في كل الحالات؛ وإلا سيسقط في الإطلاقية.
لا شك أن كل طرف ينطلق من معطيات معينة، قد تكون حقيقية وقد تكون وهمية، للحكم على عملية المصالحة التي أطلقتها القيادة الاتحادية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس الاتحاد الوطني/الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي اختير لها يوم 29 أكتوبر 2019 (تاريخ اختطاف واغتيال عريس الشهداء المهدي بنبركة). لكن، وكما نعلم، فالاحتفال بهذه الذكرى سيستمر إلى حدود شهر مارس من هذه السنة (2020) من خلال تنظيم، في إطار المنتديات الاشتراكية، خمس ندوات وطنية على مستوى خمس جهات. ولكل ندوة موضوع خاص ومحوري.
أضف إلى ذلك أن المصالحة أُطلقت مقرونة بالانفتاح. فالتقييم أو الحكم على العملية أو المبادرة، يجب أن يكون شاملا وعاما. والمكان المناسب لهذا التقييم العام والشامل، هو المؤتمر الوطني المقبل. أما الانطباعات الشخصية التي تصدر من هذا الشخص أو ذاك، من هذا المنبر أو ذاك، من هذه الجهة أو تلك، فلا قيمة لها من الناحية العلمية والعملية لكونها تفتقد إلى المصداقية والموضوعية.
شخصيا، ناصرت المبادرة منذ انطلاقها، وكنت من الذين ثمنوها منذ الإعلان عنها (انظر «الاتحاد الاشتراكي وخطاب الأمل بعمق فكري وأفق وطني: قراءة سريعة في نداء الأفق الاتحادي»، «الاتحاد الاشتراكي»، 13 شتنبر 2019). لكني غير مستعد لإصدار حكم نهائي، سواء من أجل مجاراة الذين يصفقون لنجاح المبادرة، أو للرد على الذين يهللون لفشل المصالحة. لكني أتابع بشغف كبير الكتابات الرصينة والعميقة لبعض الإخوة الذين عادوا إلى حزبهم، فسخَّروا أقلامهم للدفاع عن المبادرة وعن دورها وفعاليتها في استرجاع الحيوية داخل صفوف الاتحاد الاشتراكي.
لنحاول فهم منطلق كل طرف حتى نساهم ليس في إصدار حكم معين، وإنما فقط في توضيح الرؤية ومحاولة إدراك الدوافع التي تحرك بعض الأشخاص وتتحكم في بعض المواقف.
من خلال بعض ردود الفعل السلبية التي اطلعت عليها (ولا أزعم أنني متتبع لكل ردود الفعل)، والتي تهلل لما تسميه فشل المصالحة، يسهل الحكم عليها بأنها ذاتية وتدخل ضمن الحسابات الشخصية الضيقة، حتى ولو كانت ذات صبغة سياسية. فالتركيز، بشكل مرضي، من طرف البعض على شخص الكاتب الأول كإدريس لشكر وليس كمؤسسة حزبية، تتمتع بشرعية المؤتمرين الوطنيين (التاسع والعاشر)، يسيء لكل الاتحاديات والاتحاديين، مسؤولين (أعضاء المكتب السياسي، أعضاء المجلس الوطني) ومناضلين (المؤتمرات والمؤتمرين وكل الذين انتخبوهم للمشاركة في المؤتمر). ويسيئ هذا الموقف أيضا إلى كل الاتحاديات والاتحاديين الذين لبوا النداء وعادوا إلى حزبهم، سواء كانوا من الذين ابتعدوا عنه لخلاف تنظيمي أو سياسي (الذين أُطلق عليهم في الصحافة وفي وسائل التواصل الاجتماعي اسم «الغاضبين») أو الذين ابتعدوا لأسباب شخصية.
أما فيما يخص الطرف الثاني الذي يحتفي بنجاح المصالحة، أو على الأقل، يتوقع نجاحها اعتمادا على وقائع وأحداث ملموسة؛ من قبيل النجاح الذي حققته «الاحتفالية الكبرى لانطلاق فعاليات تخليد الذكرى الستين لتأسيس الحزب»، والتي تزامنت مع ذكرى يوم الوفاء (29 أكتوبر) لتضحيات رموز ومناضلات ومناضلي الاتحاد. فمسرح محمد الخامس بالرباط شاهد على نجاح تلك الاحتفالية. كما تشهد المكتبة الوطنية بالرباط على نجاح الندوة الأولى من المنتديات الاشتراكية، بعنوان «التطور الاقتصادي بالمغرب: رؤى متقاطعة»، بتاريخ 18 دجنبر2019. ومن المرتقب أن يشهد فندق زلاغ بارك بالاص بفاس يوم 17 يناير الجاري الندوة الوطنية الثانية من سلسلة الندوات التي تم الإعلان عنها خلال احتفالية التأسيس، بعنوان «الحريات الفردية في مغرب اليوم»؛ مما يعني أن القيادة ماضية في تنفيذ البرنامج الذي التزمت به يوم 29 أكتوبر 2019.
فهل هذا كاف لإعلان الانتصار والاحتفال بالنجاح؟ منطقيا يجب أن نترك الأمر لوقته. فالحكم النهائي سابق لأوانه؛ خاصة وأن المصالحة مقرونة بالانفتاح. والانفتاح يتطلب مجهودا تنظيميا وسياسيا وتواصليا لتحقيق المبتغى منه.
لكن هذا لا يمنع من أن ير الاتحاديات والاتحاديين في كل الخطوات السالفة الذكر بوادر النجاح، ليس للمصالحة فقط؛ بل وللانفتاح أيضا. فعملية الانفتاح بدأت تؤتي أكلها، وإن اختلفت نسبة التجاوب من جهة إلى أخرى ومن إقليم إلى آخر. لكن هناك أمل كبير في أن تثمر هذه المبادرة المزيد من الالتحاقات الجماعية والفردية.
وإذا أردنا أن نقارن بين الموقفين، فالموضوعية والنزاهة الفكرية تحتم على المراقب المحايد (ولن أزعم، هنا، الحياد) أن يُقيِّم ليس المصالحة والانفتاح؛ وإنما كلا الموقفين من هذه المبادرة.
فإذا تمعنا في موقف الذين أعلنوا فشل المصالحة، سندرك أنهم يريدون قتل الأمل وإغلاق الأفق الذي تفتحه هذه المصالحة من خلال نداء الأفق الاتحادي. ولو كان هذا الموقف صادرا عن جهة معادية للاتحاد الاشتراكي، لتفهمناه ولاعتبرناه عاديا. لكن أن يصدر عن منتسبين للاتحاد، فليس له إلا تفسير واحد: إنهم يتمنون وينتظرون، لأسباب ذاتية (تصفية الحسابات الشخصية) أن تفشل المصالحة.
أما الاتحاديات والاتحاديون الذين صفقوا لنداء المصالحة والانفتاح، ويجتهدون في إنجاح هذه المبادرة، فهم يعطون الدليل على تشبثهم بالأمل وتطلعهم للمستقبل: مستقبل الأفق الاتحادي. فمهما كانت مبالغاتهم ومهما كانت مجازفة بعضهم في الأحكام، فلن نجد مبررا، ولو واهنا، لموقف الذين أعلنوا فشل المصالحة. فشتان بين الموقفين !!!

الكاتب : محمد إنفي - بتاريخ : 14/01/2020