المنظمات، التواصل والمردودية

الحسين بوخرطة

هناك عدة أنواع من المنظمات على شكل مجموعات، لكن سأركز في هذا المقال على مجموعات الانتماء والمجموعات المرجعية. بالطبع، هناك علاقة وطيدة بين التواصل وتدبير العلاقات ما بين الأفراد والجماعات داخل مجموعة ما ومردودية ونجاعة فعل أفرادها، وبالتالي يكون منطق التدبير التواصلي هو الأساس في تحديد مستوى تنميتها وإنتاج أفرادها. فحجم المجموعة والنظام المحدد لوظائف أفرادها وأدوارهم والضوابط والقواعد والنماذج والمعايير الضامنة لمشروعية وقيمة التعابير الشفاهية والممارسة الميدانية تشكل المؤشرات الجوهرية لتحديد التوقعات في مجالي الإنتاج والتنمية في كل المجالات.
فدينامية مجموعة ما هي إلا انعكاس واضح لطريقة عملها أو تحركها أو سير شؤونها، طريقة يجب أن تضمن لها القدرة الهائلة للتأقلم والتكيف مع المتغيرات والتطورات، وذلك من خلال تغيير بنيتها وقوة تجاذب وتلاؤم وصلات أفرادها بشكل يجعلها مؤهلة من جديد لإضعاف مسببات التنافر والاشمئزاز والكراهية بين مكوناتها من جهة، واتخاذ القرارات النافعة واحتلال الموقع الذي يجسد تاريخ وجودها.
إن فكرة المجموعة تفقد قيمتها كلما ضعف شعور وإحساس الانتماء لها. وتقوية موقعها ما بين المجموعات الأخرى المنافسة لا يمكن أن تتحقق إلا في حالة تشبث الأفراد المنتمين إليها بالحفاظ على موقعها في محيطها من خلال إنضاج شروط التضامن القوي فيما بينهم على أساس جاذبية البواعث المشتركة وقيم الانتماء إليها، وبالتالي الرفع من مستوى نجاعة الفعل بداخلها إلى أعلى المستويات من خلال خلق مقومات جديدة لتشبيك العلاقات التواصلية بمنطق متجدد لا يطيق الجمود. فالتضامن الجيد داخل أي مجموعة هو مرادف للاستباق في إنتاج أقصى مستويات تجليات النماء. في نفس الوقت، البحث داخل المجموعة عن التجانس، والتناسب، القاتلين للتنوع والاختلاف الخلاق، يتحول مع مرور الوقت إلى فرملة للإبداع يترتب عنه تطور تدريجي لمحدودية التفاعل البناء إلى درجة تصاب الحياة داخل المجموعة بالعقم في إنتاج القرارات الجديدة المؤثرة على مسار التطورات جراء ضعف المعلومات المتوفرة، وآليات تقييم العمل.
إن تشبع حياة أي مجموعة بالحرية، وتمتيعها بمنظومة تواصلية عصرية تضمن السرعة في المرور من مرحلة النقاش إلى الاستنتاج، تجعل القرارات الصادرة عنها ذات قيمة كبيرة، قرارات قد تتخذ تارة من خلال اعتماد التوافق أو الإجماع، وفي الحالات الحرجة الخاضعة لإكراه الزمن، يتم اللجوء إلى مبدأ التفويض، تفويض الأغلبية أو القاعدة البشرية الواسعة للسلطة القيادية للتعاطي مع المستجدات المفاجئة من خلال منظومة تواصلية تفاعلية تطرح الحصائل الجزئية للنقاش بمنطق يضمن القوة في استمرار عمليات التفاوض.
سأكتفي، بهذا القدر لأقول في الأخير، أنه لا يمكن الحديث عن التفويض المرحلي في الأوقات الحرجة إلا في حالة التوفر على منظومة تواصلية قوية وناجعة تجعل من الزعيم ذلك القيادي المتفوق المؤثر بقوة على كل أفراد المجموعة، ويقودهم في جو تسوده الثقة الكاملة في اتجاه تحقيق التراكمات المطلوبة في مجال تلميع مقومات معنى العيش المشترك للدفاع على المرجعيات الجامعة. إن نجاعة التنظيم التشاركي لعمل المجموعات على أساس المساواة والاستحقاق يعد اليوم الدعامة الأساسية لوظائف الإنتاج، والتسهيل والضبط والتصحيح.

الكاتب : الحسين بوخرطة - بتاريخ : 01/04/2019