الناس بين الحرام والحرمان
عز الدين الأكرمين
مضى العيد وضحى بالكبش من اشتراه من سعة ماله ومن تسلف حتى يرد السلف، وأقام بعض المتكلمين في الدين زوبعة حول مسألة السلف من أجل شراء الكبش، فتفهم بعضهم الموقف وأجاز القرض باسم الضرورة، وأخرج آخرون الورقة الحمراء، ورقة الحرام، والأولون محقون لأن الضرورات تبيح حتى المحظورات، والآخرون محقون كذلك لأن الأمر، أمر القيام بسنة الأضحية، لا يستدعي من جانب الدين حرج الاقتراض وما في ذلك من إثقال الكاهل، غير أن أصحاب ورقة الحرام ينطلقون من خلفية أعظم بكثير من مسألة الأضحية، وهي مسألة الاقتراض بالفائدة التي هي عندهم ليست سوى ذلك الربا الحرام.
من حق كل من تتبع ذلك الجدل الطريف أن يتساءل: هل يستحضر أصحاب ورقة الحرام النظام الاقتصادي العالمي الذي يعيش فيه العالم، وبلاد المسلمين جزء منه جبرا لا اختيارا؟
هل يستحضرون الحقيقة الواقعية اليومية للناس الذين يقترضون للضرورة في مواسم الذروة الاجتماعية حيث تكثر المصاريف؟ هل يعرف هؤلاء أن الناس البسطاء الذين يلجأون للاقتراض في العيد لا يقترضون لشراء الكبش وحده بل لشراء ملابس الأولاد وغير ذلك من المستلزمات الاجتماعية لهذه المناسبة الدينية؟ هل يغيب عن هؤلاء أن الناس في هذه الأيام يستعدون للدخول المدرسي الذي يتطلب مصاريف زائدة تكون عادة مناسبة يلجأ فيها ذوو الدخل المحدود إلى الاقتراض؟ وإذا عدنا إلى كبش العيد فهل يتصور أصحاب ورقة التحريم أن هذا الطقس الديني يتحول إلى ظاهرة اجتماعية في مركزها الزوجة التي تريد كبشا بمواصفات لا تقل عن مواصفات كبش الجيران؟ وهل يفوت هؤلاء حضور الأطفال في هذه المناسبة وهم ينتظرون وصول الكبش لكي يفرحوا به ويعلفوه ويلعبوا معه ولو ليوم واحد؟ أليست هذه ضرورة دينية أن تفرح الزوجة والأطفال؟ فكم سيضيع للدين من بهجة لو قال صاحب الدار للزوجة وللأولاد إنه لا يملك ثمن شراء الكبش ولا يريد أن يلجأ للقرض لأن العالم بالدين اعتبر الأمر حراما؟ فهل يكون الحل مع هذه العوائد المستحكمة أن ينتظر البعض التصدق عليه ببعض اللحم في هذا اليوم؟ والحال أن القديد لحم مصبر عند فئات واسعة من الشعب.
يستطيع العلماء أن يعرفوا عن طريق شركات القروض عدد من لجأوا إلى السلف في هذه المناسبة، وأن يقنعوا الميسورين بتوفير العدد المناسب من الأكباش في العام المقبل ويقدموها للناس حماية لهم من القروض، كما يستطيعون أن يقنعوا عددا من الميسورين بتخصيص نفس الميزانية ليقدموها للمضطرين قروضا حسنة بلا فوائد، لكن أمر القروض،كما قلنا، لا يكون بسبب كبش الأضحية إلا بصفة هامشية، فالقروض الصغرى للاستهلاك تكون لما لا يحصى من الضروريات، وبدل أن يترك المتكلم في الدين أمر الضرورة للواقع الاجتماعي والثقافي، أي للمعنيين بالأمر، يتدخل ليتحكم فيها حماية للناس من الحرج ومن الحرام على الخصوص، ولاشك أن وقع كلام أصحاب ورقة التحريم محدود جدا، ومع ذلك فإنه من المؤسف ألا يضع بعض المتكلمين في الدين هذه القضية ومثيلاتها في إطار المشكلة الكبرى، مشكلة الفقر من جهة والتفاوت الاجتماعي من جهة أخرى، وفي انتظار أن يفعلوا لابد من التأكيد لهم على أن الحرام، إن كان هنالك حرام في المسألة، لا تمكن معالجته باقتراحات تنطوي على مشاعر الحرمان، ولا أحد يقول إن أضحية العيد في العائلة المغربية شهوة من الشهوات.
قيل، بخصوص الجدل المذكور، إن المسألة ترجع إلى أن الذي تكلم فأجاز الاقتراض رد عليه أناس لا يحبونه، ثم دخل في الخط متربصون.
الكاتب : عز الدين الأكرمين - بتاريخ : 27/08/2018