الواتس آب .. دستور الأسرة وميثاقها الأخلاقي الجديد

عزيز باكوش
لزمن طويل، ظل الأبناء يتواصلون مع أولياء أسرهم بواسطة الكلمة، وعلى المباشر فيطلبون منهم مصروف الجيب، وينسقون لموعد الساعات الإضافية، ويكشفون رغباتهم ويعلنون أذواقهم فيما يتعلق بنوعية الملابس وأجندة الخرجات.. كل ذلك يتم على المباشر ودون وسيط وبلغة الدرب في معظم الأحيان. وغالبا ما يستطلع أفراد الأسرة الواحدة بالمباشر أجواء المطبخ ويستهجنون أو يستحسنون طبيخ الوالدة بعبثية ومتعة تفوق الاعتدال المطلوب في السلوك أحيانا، وقد يستفسرون ويسألون عن أمورعارضة في الحياة والمجتمع، والأهم من هذا وذلك، هو”سركلة” كلمات مثل أبي الوالدة أمي بابا الوالد ماما أخي أختي، إلى غير ذلك من عبارات التداول اليومي الحميمة التي تشد روح الأسرة وتقوي أواصرها، لكن أسرة صديقي الذي لن أكشف هويته لدواع صديقة ، تشكل استثناء، ف( الوات ساب) هذا التطبيق التواصلي المذهل الذي أصبح دستور العائلة، وتحديدا رسائله الصوتية بات يشكل العمود الأساسي للتواصل بين أفراد ها الأربعة.
فما هو الواتس آب أولا تأسس ال WhatsApp في عام 2009 من قبل الأمريكي بريان أكتون والأوكراني جان كوم (الرئيس التنفيذي أيضاً)، وكلاهما من الموظفين السابقين في موقع ياهو! ويقع مقرها في سانتا كلارا بكاليفورنيا.
واتساب (بالإنجليزية WhatsApp) هو تطبيق تراسل فوري متعدد المنصات للهواتف الذكية،ويمكن بالإضافة إلى الرسائل الأساسية للمستخدمين إرسال الصور والرسائل الصوتية والفيديو والوسائط. ويتنافس WhatsApp مع عدد من خدمات الرسائل الآسيوية. ويتم إرسال أكثر من 27 مليار رسالة يومية على ال WhatsApp وقامت شركة الفيس بوك بشراء الواتس آب في 19 فبراير من العام 2014 بمبلغ 19 مليار دولار أمريكي.
حين يستيقظ (ك ) شاب في ربيعة الخامس عشر على رنة استيقاظ إلكترونية مميزة، وقبل أن تستطلع عيناه شبه مغمضتين فضاء غرفته الرطبة المؤثثة بصور نجوم الراي ونجمات هوليود، سباقات الرالي .. يضغط على زر تشغيل هاتفه الذكي على الفور، فيستقبل صوتا ويرسل آخر ، فالحياة لابد أن تبدأ من هنا .
ماما … لفطور واجد؟ أما عبارات التصبيح اللذيذة والمجاملات اللطيفة وأدب الكلام المضمخ بالاحترام الواجب للوالدين مثل نهارك طيب ماما وصباحك نور والدي، فهذه مجرد عبارات يقرأها صديقنا ، وقد يكتبها فقط لصديقة يرغب في ضمها إلى القائمة.
وسرعان ما يتلقى ردا عبارة عن رسالة صوتية (اوديو ) من الطرف الآخر … فقت اوليدي !!! اغسل اطرافك واجي تفطر، وقبل أن ينهي سماع رسالة والدته ينذره السمارتفون برنة إلكترونية شبابية تذهل( خويا ..الزين ..نتلاحو الثمنية لاروب هذي!!!! هكذا يتأهب – ك – للفطور والالتحاق بحصته الدراسية .
أما والده الذي حصل على تقاعد نسبي من وظيفته بعد قضاء 30 سنة من التدريس فهو لا يزال مخلصا لعادته الصباحية بامتياز، فما يكاد يطلع الفجر، حتى يشرع في تصفح مواقع إخبارية، وأخرى لصناعة الأحداث المؤثرة، وما جاد به الأصدقاء من تقاسم للفيديوهات والأفكار والبسمات وأشرطة بعض رجال الدين والدعاة الذين ملئوا الدنيا بعشرات الفتاوى الغارقة في الدجل.
ولدي .. كتسمعني .. لا تنس السوايع الماط لعشية !! فيرد – ك – على الأوديو نفسه بحماقة (واخا اسمعناك .. ثم يضيف في تراخ (كالك ذ بغا لفلوس) ثم يغلق الهاتف ويلقي به على جانب السرير، كما لو كان إنذارا لأداء فاتورة كهرباء.
أما الشابة الأنيقة والفائقة الدلال، فلها نوعين من الهواتف الذكية، خصصت الأول للأسرة والثاني لزملائها بالثانوية. فالفروض والفيديوهات والنكت وتقليعات الموضة وتسريحات وآخر الأغاني على اليوتوب ومجمل الخزعبلات تجد طريقها ومستقرها في تلك اللوحة الالكترونية العجيبة، فهي علبتها السوداء التي لا تكف أناملها عن رقن الكود السري كل ولوج جديد .
ليس عيبا، فالثورة التكنولوجية في مجال التواصل لم تقتصر على تغيير إيقاع حياة أسرة – ك – لوحدها فكل أفراد أسر الجيران يدبرون حاجياتهم وا نتظاراتهم عبر – الأوديو- وعبر الموجات الكهربائية والترنيمات الصاخبة والرنات الصوتية المرعبة، إنه كوكتيل صوتي متمازج ومريع يصل بين الطوابق الثلاث لفيلا الأسرة بأحد الأحياء الراقية بالعاصمة العلمية.
في هذه الأجواء المتسمة بالصفاء، ومنذ أربع سنوات تقريبا تعيش عائلة – ك – تدبر شؤونها وتتواصل في حياتها اليومية عبر تقنية الأوديو والواتس آب، كما لو أن هذا التطبيق التواصلي المذهل صمم خصيصا لها، فهي لا تترك المجال لأي وساطة أخرى من كلام مباشر أو نظرات طائشة تقسو حينا أو ترحم أحيانا، إنه دستور الأسرة وميثاقها الأخلاقي الرحيم، إذ بواسطته يتم إنجاز معظم حاجاتها اليومية بكل الرضى وبنجاح كاسح.
ومن المؤكد أن دواء السعال الذي لفت انتباهك في غرفته كانت قد اقتنته والدته لمجرد سماع حجرشة في صوته عبر رسالته الصوتية، أما تعليمات الاستعمال فجاءت بدورها في رسالة صوتية بالموازاة مع ولوجه غرفته بعد عودته. وأمام هذا الاكتساح الأوديوي والتراجع الخطير المسجل في تداول الكلام بين أفراد أسرة -ك – أصبحت دينامية الأسرة وأجهزتها الدافعة معبأة بشكل كامل في خدمة الصيانة والتجهيز الفنيين، حيث يشكل طقس اختبار جاهزية الهواتف الذكية لأسرتك روتينا يوميا كل ساعتين على حساب هوايات أخرى كالقراءة والرياضة. فقدرة الأجهزة الإلكترونية على تخزين الرسائل الصوتية والفيديوهات محدودة، وفرزها يتطلب تفريغا حذفا وتثبيتا من جديد
فلا غرابة أن يكون الأوديو قرآن الأسرة وميثاقها ودستورها الدائم في التواصل والحياة
لو شئنا ونصبنا عدادا لرصد الرسائل الصوتية ضمن شبكة أسرة – ك – لوجدنا بالتأكيد ما بين 100و 150 رسالة صوتية كل يوم، لذلك وبكل ثقة إعلانها أسرة أوديوية بامتياز لسنة 2018.
الكاتب : عزيز باكوش - بتاريخ : 05/02/2018