ديبلوم في علبة المفاجآت!

زكية حادوش
كلما تعلق الأمر بالتربية والتعليم في البلاد يحتد النقاش ويكثر اللغو حول المخططات والبرامج والإصلاحات المتوالية على هذا القطاع الحيوي منذ أواسط القرن الماضي، بين مناصري النسخة الرسمية التي تقترحها وتروج لها الوزارات المتعاقبة والمجالس العليا المنصبة بغرض «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» في تعليمها وتربيتنا، ومعارضي هذه النسخة الرسمية بتنقيحاتها المختلفة، سواء كانوا من رجال ونساء التعليم الذين يقع لهم ما يقع للحجام حين تسقط الصومعة، أو من فاعلين سياسيين ونقابيين وجمعويين وآخرين.
كل من جهته، يتسلح الطرفان بخبرائهما ومقارنة التجارب (Benchmark) لدعم نظرياتهما، مستعملين ما تيسر من الإعلام ومن ندوات للإقناع. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جدية الموضوع والنقاش الصحي الذي ينبغي أن يصاحب مسألة وطنية بحجم التعليم… لكن وبتوالي المخططات العشرية والإصلاحات الاستعجالية منها والبعيدة المدى والمفعول، بدأنا نحس أن أولادنا وأحفادنا سيكونون فئران تجارب في هذا الحقل، تماما مثلما كنا نحن، بل أكثر، بالنظر إلى التحولات السريعة التي تطبع عصرهم. بمعنى أن أي اقتراح أو مشروع يرتبط بالتعليم يصبح في خبر كان بمجرد الشروع في تطبيقه، بعد الأخذ والرد الذي نتميز به بين الأمم «الديمقراطية». بل الأحرى أن تنتهي مدة صلاحية أي مشروع تعليمي قبل تنفيذه على أرض الواقع.
عندما يطرأ أمر مماثل في عالم تكنولوجيا الإعلام والاتصال، يتم تدارك الأمر بسرعة من طرف الشركات العملاقة المسيطرة. ولا تتردد أي منها في استدعاء نسخ «فاشلة» من هواتفها النقالة مثلا، أو تسريع وتيرة البحث والإنتاج لتسويق نسخة جديدة محينة قادرة على قهر المنافسين وإغاظتهم! أحيانا تقدر الخسارة أو الاستثمار بملايين الدولارات، لكن اللعبة تستحق واسم الماركة يجب أن يظل محفوظا وكذا مقامها.
كم سيكون الأمر بسيطا وجميلاً لو كان بالإمكان استدعاء سنوات من المقررات المدرسية «المختلة» أو إيقاف العمل بإصلاحات منتهية الصلاحية أو تقويم وتحيين أدمغة حشيت بما لا يلزم من المعلومات بل بفيروسات تضر ولا تنفع في الحياة العملية والشخصية على حد سواء! كم سيكون رائعاً أن نعيد الدهر إلى الوراء لإصلاح ما أفسده عطارو التربية والتعليم وفقا لإملاءات داخلية أو وصفات خارجية طبقوها على أدمغتنا وشخصياتنا، كأننا يتامى ورؤوسنا بين أيدي حجامة مبتدئين لا يفرقون بين المقص وشفرة الحلاقة!
ارحمونا من فضلكم، فرؤوسنا ورؤوس ذريتنا صارت خرائط لمتاهات تؤدي إلى الحائط حتماً. نضربه ويضربنا ولا نستفيق. أو أحيانا نستفيق هنيهة عندما نتلقى رسالة (إلكترونية بالضرورة) لبعض الأشخاص الحاصلين على شواهد عليا في العلوم الإنسانية ولا يقدرون على تأليف فقرة واحدة مترابطة وخالية من الأخطاء بأي من اللغات التي درسوها منذ روض الأطفال، أو عندما تضعنا الأقدار أمام بعض خريجي مدارس عليا وجامعات في تخصصات علمية دقيقة وهم أبعد عن التفكير العلمي بسنوات ضوئية. لا أقصد التعميم هنا ولا أريد التخصيص حتى لا أتهم بالتحامل على بعض المهن وأصحابها. المهم أننا أحيانا نجد أنفسنا نتساءل ما جدوى تعليم لا ينتج عقولا ولا أيدي منتجة، وما الفائدة من خطط وبرامج وإصلاحات تعليمية وتربوية لعقود متتالية لا ينوبنا من ورائها سوى شواهد تفتح الباب على العطالة بالنسبة للبعض وديبلومات يربحها البعض الآخر في علبة المفاجآت ويأتي معها المنصب على المقاس!
الكاتب : زكية حادوش - بتاريخ : 10/10/2024