انتحار الشباب بمدن الهامش
عبد الكريم ساورة
أذن المؤذن لصلاة العصر، قام محسن كعادته يتوضأ، كان مشغول البال، صلى بسرعة كأن شيئا ينتظره، بنفس السرعة أشعل سيجارة من النوع الرخيص جدا، سقطت من يديه دون أن يشعر، فجأة فتح كيس بلاستيكي وأخرج منه حبلا طويلا، بعد عدة محاولات نجح في شنق نفسه .
يبدو أن الإقدام على الانتحار عملية ليست بالسهلة، رغم أنني حاولت نقلها في بضع سطور، لكن ماذا عن لحظات القيام بعملية الانتحار، لاشك أنها استغرقت زمنا طويلا بالنسبة للمنتحر، ماذا عن الإحساس بمغادرة كل شيء، الأم الحنونة والأب الذي تعدى الستين عاما وهو لازال يشتغل حارسا للسيارات، البيت الصغير بكل أشيائه الصغيرة التي عاشت معه. فراق صعب ومؤلم ، يذمي القلب.
هذا السيناريو المحتمل، لشاب لايتعدى عمره 21 سنة، كان يشتغل قيد حياته كهربائي، وكانت لاتفوته أوقات الصلاة، ولم يدخل في شجار ولا مشاحنة معي ولا مع أمه ولا مع الجيران مند صغره .
كان والده يقص علي حكاية ابنه محسن وهو يبكي، وقال وهو يعتصر من الألم: “ كنت أتمنى أن يترك لي ولو إشارة واحدة على سبب إقدامه على الانتحار” وزاد قائلا : “ لقد رأيته مؤخرا أصبح أكثر انعزالا، لايتكلم إلا قليلا وإذا تكلم سخر من كل شيء بقوله : حياة بهذا البؤس اليومي، لاتستحق أن يتشبث بها الواحد ولو ساعة واحدة “.
يبدو جليا أن الأب لم يفك شفرة هذه الجملة وما تحمل من دلا لات عميقة، لشاب في زهرة عمره يعيش أقصى فترات الإضطراب النفسي وكان لاشك يبحث عن مخرج فلم يجده سوى في اقتناء حبل ووضع حد لحياته التي لم تعد تساوي شيئا بالنسبة إليه.
هذا الانتحار وغيره من العمليات الانتحارية التي يقدم عليها شباب المغرب، يجعلنا جميعا باحثين، وأكاديميين، وبرلمان وحكومة والمؤسسات التي تقوم بدور الوساطة والهيئات الحقوقية والمدنية والأسرة والمدرسة نتساءل عن السر الكامن وراء هذه الانتحارات المفاجئة والمرعبة للجميع ؟
بداية ليست هناك احصائيات دقيقة فيما يخص انتحار فئة الشباب بالمغرب، كل ماهنالك هو أرقام تقريبية للمنتحرين في مختلف الفئات العمرية، ولعل العنصر الذكوري يفوق العنصر الأنثوي في الإقبال عن الانتحار، وتبقى وسائل الإعلام بمختلف أنواعها هي من توفر المادة الخصبة لأغلب العمليات الانتحارية بمناطق المملكة.
ويبدو في الظاهر أن أغلب الشباب الذكور الذين ينتحرون بمدن الهامش يتم التداول أن الفقر وقلة الحاجة كانت هي الدافع الأكبر لهم للإنتحار بينما أغلب الإناث يقبلن على الانتحار بسبب الخوف من الفضيحة عندما يتم إيداع خبر حملهما عندما يدخلن في علاقات غرامية غير شرعية أو في حالة اعتراضهما من طرف مجموعة من المنحرفين وتعرضهما للإغتصاب وقد ينجم عنه حمل .
ما يلاحظ أن أغلب العمليات الانتحارية بمدن الهامش، عندما يتم تداولها بين الناس تكون مفاجئة، ولايقبل أي أحد بتصديقها وقد عشنا جميعا هذه الحالة أكثر من مرة عندما أقدمت شابة جميلة بضواحي المدينة وهي في مقتبل العمر على الانتحار بواسطة “ سم الفئران “ بسبب تخلي إحدى الشبان على الزواج منها، نفس الأمر وقع مع شاب 22 سنة هو الآخر من ضواحي المدينة، وفي إحدى المساءات عثر عله مشنوقا بحبل على شجرة زيتون، أغلب ساكنة الجماعة أكدوا على محنة الشاب المادية والفقر المدقع الذي تعيشه أسرته.
من خلال هذه النماذج ، هل يمكن أن نربط ظاهرة انتحار الشباب بمدن الهامش بسبب العامل الاقتصادي ؟ أم أن هناك عوامل أخرى تظل مستترة ولا تظهر بالعين المجردة ؟
أكيد أن هناك عوامل أخرى سوسيو ثقافية، وبيئية، وغدائية ، وعائلية، ووراثية تكون دافعا قويا في عمليات الانتحار لذا الشباب، وهناك دراسات رغم قلتها أكدت على هذه العوامل وعوامل أخرى في تفشي الظاهرة.
الآن الكل متفق أن ظاهرة انتحار الشباب بمدن المملكة في ارتفاع مستمر، والجميع لم يستوعب بعد خطورة الظاهرة ويدرجونها في خانة “ القضاء والقدر “ وهناك من يتشدد في الحكم وينعث المنتحر بالشخص العاق الذي لم يرض بحكم الله وأن مصيره جهنم، لذلك حان الوقت للخروج من التفسير الديني للظاهرة الضيق وإدخالها في خانة البحث العلمي الصرف من خلال إحداث مراكز متخصصة في ظاهرة الإنتحار بكل أشكاله، كما على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها من خلال عمليات الرصد والمتابعة والمعالجة من خلال كل المؤسسات سواء التعليمية والحقوقية والإعلامية، لكن يبقى دور الأسرة في المراقبة والمواكبة هو المدخل الأساسي لوقف هذا السرطان الخطير من التغلغل إلى قلب المجتمع.
(*) كاتب وباحث
الكاتب : عبد الكريم ساورة - بتاريخ : 13/04/2018