بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد .. المؤسسة الملكية بين الثبات الداخلي والحركية الخارجية: حصيلة سنة من الفعل والتأثير

طه العربي (*)
عرفت الساحة الوطنية هذه السنة مجموعة من المستجدات البارزة، والمرتبطة بشكل أساسي بالتدبير المعقلن والواقعي لمجموعة من الأحداث السياسية التي تزاوج مابين تدبير الشأن العام الداخلي ومواصلة مسار التنمية ثم الدفاع عن مصلحة المملكة خارجيا والتصدي لمناورات الخصوم .
ومن هذا المنطلق تلعب المؤسسة الملكية دور الفاعل الجوهري والأساسي في صياغة وتدبير هذه الملفات التي تكتسي بعدا استراتيجيا، بالرغم من وجود العديد من التحديات الإقليمية من أبرزها وجود بيئة اقتصادية عالمية تتميز باللايقين الاقتصادي ناهيك عن التوترات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وبالرغم من هذا، يحاول المغرب تشييد واستكمال العديد من الأوراش الداخلية الهامة من جهة، ومواصلة بناء سياسة خارجية تقوم على الواقعية والبراغماتية في التدبير من خلال اعتبار ملف الصحراء المغربية بمثابة البوصلة التي بمقتضاها يربط المغرب علاقته مع الفضاء الخارجي .
ولهذا سيتم تقسيم هذا المقال إلى محورين، حيث سيعالج المحور الأول : الإدارة الملكية لمجموعة من المشاريع التي تكتسي صبغة داخلية، في حين سيتناول المحور الثاني: مستجدات السياسة الخارجية للمغرب مابين يوليوز 2024 و 2025 .
المحور الأول: المؤسسة الملكية ودورها في الإشراف على مسلسل التنمية الداخلية
إن قوة المؤسسة الملكية في الإدارة لا تستمدها فقط انطلاقا من نص الدستور وروحه، بل من شرعية تاريخية وروحية عريقة ومتجذرة، حيث شكلت منذ قرون أساس استمرار الدولة سواء خلال مرحلة الحماية، أو خلال مرحلة استكمال بناء المغرب الحداثي. وفي ظل هذه الشرعية التاريخية التي بوأت الملك مقام أمير المؤمنين، وبغية حماية العديد من فئات الشعب المغربي خصوصا أصحاب الدخل المحدود، ارتأى الملك عدم إقامة شعيرة ذبح الأضحية هذه السنة، بغية إعادة تشكيل القطيع الوطني، هذا الأخير الذي تقلص عدده بسبب توالي ظاهرة الجفاف وندرة التساقطات المطرية، ووفقا لهذا التوجه، وتنفيذا للتعليمات الملكية الصادرة خلال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 12 ماي 2025، أطلقت الحكومة برنامج دعم مربي الماشية وتحسين أوضاعهم وإعادة تشكيل القطيع الوطني، و ينبني هذا البرنامج على خمس دعائم أساسية:
أولا: إعادة جدولة ديون مربي الماشية بكلفة تصل إلى 700 مليون درهم .
ثانيا: دعم العلف المخصص للماشية بغلاف مالي يقارب 2.5 مليار درهم .
ثالثا: إطلاق عملية ترقيم إناث الماشية ومنع ذبحها حفاظا على القطيع الوطني مع تقديم دعم مباشر للمربين بقيمة 400 درهم عن كل رأس من الإناث التي تم ترقيمها ولم يتم ذبحها، وذلك لتعويضهم عن تكلفة الاستمرار في الحفاظ على القطيع.
رابعا: إطلاق حملة علاجية وقائية لحماية 17 مليون رأس من الأغنام والماعز خلال هذه السنة من الأمراض المترتبة عن تداعيات الجفاف، بكلفة مالية تصل إلى 150 مليون درهم .
خامسا: تنظيم عملية تأطير تقني لمربي الماشية، وذلك لتحسين السلالات عبر خلق منصات للتلقيح الاصطناعي والمواكبة التقنية للرفع من الإنتاجية، بكلفة مالية تصل إلى 50 مليون درهم .
من زاوية أخرى، والتزاما بتنزيل دفتر التحملات المرتبط باحتضان المغرب لنهائيات كأس العالم – فيفا 2030، أشرف العاهل الكريم بتاريخ 24 أبريل 2025 على إعطاء انطلاقة الخط السككي فائق السرعة LGV
( القنيطرة–مراكش )، على طول يناهز 430 كلم، وبغلاف مالي بقيمة 53 مليار درهم .
ويروم هذا المشروع تطوير العرض السككي الوطني، وجعله عمودا فقريا للمنظومة الوطنية للنقل واللوجيستيك، ويشمل مشروع القطار فائق السرعة القنيطرة-مراكش إنشاء خط سككي فائق السرعة، يربط مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش، مع ربط بمطاري الرباط والدار البيضاء، علاوة على إنشاء ثلاث شبكات للنقل الحضري على مستوى مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش.
هذا المشروع النموذجي ينقسم إلى مكونين رئيسيين، أولهما ذو طابع صناعي ويهم إنشاء وتشغيل وحدة صناعية محلية لتصنيع القطارات وإرساء منظومة للموردين والمناولين، بينما الثاني متعلق بإحداث شركة مختلطة بين الشركة المصنعة والمكتب الوطني للسكك الحديدية لتأمين الصيانة الدائمة والصناعية، والتي تغطي مدة عمر القطارات مع التحكم في التكاليف .
وارتباطا بالرؤية الاستباقية التي تتخذها المؤسسة الملكية للتصدي للكوارث وللنشر السريع لعمليات الإغاثة، تم بتاريخ 07 ماي 2025 إعطاء انطلاقة أشغال إحداث منصة المخزون والاحتياطات الأولية لجهة الرباط- سلا- القنيطرة، ويروم هذا المشروع الذي سيدبر بشراكة مابين القوات المسلحة الملكية ووزارة الداخلية توفير الاحتياجات الطبية وشبه الطبية والغذائية والطاقية من أجل مواجهة الكوارث المستقبلية سواء كانت طبيعية أو صناعية، وسيتم إنجاز منصة المخزون والاحتياطات الأولية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة على قطعة أرضية تبلغ مساحتها 20 هكتارا، وذلك في أجل 12 شهرا، بميزانية إجمالية تقدر بـ 287,5 مليون درهم. ويهم هذا المشروع على الخصوص إحداث أربعة مستودعات (5 آلاف متر مربع لكل منها)، وحظيرتين للمعدات الضخمة (2500 متر مربع لكل منهما)، ومهبط للطائرات المروحية ومواقف للسيارات، وتكريسا لمسار تنزيل الجهوية المتقدمة التي تعتبر من دعائم النظام السياسي المغربي، أعطى جلالته أوامره بضرورة تشييد هذه المنصات في كل جهات المملكة .
وستسعى هذه المنصات الاستراتيجية، إلى تخزين المواد الأولية المرتبطة بمواجهة الأزمات والكوارث، بغية الاستجابة السريعة لنداءات الساكنة المتضررة وضمان تغطية عاجلة ومعقولة للاحتياجات في مجال الإنقاذ والمساعدة والتكفل، وفقا للرؤية الاستباقية لجلالة الملك . بالإضافة إلى هذا سيمكن البرنامج الشامل الخاص بإنشاء المنصات الجهوية للمخزون والاحتياجات الأولية أيضا من التوفر على مخزونات استراتيجية تسمح بالاستجابة لما يعادل ثلاثة أضعاف الحاجيات التي تمت تلبيتها على إثر زلزال الحوز، فضلا عن تطوير منظومة وطنية لإنتاج التجهيزات والمواد اللازمة للإطلاق الفوري لعمليات الإغاثة في حالة وقوع الكوارث.
وقد تم تصميم هذه المنصات الجهوية، التي تم اختيار مواقعها وفقا لمعايير السلامة، على أساس تحليل معمق لاحتياجات كل جهة من جهات المملكة، أخذا بعين الاعتبار المخاطر التي تنطوي عليها، مدعوما بدراسة لأفضل الممارسات والمعايير الدولية في هذا المجال.
المحور الثاني: مستجدات السياسة الخارجية للمغرب مابين يوليوز 2024 و 2025
في سياق تدبير المؤسسة الملكية للحقل الخارجي الذي يعتبرا مجالا حصريا لها ممارسة وخطابا، شهدت الدبلوماسية المغربية العديد من المستجدات ذات الصلة بالقضية الوطنية باعتبارها القضية الأولى التي تتصدر أجندة السياسة الخارجية للمغرب، وفي هذا الباب، تعتبر زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شهر أكتوبر الماضي إلى المملكة حدثا مفصليا في إطار العلاقات المغربية الفرنسية، حيث وقع الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي الإعلان المشترك المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا، هذا الإعلان الذي يعد بمثابة خارطة طريق مستقبلية للعلاقات بين البلدين في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك، و لعل أهم ما ميز هذه الزيارة الاعتراف الصريح للرئيس الفرنسي داخل قبة البرلمان بأن الجمهورية الفرنسية تعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء لا يمكن أن يندرج إلا في إطار السيادة المغربية . إن هذا الاعتراف الفرنسي قد مهد الطريق كذلك لكبح أطروحة الانفصال، ليس فقط بنمط دعائي أو سياسي، وإنما بالآليات القانونية التي تعتبرها المملكة المغربية هي السبيل الوحيد لحل هذا النزاع المفتعل من طرف الخصوم، فالإحاطة التي وجهها المبعوث الأممي إلى الصحراء ستيفان ديميستورا إلى مجلس الأمن، تضمنت مفاهيم جديدة من قبيل: – دحض محاولة تقسيم الصحراء بين المغرب والكيان الوهمي –مناقشة مضمون مقترح المغربي للحكم الذاتي – الزخم الدبلوماسي – السيادة المغربية – إطلاق خريطة جديدة نحو حل نهائي لنزاع الصحراء، فمسار التكريس القانوني لمغربية الصحراء أَضحى اليوم أكثر وضوحا وثباتا ، فالدول التابعة للمعسكر الأنجلوسكسوني والموالية لمحور الجزائر – جنوب إفريقيا، بدأت تعرف حقيقة الملف ومصداقية الطرح المغربي في التعامل معه، ومن أبرز الأمثلة على هذا التحول سحب جمهورية غانا الاعتراف بالبوليساريو واعتبارها أن مشروع مخطط الحكم الذاتي يعتبر الحل الوحيد لحل هذا النزاع تحت رعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن، نفس النهج سارت عليها كينيا، هذه الأخيرة التي اعتبر وزير خارجيتها أن الصحراء اليوم جزء أساسي من السيادة المغربية، وأن أي حل سياسي لا يمكنه أن يكون إلا وفق الحكم الذاتي المغربي .
وكما تولي المملكة المغربية اهتماما بالغا بالدفاع عن مصالحها السياسية على الصعيد الخارجي، فإنها لا تدخر جهدا في مناصرة القضية الفلسطينية، باعتبارها من أولويات سياستها الخارجية الثابتة، ووفقا لهذا التوجه أكد الملك محمد السادس، في الرسالة الموجهة إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الشعب الفلسطيني بتاريخ 26 نونبر 2024، التزام المغرب بالدفاع عن حقوق السلطة الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة وفق حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية .
وفي نفس النسق، جددت المؤسسة الملكية رفضها لكل المحاولات أحادية الجانب الداعية إلى تهجير سكان غزة من أراضيهم الشرعية، متسائلا عن المعايير الكونية والإنسانية التي تعتمد في التعامل مع المأساة الفلسطينية، في ظل الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي والقانون الإنساني.
وانسجاما مع روح « نداء القدس» الذي وقعه الملك محمد السادس مع البابا فرانسيس خلال زيارته للرباط سنة 2019، والذي يهدف إلى المحافظة والنهوض بالطابع الخاص للقدس كمدينة متعددة الأديان، والبعد الروحي والهوية الفريدة للمدينة المقدسة، أكد جلالته في خطابه الموجه إلى جامعة الدول العربية المنعقد ببغداد سنة 2024، على تنسيقه وتعاونه مع رئيس دولة فلسطين محمود عباس من أجل بذل كل المساعي الممكنة للحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي والحضاري للمدينة المقدسة.
(*) باحث في العلوم السياسية
الكاتب : طه العربي (*) - بتاريخ : 31/07/2025