بين جشع السوق وغياب الدعم… من يُنقذ الأسر من لهيب الدخول المدرسي؟

بقلم: نورالدين زوبدي
تعيش الأسر المغربية هذه الأيام ضغطًا متزايدًا بسبب التحضيرات للدخول المدرسي، في ظل ارتفاع مستمر لتكاليفه، ما يجعل هذا العبء يفوق حتى تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وتُسجَّل زيادات غير مبررة في أسعار الكتب والمستلزمات الدراسية، في ظل غياب مراقبة حقيقية للأسواق، واستمرار جشع بعض التجار، إضافة إلى كثرة المقررات التي تثقل كاهل التلميذ والأسرة معًا، سواء على مستوى التحصيل أو التنقل.
لهيب أسعار الكتب ومصاريف التسجيل واقتناء الملابس واللوازم المدرسية المختلفة، أصبح يشكّل الهاجس الأكبر للأسر المغربية خلال هذا الشهر. كثير من العائلات تجد نفسها عاجزة عن تغطية هذه المصاريف المتزايدة، ما يُحول الدخول المدرسي إلى مصدر ضغط نفسي ومادي كبير. وإذا كنا بالفعل نتبنى نموذج الدولة الاجتماعية، ونسعى لمحاربة الهدر المدرسي وتحسين أداء منظومتنا التعليمية، فإن أول خطوة يجب أن تبدأ من هنا: تخفيف الضغط المالي عن الأسر، ورفع هذا العبء الثقيل عنها. فكثير من التلاميذ المتفوقين، خاصة من أبناء الفئات الفقيرة، يُجبرون على مغادرة مقاعد الدراسة، فقط لأن أسرهم غير قادرة على توفير الحد الأدنى من مستلزمات التمدرس.
ومهما كانت نوايا الإصلاح لدى القائمين على المنظومة التعليمية، فإن أي جهود لن ترقى إلى مستوى تطلعات المواطنين ما لم يُعالج الجانب المادي للتمدرس، ويُجعل التعليم في متناول جميع الشرائح الاجتماعية. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال اعتماد سياسة دعم فعالة، تستهدف تخفيض أسعار الكتب والمستلزمات الدراسية، وتوفيرها مجانًا لأبناء الأسر ذات الدخل المحدود.
كما أن أسعار الكتب والمستلزمات يجب أن تخضع لمراقبة صارمة من طرف الدولة، لا أن تُترك للمضاربات والاحتكار، في ظل اتفاقات غير معلنة بين المنتجين والموزعين تستنزف جيوب المواطنين، وتدفع العديد من الأسر إلى الاقتراض أو التخلي عن بعض الضروريات لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الدراسة.
فأحد أهم ركائز الدولة الاجتماعية هو التعليم المجاني، الذي ينبغي أن يُتاح لجميع المواطنين دون استثناء. ولا يجب أن يشكّل العامل المادي حاجزًا يحول دون استمرار الأطفال في مسارهم الدراسي. وإذا كانت الحكومة ترفع شعار “مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص”، فإن من واجبها تفعيل هذا الشعار من خلال برمجة دعم حقيقي يُيسّر الدخول المدرسي، ويوفر كل متطلباته، بدل ترك الأسر فريسة لجشع السوق وغياب الرقابة.
ورغم المبادرات الملكية النبيلة التي تُجسّد حرص جلالة الملك على التخفيف من أعباء المواطنين، كما تجلّى ذلك في الإعفاء من أداء فريضة عيد الأضحى، يبقى السؤال مطروحًا: متى ستنخرط الحكومة بجدية إلى جانب الفئات الفقيرة؟ متى ستضع نصب أعينها واقع هذه الأسر المعيشي الصعب، وتُبادر إلى اتخاذ قرارات جريئة لتخفيف مصاعب الدخول المدرسي؟ فقد آن الأوان لتترجم الشعارات إلى أفعال، ولتجعل من التعليم حقًا مضمونًا لا امتيازًا مرهونًا بالقدرة الشرائية.
الكاتب : بقلم: نورالدين زوبدي - بتاريخ : 10/09/2025