تحصين برنامج الجيل الجديد للتنمية الترابية من الاستغلال السياسي رهين بإرساء آليات واضحة ومحكمة

نور الدين زوبدي
مباشرة بعد خطاب العرش، شرعت وزارة الداخلية في تفعيل التوجيهات الملكية، بدءًا بلقاء جمع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بأمناء الأحزاب السياسية بخصوص مدونة الانتخابات، حيث تم الاتفاق على تقديم مذكرات الأحزاب في أجل لا يتعدى شهرًا. وفي الشطر الثاني من التفعيل، وجّه الوزير مذكرة إلى الولاة والعمال تحثّهم على إعداد الجيل الجديد من برنامج للتنمية الترابية، والذي يُفترض أن يشمل محاور جوهرية مثل الشغل، التعليم، والصحة.
غير أن هذه الخطوة، رغم وجاهتها، لا تخلو من تحديات جوهرية، أبرزها خطر التسييس الذي حذر منه وزير الداخلية نفسه، مُوصيًا بأن يتم الإعداد لهذه البرامج بتنسيق مع الفاعل المحلي، في إشارة واضحة إلى رؤساء المجالس الإقليمية والجماعات الترابية.
لكن هذا التنسيق يطرح إشكالًا كبيرًا: فغالبيّة هذه المجالس تسيطر عليها أحزاب التحالف الحكومي الثلاثي، ما يعني إقصاء شبه كامل للمعارضة من بلورة هذه المشاريع، وتحويل البرامج من أوراش وطنية إلى أدوات للدعاية السياسية والانتخابية، خصوصًا ونحن على أبواب سنة انتخابية حاسمة.
من المهم جدًا أن يُطرح موضوع تنزيل الورش الملكي المتعلق بالجيل الجديد من برنامج للتنمية الترابية على طاولة التشاور مع أمناء الأحزاب السياسية أيضًا، تمامًا كما حدث مع مدونة الانتخابات. فنجاح هذا الورش لا يرتبط فقط بنجاعة مضامينه، بل كذلك بضمان الحياد المؤسساتي في تدبيره. إذ لا يمكن الحديث عن انتخابات نزيهة وشفافة في ظل غياب تكافؤ الفرص بين جميع الأحزاب، وهو ما يفرض إشراك الجميع – أغلبية ومعارضة – في بلورة هذا المشروع الوطني، حتى لا يتحوّل إلى أداة للتمييز السياسي أو الانتقائي في توزيع المشاريع والاستثمارات.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن نجاح هذا البرنامج وتحقيق الأهداف التي رسمها جلالة الملك في خطابه، يمرّ أساسًا عبر الوصول إلى المناطق المهمشة والمقصية من التنمية، والتي ظلت لسنوات خارج دائرة الاهتمام. فالرهان الحقيقي على تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية يجب أن يكون هو البوصلة التي تحدد أولويات الاختيار والتوطين، بعيدًا عن أي منطق انتخابي أو حزبي ضيق.
وفي هذا الإطار، يبقى تحديد المناطق المستفيدة من البرنامج على أساس معيار الإقصاء والتهميش هو النقطة الجوهرية في إعداد هذا الورش. وغالبًا ما تكون هذه المناطق واقعة تحت تسيير جماعات تُنسب إلى المعارضة، ما يفتح الباب أمام إمكانية لجوء بعض أحزاب التحالف الحكومي إلى محاولة استمالة منتخبي هذه الجماعات من خلال هذا البرنامج، وتحويله إلى وسيلة للضغط السياسي أو المقايضة، بدل أن يكون أداة لإنصاف التراب والساكنة على قدم المساواة.
ومن الممارسات التي تهدد مصداقية هذا الورش الوطني، سعي بعض المسؤولين السياسيين إلى استغلال استفادة مناطق معينة من البرنامج، والترويج لذلك باعتباره نتيجة لتدخلهم الشخصي أو الحزبي. هذا النوع من الخطاب يُحوّل البرنامج من مشروع تنموي موجه للجميع إلى رافعة انتخابية ظرفية، ما يستدعي التنبيه إلى خطورته. لذا، تبرز ضرورة وضع آليات رقابية فعالة لمنع أي محاولة لتسييس الورش أو توظيفه لأغراض انتخابية ضيقة، والحفاظ على طابعه المؤسساتي والوطني.
ومن بين المقترحات التي قد تساهم في الحد من هذا النوع من الاستغلال، التنصيص الصريح على أن مشاريع الجيل الجديد من برنامج للتنمية الترابية لا يمكن الترويج لها من قبل أي فاعل سياسي ضمن الإنجازات الشخصية أو الحزبية، أو استعمالها في الحملات الانتخابية، مع اعتبار أي تجاوز في هذا الإطار مخالفة انتخابية تستوجب المساءلة، وقد تصل عقوبتها إلى إسقاط الترشح أو المقعد الانتخابي، وفقًا للقوانين التنظيمية الجاري بها العمل.
الكاتب : نور الدين زوبدي - بتاريخ : 23/08/2025