تسريع تسوية الملفات الطبية للمتقاعدين!

اسماعيل الحلوتي

لا جدال في أن المتقاعد هو كل شخص موظف أو مأجور بلغ من العمر عقده السادس أو يزيد عنه بثلاث سنوات، بعد أن دخل حيز التنفيذ المخطط الجهنمي الذي جاء به صاحب أكبر معاش استثنائي، الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية عبد الإله بن كيران، أثناء رئاسته لأول حكومة عقب إقرار دستور 2011 وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، الذي ادعى حينها أن الإجراءات المتخذة أملتها ضرورة التعجيل بإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد المهدد بالإفلاس.
والإحالة على المعاش أو التقاعد حد السن، هي مرحلة تأتي بعد أن يكون الشخص الخاضع إلى أحكامها طبقا للقانون المعمول به، قد قضى عددا من السنوات أو حصل على مجموع من النقط تتفاوت بين العاملين في القطاعين العام والخاص، حسب سن الانخراط في العمل أو تاريخ التصريح به لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وهي مرحلة يكون فيها المتقاعد أحوج ما يكون إلى رعاية خاصة، حسن الإصغاء إلى مشاكله والعمل على دعمه نفسيا.
وبصرف النظر عما راكمه الشخص المتقاعد من سنوات أو نقط في مزاولة نشاطه المهني، سواء في سلك الوظيفة العمومية أو مؤسسات القطاع الخاص، وما يخلفه ذلك «الكدح» من آثار، فإن التقاعد بشكل عام ظاهرة اجتماعية معقدة، ولاسيما أن المتقاعد يفقد خلال هذه المرحلة من عمره الكثير من حيويته، جراء تداخل العديد من العوامل في ما بينها، مما ينعكس على حياته الشخصية والأسرية. إذ أن عدم تأقلمه مع وضعيته الجديدة التي لا يكون مستعدا لها بالشكل الكافي ولا تسبقها أي فترة انتقالية، يؤثر سلبا على مجرى حياته ويؤدي إلى الشعور بالقلق والعزلة الاجتماعية، ناهيكم عن الإحساس بالسأم والملل، في غياب أندية للتسلية والترفيه…
ولعل من بين ما يؤسف له حقا هو سيادة الاعتقاد الخاطئ لدى الكثيرين بمن فيهم المتقاعدون أنفسهم، بأن التقاعد يعني نهاية العمر وانتظار القبر. مما يدفع بالشخص المتقاعد إلى أن يصبح أكثر ميلا إلى العزلة، ويغدو صعب مزاج سيءوشديد الانزعاج من كل معاملة تبدو له مغايرة لما كان يحظى به سابقا من تقدير داخل البيت وخارجه. إذ يصير عنده تحمل مضاعفات المرض أهون بكثير من ذلك الشعور بالتهميش والإقصاء، فتتحول فترة التقاعد إلى جحيم لا يطاق، يريد التخلص منه سريعا، عوض أن يعتبرها بداية حياة جديدة مليئة بالسكينة والطمأنينة، تفسح له مجال الاستمتاع بأوقاته وممارسة كل ما كان العمل الرسمي يقف حائلا دون القيام به من قبيل النوم الحر والعميق، الأسفار وقتما شاء ومزاولة مختلف الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية بلا قيود…
ثم إنه بعيدا عما يتعرض له المتقاعد من جحود وعدم اعتراف بما قدمه من تضحيات جسام وجليل الخدمات خلال أزهى مراحل عمره في بناء الوطن، فإن ما يغيظه ويحز في نفسه ليس فقط استثناؤه من «الزيادات» في الأجور التي يستفيد منها غيره من الموظفين والعمال الذين مازالوا يزاولون مهامهم سواء في القطاع العام أو الخاص، وإنما كذلك فيما تعرفه تسوية ملفات المرض من بطء غريب وانتظار رهيب، بالنسبة للمنخرطين في «كنوبس» أي الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.
إذ فضلا عما يلقاه المتقاعد من استخفاف بمصالحه وتلكؤ في تلبية حاجياته، فإن ما يضاعف آلامه وأحزانه أنه لا يستفيد كذلك من الرعاية اللازمة لدى المؤسسات الصحية على مستوى الخدمات التي تقدمها له بعض المصحات التابعة للتعاضديات، من قبيل التعاضدية العامة لوزارة التربية الوطنية، ولا تلك المتعلقة ب»كنوبس»، بسبب سوء الخدمات وقلة التجهيزات والموارد البشرية وتنويع وتوسيع العرض الاستشفائي بكافة المدن، وغياب الحكامة الجيدة في دراسة ملفات المرض وتسريع وتيرة معالجتها، وإيلائها ما تستحقه من أهمية قصوى، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمتقاعدين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، بالإضافة إلى هزالة التعويضات غير المتناسبة مع حجم مصاريف مختلف الفحوصات والتحاليل الطبية والعلاجات الضرورية…
فآلاف المنخرطين اليوم طفح بهم الكيل، ويتذمرون مما تعرفه ملفاتهم المرضية من تماطل، حيث طالما يجدون أنفسهم تائهين في دوامة الانتظار المقرف، دون أن تبذل الإدارة المسؤولة مجهودا من أجل تجويد خدماتها وتبادر إلى التعجيل بتسوية جميع الملفات الطبية في آجال معقولة، وخاصة بالنسبة للمتقاعدين والمصابين بأمراض مزمنة، الذين كثيرا ما يتعذر عليهم تدبر مصاريف مواصلة العلاج، عوض الاختفاء خلف القانون 65.00، ثم أين نحن من القانون 12.109 المتعلق بمدونة التعاضد، الذي يعد من بين أهدافه ترسيخ الحكامة والمراقبة والمساءلة، والحرص على تجاوز نقائص بعض التعاضديات، وجعل القطاع التعاضدي يتميز بالشفافية وحسن التدبير، حماية لحقوق المنخرطين وذوي حقوقهم؟
إننا لسنا بحاجة هنا إلى إعادة التذكير بما تشكله فئة المتقاعدين من ثروة وطنية هامة، لما تتوفر عليه من كفاءات وخبرات مهنية، تستدعي الحرص على تحصين كرامتهم في إطار العرفان بالجميل والعدالة الاجتماعية، عبر فك الحصار عن معاشاتهم وإلغاء جميع فصول تجميدها وحذف الضريبة عنها، وإنما نريد التنبيه إلى ضرورة توفير جميع شروط العلاج المريح وتسريع تسوية ملفاتهم، ولم لا يتم العمل على أن تخصص لهم «ورقة العلاجات» تراعى من خلالها ظروفهم الصحية؟ فهل يسارع المسؤولون في مختلف القطاعات إلى وضع آليات من أجل حسن العناية بالمتقاعدين والاستثمار الجيد لقدراتهم؟

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 09/05/2024