تصفية مستمرة لرموز الحركة الاتحادية من جبال آيت باعمران إلى وادي الذهب والساقية الحمراء

محمد الوحداني

الجزء الثالث :
في القرن العشرين، تعطيل المقاربة الاتحادية في الجنوب المغربي، أورث الوطن جبهة البوليساريو !
فما هو الهدف في القرن الواحد و العشرين من تعطيل الحركة الاتحادية في الجنوب المغربي وأثناء بناء الحكم الذاتي؟!
1/ فبركة نخبة هجينة في إقليم سيدي إفني و الصحراء الغربية :
كل متتبعي الشأن العام السياسي و الانتخابي المغربي، يتذكرون جيدا تفاصيل اللعبة السياسية التي حيكت أواسط السبعينيات و أوائل الثمانينيات، حيث تمت فبركة حزب إداري جديد، كان هو حزب التجمع الوطني للأحرار، و كما هي العادة إلى يومنا هذا، يتم إعداد الخريطة الانتخابية كي ترسم وفقا ل “إرادة لوبي القوة المختار” لكن اختلافات حدثت داخل تحالف مربع الحاكمين ( بين مؤسس حزب الأحرار أحمد عصمان صهر الملك ! و بين أحمد الدليمي ورضا كديرة وإدريس البصري رجال المخزن و فاعلي المرحلة الأقوياء…) جعلت الصحراء المسترجعة ميدانا أيضا لصراع الموت الجديد، و أمست آيت باعمران ساحة ترجمت فيها تفاصيل هذا الصراع : حزب التجمع الوطني للأحرار، و الحزب الوطني الديمقراطي، و حزب أخر داخل مربع الحاكمين كان هو الحزب الدستوري برئاسة الاتحادي السابق المعطي بوعبيد .
شكلت هذه المرحلة في الإقليم كما باقي مناطق الوطن، مسلسلا مريعا لكسر عظام الحركة الاتحادية، ولكن الخطير في الأمر أن الإجهاز على آيت باعمران وحزب القوات الشعبية، كان من نتائجه منذ الأول في الصحراء عموما : فقدان الثقة في الدولة، فقد كانت ساكنة باقي مناطق الصحراء تلاحظ بترقب وانتباه، ما يقع في العاصمة التاريخية للصحراء ” مدينة سيدي إفني و محيطها القبلي ” من كساد عظيم وتهميش، وما يتعرض له مواطنوها من انتقامات و تهجير قسري، وما تعيشه نخبتها الاقتصادية من تفقير، و لكن أيضا ما تعرضت له نخبتها السياسية الاتحادية و زعماؤها من اعتقال و نفي و اغتيال…
كان ما يقوم به أوفقير و البصري و الدليمي ورضا كديرة، رسالة مشفرة لنخب قبائل الصحراء، كانت كلها رسائل سلبية واستفزازات، وتحريض على الانفصال، و رفع السقف السياسي …
كان بعض أولئك المقربين يعلمون جيدا أن قبائل آيت باعمران تقطن مناطق الصحراء المغربية، و أن أصولهم من تلك الثغور و منذ قرون سابقة، و أنهم كانوا و لا يزالون هناك، قبل دخول الحسانيين و إسبانيا إلى آيت باعمران و الصحراء أو بعد ذلك، كانت علاقة الباعمرانيين مستمرة دوما و إلى الآن، مع إقليم سيدي إفني، و ” إذا سقط المطر في سيدي إفني فأهل الصحراء يعدون مظلاتهم و في مقدمتهم الباعمرانيون ، كما أن علاقاتهم مع باقي القبائل الصحراوية مستمرة ودائمة بفعل روابط الدم والتاريخ والمصالح المشتركة ، إذن فمعلومات من قبيل ماقامت به الدولة في منطقة آيت باعمران، ستقوم به أيضا في باقي المناطق الصحراوية الأخرى ، و ما تعرضت له نخبتها وساكنتها و اقتصادها، سيكون هو مصيرهم هم كذلك ! و كانت الحكمة الرائجة آنذاك : انتبهوا ما إن ينتهي مشكل التنازع الدولي، حتى يكون مصيركم نفس مصير النخب السياسية والاقتصادية المحلية لآيت باعمران…
2/ الإجهاز على الحركة الاتحادية في صحراء الجنوب المغربي عبد الطريق لتأسيس جبهة البوليساريو !
إذا كانت النخبة السياسية اتحادية بامتياز بإقليم سيدي إفني، و كانت في نفس الوقت مؤهلة، وذات مصداقية، ولها امتدادات وطنية في الصحراء الغربية، و باقي جهات الوطن ،وعلاقات وانتماءات قوية سواء داخل حزب القوات الشعبية، وعبر شبكة علاقاتها الدولية، و هذا ما كان يساهم بقوة في الحفاظ على الروح الوطنية من جهة، و من جهة أخرى طمأنة ساكنة المنطقة على مستقبلها…
إن أي قراءة بسيطة لما وقع في تاريخ المغرب أثناء النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديدا بعد فشل محاولات القصر ( محمد الخامس والحسن الثاني ) لبناء تجربة تنموية مغربية، بتنسيق مع الحركة الوطنية، وفي مقدمتها الحركة الاتحادية، وبعد فشل المحاولات الانقلابية العسكرية المتوالية ( عبابو المذبوح أوفقير الدليمي ) كانت المعادلة المتبقية و التي تهدد وبقوة، وكما قال عنها يوما المرحوم الحسن الثاني : أنه إذا خسر معركة الصحراء سيتنازل عن العرش ! و بعد أن عمل التيار الثالث على إفشال مشروع ثورة الملك والشعب ( السياسية ) و ( التنموية ) و ( الديمقراطية ) جاء الدور الآن على إفشال مشروع الوحدة الترابية ( الأرض ) .
و كان لتعطيل المقاربة الاتحادية في قضية الصحراء المغربية، دور خطير في تأجيل الديمقراطية و بناء التنمية في المغرب من جهة. و كان لتعطيل آلية اشتغال الحركة الاتحادية في الجنوب المغربي من جانب آخر دور سلبي في استقطاب النخب الصحراوية حاملة المشروع السياسي الذي تطور في ما بعد إلى مشروع بناء دولة في الصحراء….
ومراجعتنا لتطورات رؤية ” جبهة تحرير وادي الذهب والساقية الحمراء” للقضية تسلط الضوء بقوة على حقيقة الأمر :
في بادئ الأمر كانت الرؤية مؤسسة على :
1 – التنسيق مع الدولة المغربية لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، باعتبار أن المنطقة مغربية.
ثم بعد أن قطع الطابور الخامس لعملاء الاستعمار في المغرب ( التيار الثالث ) طريق تواصل مؤسسي جبهة تحرير وادي الذهب والساقية مع المرحوم الحسن الثاني، تم دفعهم إلى تبني رأي:
2- تأسيس بؤرة ثورية في الجنوب المغربي لإسقاط النظام الملكي، بتنسيق مع المعسكر الشرقي و الجزائر…..الخ .
ثم تبلور رأي وخط آخر نادى
3 – بتحرير الصحراء الغربية من الاستعمار المغربي ، وتأسيس دولة مستقلة، و تدويل الأزمة الترابية من خلال الاستمرار في مناقشة الملف في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بالأمم المتحدة، الملف السابق المعروف بملف إفني و الصحراء الغربية! وهنا نفهم جيدا مؤامرة فصل ملف إفني عن الصحراء، بحكم أن الباعمرانيين و الحركة الاتحادية كمؤطر سياسي و إيديولوجي كان ضد فصل الصحراء عن المغرب من جهة، و من جهة أخرى يجب البحث عن إمكانيات تقبل هذا الفصل ، فكانت تجربة حزب البونس الصحراوي لتأسيس دولة، و التي تزعمها خليهن ولد الرشيد، لكن فشلت أيضا هذا المحاولة، و عاد أهل الرشيد إلى الخط الوحدوي… ليستمر البحث عن بديل ما، و حينما فشل عملاء التيار الثالث وسادتهم الخارجيون، في هذه المحاولات، تم دفع مجموعة الشهيد مصطفى الوالي السيد إلى ذلك دفعا، و نجحت المهمة !
خلاصة هذا التاريخ المختصر، لظهور جبهة البوليساريو، ورصد مستوى نخب المنطقة من آيت باعمران، ووصولا إلى وادي الذهب، مرورا ببلاد التكنة والساقية الحمراء، هو طرح أسئلة :
– ما الهدف من تعطيل استمرار اشتغال الحركة الاتحادية في الجنوب المغربي؟
– هل يعقل أن النخب المثقفة و الوازنة وذات العمق الشعبي والقبلي في الجنوب المغربي ( سي حماد زكرياء السكال،سي عمر الساحلي المتوكل، سي بنسعيد آيت ايدر ، الشهيد سي حماد الدرهم، الشهيد ذ مصطفى الوالي السيد، عمر الحضرمي، د بيد الله الشيخ، الرئيس محمد عبد العزيز….و آخرون ) أن تنخرط في حزب إداري لا أساس نظري له، و أن تلجأ إلى تجمعات انتخابية واهية وواهنة، وتقبل بقيادات الوبر والبقر، والأميين وخونة عملاء سابقين للاستعمار… الحركة الاتحادية والوطنية كانت هي الأقرب لهم بل جلهم كانوا منخرطين ومناضلين في تياراتها…
إن الإجهاز على الحركة الاتحادية،كان تعطيلا لآلية استقطاب النخب الحقيقية في الصحراء، و إلى يومنا هذا !
و إن من يقنع جهة ما داخل الدولة، بأن المراهنة على الفاعلين القبليين لوحدهم، واستقطاب الفاعليات الاقتصادية والتجارية فقط،هما الحل، يشرع الطريق – لا غير- لمن يستفيد من اقتصاد الريع، و يعبد الطريق للفساد المالي، ويساهم في تربية الأجيال الحالية والمتوالية، على ثقافة شراء الولاء، و بيع الذمة… لمن يدفع أكثر في الداخل و الخارج .
* عودة إلى افني أواخر السبعينيات والثمانينيات النموذج المصغر لما يقع في الصحراء :
إن الاستقدام الفاشل لفاعلين آخرين، من فروع أحزاب خلقت على المقاس ( التجمع الوطني للأحرار،و الحزب الوطني الديمقراطي، و الاتحاد الدستوري ) لملء الفراغ الذي تم التأسيس له، من خلال اعتقال، واغتيال، وفبركة محاكمات المناضلين، ومحاصرة الحركة الاتحادية بمنطقة إفني_آيت باعمران، سواء في حاضرة المنطقة، أو باديتها ( مستي و ميراللفت و تيوغزة و آيت عبلا و آيت الخمس واصبويا ) ؛ كان كل هذا عنوان مرحلة قاتمة انهار فيها كل شيء من جبال إفني إلى وادي الساقية الحمراء، كان لهذا البديل الدخيل، نتائج وخيمة على القضية الترابية وعلى المنطقة كذلك .
وترجمت إرادة إدريس البصري ومن معه على الخريطة الانتخابية بقوة، وزورت انتخابات 1983 لصالح حزب الاتحاد الدستوري في عموم جماعات إقليم إفني و على رأسها بلدية سيدي إفني، الساكنة لم تصوت نهائيا على هذا الحزب …
إن ذاكرة المواطنين، وشهادات رؤساء مكاتب التصويت، تحفظ لنا كيف تم استقبالهم من طرف باشا ورئيس دائرة سيدي افني وبتعليمات من عامل إقليم تزنيت وأعطيت لهم النتائج مسبقا !
فمرت الولاية الانتخابية لأواخر السبعينيات والثمانينيات في الإقليم، ونتيجة تزوير إرادة الساكنة عام 1983، وسرقة نتائج انتخابات 1976 و 1977 ، و تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الناتجة عن خيارات حكومية تخدم أجندة التيار الثالث في المغرب عموما والجنوب خاصة ؛ مرت المرحلة في صراعات لا تنتهي، و تراجع مهول على جميع الأصعدة، في ظل حصار كلي مضروب على الجميع .
3 / العودة القوية للحركة الاتحادية في الجنوب المغربي :
سجلت مرحلة بداية التسعينيات عودة ملحمية للحركة الاتحادية و بشكل قوي، استطاعت فيها جماهير الشعب أن تنصب في بلدية سيدي إفني، و في جماعات قروية، و على مقعد البرلمان اتحاديين و لولايتين…
و كذلك كان الأمر مع العشرية الأولى والثانية للقرن الواحد والعشرين، في الجهات الجنوبية الصحراوية الثلاث، برلمانا ومجالس ترابية وغرفا، لكن هذا الاكتساح الاتحادي وهذه العودة، صادفا مقترح الحكم الذاتي، وكان من الطبيعي أن تتحرك مرة أخرى أطماع حفدة التيار الثالث وتلامذتهم، فبدأت( و ما زالت) مرة أخرى تلك المحاولات البئيسة وغير القانونية و غير الوطنية، من أجل الركوب على القوة الانتخابية الاتحادية في الجنوب المغربي، وعلى رمحها السياسي قبائل آيت باعمران، التي تستطيع دوما ولأسباب تاريخية أن تلعب دور منسق أعمال تحالفات العمل السياسي والانتخابي بالجنوب المغربي، وكما قلنا سابقا قوة آيت باعمران أنها ليست قبيلة، بل تحالفا قبليا، حيث نجد أن أصول هذه القبائل تعود إلى مختلف مناطق الصحراء موئل هجرتها الأولى ( آيت اوسى ،الركيبات أولاد بن السبع، آيت لحسن ، أولاد الدليم، إزرقيين، العروصيين، آيت النص، أولاد بوعشرة، تيدرارين، سملالة، مجاط….الخ ) و على العموم تظل آيت باعمران رقما مستحيل التجاوز في المعادلات السياسية، فهي التجمع البشري الذي تحالفت فيه التشكيلات الأربع لمكونات قبائل الصحراء الغربية :
1 – قبائل الرقيبات بشقيها رقيبات الساحل و رقيبات الشرق
2 – قبائل تكنة بقسميها الأمازيغي و العربي .
3 – قبائل مفردة
4 – القبائل ذات الأصل الأفريقي.
هذا التكوين الإثني المنسجم ، وهذه ” الإنسيابية الاندماجية التي تسم التشكيلة البشرية الباعمرانية ” سهل باستمرارعلى الباعمرانيين التحالف،أو بناء التحالفات، لكنه أيضا جعلهم في مرمى تاريخ اللعب السياسي والانتخابي والعسكري عبر القرون، وخصوصا فيما يتعلق بالصحراء الغربية، أضف إلى ذلك أن تاريخهم الوطني، و ارتباطهم بالمغرب أرضا و دولا قائمة، جعلهم أحيانا كثيرة يدفعون ثمن الحسابات السياسية وطنيا و دوليا…
هذا ما جعلهم أيضا ومنذ سنوات، وأكثر هذه الأيام الأخيرة في مرمى الوافدين الجدد…
من خلال :
– دفع حسن الدرهم الاتحادي إلى الاستقالة في الولاية الانتخابية السابقة، من رئاسة بلدية العيون/ المرسى ! عاصمة جهة العيون السمارة .
عزل و اعتقال محمد الوحداني إبن الحركة الاتحادية من رئاسة بلدية سيدي إفني عاصمة قبائل ايت باعمران، في الولاية الإنتخابية السابقة .
– توقيع قرارعزل عبد الوهاب بلفقيه الاتحادي، رئيس بلدية كلميم عاصمة جهة كلميم واد نون في الولاية الانتخابية السابقة، والتراجع عن ذلك …
– عزل محمد بلفقيه الاتحادي من البرلمان في الولاية الانتخابية الحالية .
– شهر ديسمبر 2020 تم تحريك ملف متابعة عبد الوهاب بلفقيه الاتحادي قبيل انتخابات 2021، ونقل ملف متابعته من نفوذ محكمة الاستئناف بأكادير إلى الرباط !!!
– تم شهر ديسمبر 2020 تحريك ملف متابعة حسن الدرهم، بملف يعود إلى 2010 أثناء رئاسته لبلدية العيون/ المرسى بإسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…..

الكاتب : محمد الوحداني - بتاريخ : 13/01/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *