تلك الزاوية ليست وردية

فاتحة شعنافي
لم أجد عنوانا لهذه المقالة، أبلغ من هذه العبارة، للتعبير عن ما يُروج له بخصوص الحافلات الوردية المزمع تخصيصها للنساء في أوقات الذروة، في مدينة الرباط كتجربة أولى، على أمل تعميمها مستقبلا في باقي المدن المغربية، لغاية الحد من ظاهرة العنف الذي تتعرض له المرأة بكل أنواعه، سواء كان جسديا، أو جنسيا، أو لفظيا، أو نفسيا، على الأقل في هذا الفضاء المتحرك الذي هو الحافلة على غرار التجربة الهندية.
أيها السادة، يا من اقترح الفكرة أو حبذها، هل نسيتم أم تناسيتم أن المرأة يطالها العنف حتى في الأماكن الخاصة. فكم من زوج عنف زوجته داخل بيت الزوجية. وكم من أخ عنف أخته في بيت الأسرة. وكم من زميل عنف زميلته في مكان العمل. وكم من تلميذ عنف أستاذته داخل المؤسسة التعليمية. وكم من «كمٍ» تقودنا إلى كم من «هل». أولها: هل نعزل الزوج عن الزوجة ؟ هل نعزل الإخوة الذكور عن الأخوات الإناث؟ هل نعزل العمال عن العاملات؟ والموظفين عن الموظفات، والتلاميذ عن التلميذات؟ ونخصص سوق للرجال وآخر للنساء، كحل للتخلص أو الحد من الظاهرة؟
أيها السادة. إن عزل الرجال عن النساء لن يكون، لا بداية الحد من هذه الظاهرة، ولا مسلكا يقودنا إلى القضاء عليها. ومن يعتقد ويؤمن بهذه المقاربة، يكون كمن يسعى إلى القضاء على البعوض دون أن يقوم بتجفيف المستنقع الذي منه يتغذى ويتكاثر ويتقوى. كما عليه أن يعلم أن ظاهرة تعنيف النساء قديما وحديثا لها أكثر من مصدر. وأول هذه المصادر وسائل التنشئة، التي تساهم في تكوين الفرد، وتغرس فيه قيم الاختلاط بين الجنسين في كل مناحي الحياة، للعب جميع الأدوار الاجتماعية المختلفة. وأهم هذه القيم هي الاحترام، والتقدير المتبادل بين الطرفين. إلا أن الموروث الثقافي الأدبي العربي، الذي يشكل أحد أهم هذه الوسائل، يزخر بالعديد من العبارات الشعرية و النثرية التي لا تدفع في اتجاه احترام المرأة، بل في اتجاه الإساءة إليها، والتحريض على تعنيفها بشكل من الأشكال، على أساس نوع الجنس كما تبين الأمثلة التالية:
فما تدوم على حال تكون بها كما تتلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالوعد الذي وعدت إلا كما تمسك الماء الغرابيل (الشاعر كعب بن زهير)
إذا غدرت حسناء وفت بعهدها فمن عهدها أن لا يدوم لها عهد (المتنبي)
الا أن النساء حبال غيّ بهن يضيع الشرف التليذ (أبو العلاء)
ثق بالنساء فإذا وثقت فلا تثق فحياكهن على الزمان هباء
فعيونهن إذا أخذن توارك وقلوبهن إذا هوين هواء (أحمد شوقي)
«النساء حبائل الشيطان.» و»اعص النساء وهواك واصنع ما شئت» (الجاحظ)
«ما أيس الشيطان من إنسان، إلا وأتاه من قبل النساء». (الغزالي)
«ابتسامة المرأة لفظ مشترك يحتمل جميع المعاني من الحب القاتل إلى البغض العميق» (لطفي المنفلوطي)
«الدموع في عيني المرأة كالسم في ناب الثعبان، فالمرأة تخدر عشيقها بالدمع، والثعبان يخدر فريسته بالسم» (زكي مبارك)
تشكل هذه الأمثلة غيض من فيض. ومما يؤسف له، أن العديد منها مازال يروج له داخل وخارج الجامعات المغربية، وفي المحافل العلمية، كلما كان السياق مناسبا أو غير مناسب، وكلما كانت المرأة محور الحديث، متجاهلين تأثيرها السلبي على نظرة النشء الجديد اتجاه المرأة. تلك النظرة التي تربي فيه استصغارها وتحقيرها، وأحيانا كراهيتها. وهذه النظرة هي التي تنعكس على علاقة الرجل بالمرأة في كل مناحي الحياة الاجتماعية. هذه هي الزاوية التي يجب أن لا ننظر منها إلى المرأة. هذه هي الزاوية التي ينبغي اصطباغها باللون الأسود، وحجبها من تراثنا الأدبي، تفاديا للحافلات الوردية، التي لن تزيد واقع الحال إلا قتامة وسوداوية.
أيها السادة، إن اقتراح الحافلات الوردية، إذا ما تم إجراؤه، لا يحد من الظاهرة، بل يشيع بشكل فج، التفريق بين الجنسين، ما لا يتماشى مع مبدأ المساواة الذي نسعى جميعا إلى تحقيقه في ظل مجتمع حداثي، من ركائزه احترام بعضنا البعض في كل الأماكن العمومية والخاصة، من ناحية. ومن ناحية أخرى، سيسيء كثيرا إلى الرجل المغربي، لأنه سيكون بمثابة مؤشر يؤشر على عدم بلوغه النضج الفكري والحضاري الذي بموجبه يحترم المرأة أينما كانت، وكيفما كان الفضاء الذي يجمعه بها. إضافة إلى أنه طرح يختزل المرأة في كيان ضعيف يمكن الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال، متى وجدت إلى جانب أي كيان أقوى منها جسديا. ثم لا ننسى أنه يمكن أن يضر حميمية الرفقة بين الجنسين خارج البيت بكل أنواعها، سواء كانت بين الزوج والزوجة، أو بين الرفيق والرفيقة، أو بين الأب والابنة، أو بين الأخ والأخت. تصوروا أخا مريضا تستدعي حالته أن تصاحبه أخته إلى المستشفى اضطرارا، هل يركب هو حافلة، وتركب الأخت الحافلة الوردية، تفاديا للمس بشرفها في حافلة الرجال التي يركبها أخوها ؟ لا أعتقد أيها السادة، أن الحافلات الوردية هي الحل، بل الحل هو تربية النشء عبر وسائل التنشئة، على احترام المرأة أينما حلت وارتحلت، ومتى تواجدت جنبا إلى جنب الرجل، سواء في الأماكن العمومية أو الخاصة.
الكاتب : فاتحة شعنافي - بتاريخ : 26/01/2018