تلوينات السترات الصفراء في فرنسا

الدكتور الحسن بنطسيل
تشهد مختلف أنحاء فرنسا منذ منتصف شهر نوفمبر ٢٠١٨ مظاهرات (سبتية) ، كل يوم سبت للتعبيرعن استياء يعبر عنه ما أصبح متعارف عليه بأصحاب السُّترات الصفراء من حيف ضريبي يشمل أسعار البترول وغلاء المعيشة ، مع بروز
ظاهرة العمال الفقراء الذين يشغلون مناصب شغل لكن الرواتب التي يحصلون عليه لا تكفي حاجياتهم. كما أن المظاهرات بشعاراتها أظهرت شروخا بين البوادي والحواضرفي جمهورية فرنسية شغوفة بتحقيق العدالة الإجتماعية لمواطنيها والتي تتحقق بالدرجة الأولى في تعليم ملتزم بضمان تكافؤ الفرص لكل أبناء الجمهورية
ويتمثل شغف المواطنين الفرنسيين بالتنديد بهذا الحيف الإجتماعي حيث أثبتت آخر إستطلاعات الرأي أن أكثر من ٦٦٪ من المواطنين الفرنسيين يساندون أصحاب السُّترات الصفراء في مظاهرتهم «السبتية» حتى وإن أخذت بعض المظاهر العنيفة/المؤلمة تبدو الإحصائيات الرسمية ثقيلة : حوالي عشرة قتلى ، وأكثر من ألفي جريح بينهم جرحى بُترت أذرعهم بسبب القنابل المسيلة للدموع المستعملة من طرف قوى الأمن المتنقل لحماية الممتلكات الخاصة وحماية كل ما يرمز للدولة الرسمية من وزارات وإدارات وبلديات …إلخ. وحتى قوات الأمن لم تسلم من تبعات هذا الحراك المتجذر في المجتمع الفرنسي. والذي على ما يبدو ليس بظاهرة لا عبارة أو حتى طبقية او فئوية ، حيث تأخذ تلوينات متعددة الأشكال ومختلفة التعابير حيث إنتشرتظاهرة الإنتحار في صفوف قوات الأمن حيث تشهد بداية سنة ٢٠١٩؛ انتحاريا ٤٨ ساعة في صفوف رجال الأمن في مناطق مختلفة من فرنسا.
لكن الطريف والملفت للإنتباه في آن واحد هو أن المظاهرات «السبتية» منهما يقارب الشهرين مصحوبة بماظاهرات «تدور رحاها» على مفترق الطرق رامبوان عند مدخل بعض المدن الفرنسية. يتسائل سائل عن ما علاقة الرمبوان بالتظاهر للتنديد بغلاء المعيشة وثقل الضرائب المباشرة على كاهل المواطن الفرنسي ؟ يقول المثل العربي « الأماكن بأهلها «. لكن السؤال الملفت لماذا اختارت السُّترات الصفراء مفترق الطرق للتعريف بقضاياها يوميا وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة ، نساء ورجال ، شباب ومتقاعدين يستحملون التقلبات الجوية ، خصوصا مع حلول فصل الشتاء وقساوة الطقس. شخصيا، سبق لي أن توقفت عند أحد هذه «الرمبوانات» ووقفت على مخيم «كشفي» يشبه خلية نحل كل مكون من مكوناتها يعرف حق المعرفة المأمورية المنوطة به ، هؤلاء ينظمون السير في «الرمبوان» للتعريف بمطالبهم وحشد أكبر عدد من المتعاطفين وتعبئة أكبر عدد ممكن من المواطنين ، وهؤلاء يهيؤون الأكل والقهوة ، وآخرون متحلقون يناقشون آخر الأخبار.
مفترق الطرق لم يعُد ذلك المكان لتنظيم السير وتسهيل سيولةالسير، بل أضحى تضمن رؤيا أكثر نصاعة لظاهرة السُّترات الصفراء ، وكأني به منصة تُسمـعُ صوت من لا صوت له.
لكن هذه التلوينات التعبيرية داخل مجتمع فرنسي يبغي عدالة اجتماعية، تطرح إشكالا جوهريا على الفاعلين السياسيين؛ مادورهم وما هي مسؤوليتهم ؟ فالسترات الصفراء تبدو وكأنها تجاوزت الهيئات السياسية من نقابات وجمعيات ومنتخبين ، التي كان من المفروض أن تكون صلة وصل بين المواطنين وأصحاب القرار السياسي وخصوصا الهيئات التنفيذية وهذا نقاش آخر سيكون موضوع ورقة أخرى
الكاتب : الدكتور الحسن بنطسيل - بتاريخ : 01/02/2019