حماية الديموقراطية حماية للوطن ..

مصطفى المتوكل الساحلي

من مميزات وخصال الشعب المغربي تاريخيا يقظته وتجنده وتجند كل مكوناته من أجل حماية الوطن والذود عنه برا وبحرا وجوا وموارد وثروات بجيوش من الأبطال الأشاوس في كل الواجهات المدنية والعسكرية والأمنية والاستعلاماتية والإعلامية والشعبية ، لإفشال ودحر ومواجهة أي تهديد واستفزاز خارجي استقصادي وخبيث بسبب أفعال وسياسات حكام متهورين منهم من رحل ومنهم من ورث تركة الحقد البغيض والتآمر وبئس الإرث ، كما أن من أعظم الخصوصيات العامة عند شعبنا التسامح والتعايش وكرم الضيافة واحترام معتقدات من يعيش بالوطن وبكل دول العالم والسعي الحثيث لمد جسور التعاون والتواصل والتكامل مع الآخرين ، ويندرج مع هذا خصلة الواقعية والحكامة والتعقل والرصانة مما يجنب أي انزلاقات في الخطاب والكلام أو الاحتكاك قد تجد هواها عند كل من يكن العداء لوطننا وشعبنا أو يبحث عن تبرير قول أو القيام ب”أعمال ” كلها حماقات تغلب عليها طباع جهالة وجاهلية الأقوام البدائية ، هذه الحكمة تعطي قيمة مضافة لمصداقية حقوقنا وأعمالنا ونضالنا الوطني وخطواتنا الساعية بإصرار لبناء الدولة الديموقراطية والنهضة الشاملة لما فيه قوة الدولة وازدهار الشعب ..
إننا بالفعل خرجنا من الجهاد الأصغر الذي خضناه ضد الاستعمارين الفرنسي والاسباني ومن يؤازر سياسات التبعية العمياء داخل الوطن وخارجه إلى الجهاد الأكبر الذي يتطلب إتمام تحرير كل الأراضي المغربية دون استثناء وسعينا التاريخي بموازاة مع ذلك لتوحيد دول شمال إفريقيا لإتمام لمة الأخوة والقرابة والتاريخ المشترك بين شعوب هذه المنطقة ، مع العمل بموازاة مع ذلك من أجل بناء مشترك متكامل بين أوروبا وشمال إفريقيا بما يجعلهم شركاء في المعرفة والبحث العلمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لما فيه مصلحة شعوب ودول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط …
ومن الوفاء لحماية الوطن من كل تهديد خارجي حماية الديموقراطية التي هي تاج عملي ميداني يزين ويثمن عمل الشعب وقواه الحية ويكسب الدولة ومؤسساتها مصداقية لاتقبل الهمز ولا اللمز من كل يتربص بنا ويتحين أية فرصة للهجوم أو التلويح به على وطننا أو لبسط إملاءاته وفرض مطامعه وطموحاته الهيمنية باستقوائه خلف جدران مهترئة لثكنة عسكرية تحيط بوطن ما ترهن شعبها وإراداته وثرواته او فبركة ثكنة على رقعة أرضيه مجهرية هي نفسها نظريا يحتاج المحتجزون فيها إلى إجراء استفتاء عودتهم والأرض إلى الوطن المغربي أو أن يصبحوا جزءا من دولة الحكام الجائرين ….
إن الديموقراطية تتعرض حدودها المتعارف عليها توصيفيا وحقوقيا لاختراقات وتسللات من الذين يوظفون “الدين” أو “المال” أو باستغلال السلطة أو كل ذلك للتحكم في أهم مفاصل المؤسسات المنتخبة والتشريعية ومنها للتنفيذية ومنهم من يمني النفس لبسط تسلطهم على الدولة ، هذا السلوك السياسوي المصالحي غير السوي يضعف آليات الترافع الفعالة والايجابية ويجعل فضاءات تلك المؤسسات لاتعكس صدى أصوات الشعب ومطالبه وانتظاراته عمالا وفلاحين وتجار وصناع وموظفين وطلبة ومعطلين – ذكورا وإناثا – الذين أغلبيتهم الساحقة يعانون الأمرين من أجل ضمان لقمة عيش متواضعة ، ويتصارعون مع هشاشة موجعة من أجل حقهم في تعليم أبنائهم وعلاجهم وضمان مستقبل أفضل لهم ، كما أن قدرات العديد منهم تتعطل بسبب الجفاف أوإغلاق المعامل وتقنين يضعف دور الدولة في التشغيل للنهوض بالمؤسسات العمومية وتقويتها باعتبارها العمود الفقري للسير العادي لامور الشعب والدولة ، وانضاف للهشاشة الأوبئة كما هو الحال مع جائحة كوفيد وآثارها ونتائجها وانعكاساتها السلبية المباشرة وغير المباشرة .. إن من المتطفلين عللا السياسة والشؤون العامة من يستغلون المؤسسات لقضاء مآربهم والتنفيس عن همومهم وتحسين أوضاعهم كما عبر عن ذلك بكل وقاحة واحد منهم وهو في موقع حساس بالمسؤولية الذي لم ير فيه ذلك أي باس – مافيها باس اللي بغا ايدير لاباس – ، وهذه من الشعبويات المقيتة التي تغلط وتضلل العامة وتسعى لاستقطاب بعض النخب الطامحة والترقي الطبقي الوهمي ولم لا الاغتناء غير المشروع و…
إن أخطر خصوم الوطن والشعب والدولة هم من يسعون من أجل جعل الناس مجرد آليات ليوم التصويت لكسب مقاعد ، ولا يعنيهم التسبب في تراجع منسوب الوعي السياسي ببعده الوطني والعقلاني والمستقبلي ، ويحرضون بذلك على العزوف وعدم المشاركة في الاستحقاقات ،، ويفتحون الأبواب بسلوكاتهم اللامسؤولة التي تستفز الناس بقرارات وسياسات توسع دائرة الفقر وترفع من نسبة مؤشرات الأزمة يتضرر منها بصفة أكبر شباب وشابات الوطن أي أجيال مغرب اليوم والغد مما يفسد الأجواء ويشرعن الاحتجاجات التي تعتبر حقوقيا وإنسانيا سلوكا حضاريا يثير انتباه المسؤولين لتصحيح اختلالاتهم التدبيرية للشؤون العامة والشعبية ، وقد ينجم عن هذا أحيانا مواجهات تزيد الأوضاع احتقانا وتشنجا ، وصدقت مقولة : “كاد الفقر أن يكون كفرا ” الموافقة لما كان يَقُولُه الرسول الكريم : “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ”. هذا في علاقة بخالق الكون ، فكيف يكون التوصيف قياسا على ذلك مع مدبري السياسات الحكومية العمومية ..؟
إن رفع منسوب ثقة وأمل الشعب يجب أن يرقى إلى مستوى درجة التعبئة لحماية الوطن وحدوده ، وفي الطريق لتحقيق ذلك وضع الإنسان منافذ يتنفس من خلالها روائح الفرج وارتفاع الكرب :
– المتنفس الأول روحي يتوجه فيه بالدعاء والابتهال إلى الله أن يرفع عنه الفقر والهم والغم ، وأن يجازى بصبره بعد موته بالجنة كما وعد الله ، كما يرفع أكف الضراعة مشتكيا من كل من ظلمه وانتهك حرماته وتسبب في تشريده وتفقيره و ..
– المتنفس الثاني يمني النفس بتحقق البناء الديموقراطي السليم المنتج للعدالة الاقتصادية والاجتماعية والكرامة على يد المؤسسات الحكومية والمنتخبة للعمل لوضع حد لكل أسباب الأزمة والتأزيم بإنجاز التنمية الشاملة المحققة لشروط العيش الكريم المواكب لمتطلبات وحاجات العصر ..
إن وطننا اليوم في حاجة لكل أبنائه ، وإلى التصالح الشامل وطي كل صفحات التوثر والاحتقان ، والانفتاح على الشعب بحكمة إنسانية وحقوقية ، فكما تجندت دولتنا من أجل محاربة “كوفيد 19 ” وجعلت التلقيح مجانيا لحماية المواطنين والمواطنات لحمايتهم وتمنيعهم صحيا ، فكذلك مطلوب منها ومن كل القوى الحية السياسية والاقتصادية والمثقفة .. إلخ التجند لمحاربة الفقر والهشاشة والبطالة والاختلالات المجالية بوتيرة هندسية تتدارك التأخر والتعطل الموجود في مجالات وقطاعات ومؤسسات ومسارات مهمة في التنمية ، وجعل كل الخدمات الاجتماعية والإنسانية والصحية والتعليمية عمومية مجانية باعتماد تشريعات مرنة سهلة التطبيق لابيروقراطية فيها ولا انتظارية ولا دفع أو شروط مسبقة .
أمامنا كدولة وشعب أزمنة الاستحقاقات الدستورية التي تتشكل بعدها مؤسسات تدبر الجماعات الترابية والمؤسسات التشريعية والتنفيذية -استحقاقات – يجب أن تكون عرسا شعبيا حماسيا للمزيد من المشاركة وحسن الاختيار والتقييم بعيدا عن الأجواء المقيتة التي تؤطرها “ثقافة ” أسواق النخاسة والمقايضات السياسوية المعطلة لحرية الأفراد التي تسعى لجعل الناس أقل تصنيفا وتموقعا من “الخماسة ” في الحملات الانتخابية وجعلهم أثناء ذلك وبعده ضحايا للاستغلال و لسوء التدبير والتسيير ..
إن من حماية وتحصين الوطن حماية وتقوية الديموقراطية ، وتحصين وتمنيع الجبهة الداخلية ، وتثمين الحق في الاختلاف والنقد البناء ، وعقلنة وترشيد الحريات ، والرقي الحضاري بالتنمية الشاملة التي لاتترك فقرا ولاهشاشة ولا تهميشا إلا وأزالته .. وكفى تبديدا وهدرا لثروة الزمن ولمنسوب الثقة ولكل ما يعطل اكتساب الريادة التي تستحقها بلادنا كقوة اقتصادية ومعرفية عظمى عالميا فالاستحقاقات الانتخابية ليست فرصا للتسلق الطفيلي .. إنها محطات لتجديد وتكريس كل مقومات ومرتكزات الدولة الوطنية العادلة الديموقراطية المتقدمة …

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 22/02/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *