حول برنامج مواطن اليوم في موضوع «الحوار الاجتماعي»
عبد الرحيم الرماح
على إثر مشاركتي في برنامج مواطن اليوم حلقة الاثنين 4 ماي 2017 ممثلا للفيدرالية الديمقراطية للشغل في حلقة حول موضوع الحوار الاجتماعي إلى جانب السيدة سليمة عضمي مديرة الشغل بوزارة الشغل والإدماج المهني نيابة عن السيد الوزير والسيد هشام زوانات رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالاتحاد العام لمقولات المغرب والسيد محمد حيتوم عضو الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل والتي قام بتنشيطها السيد محمد بورويص ونظرا لضيق الوقت واتساع الموضوع ولكوني لم أتمكن من إدلاء بكل ما كنت أريد التطرق إليه أعود إلى هنا للتعبير في مساحة أوسع عن رأيي.
في البداية أجدد الشكر إلى قناة ميدي 1 تيفي على تنظيمها لهذه الحلقة وعلى دعوتها للمشاركة وعلى ما تقدمه من برامج حوارية ناجحة ومنها برنامج مواطن اليوم الذي يحضى بنجاح كبير وبنسبة مشاهدة واسعة.
سأحاول في هذه الروقة العودة مجددا لما سبق وطرحته خلال البرنامج،لأتمم وأضيف بعض الملاحظات والأفكار .زهي على الشكل التالي :
فيما يتعلق بالرأي القائل من أن سبب عدم الوصول إلى اتفاق مع الحكومة السابقة يعود إلى تسييس الموضوع من طرف النقابات، نشير هنا إلى
أن فترة إبرام الاتفاقات الأربع السابقة كانت أكثر تعقيد وصعوبة وأكثر تسييسا إذا انطلقنا من هذا التأويل ولنبدأ باتفاق فاتح غشت 1996 والذي تطلب 71 ساعة من الاجتماعات الماراطونية و 136 ساعة في صياغة التصريح كما أن الظرفية السياسية التي تم فيها توقيع هذا التصريح مهدت إلى مجيئ حكومة التناوب التوافقي وحجم القضايا التي تمت معالجتها سواء منها التي كان لها طابعا ماليا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو هيكليا فقد كانت ذات حجم كبير ويعد هذا التصريح هو الإطار المؤسس لما بعده.
كما أن اتفاق 19 محرم 23 أبريل 2000 عرف حدة كبيرة في النقاش وتضخّم في حجم القضايا التي تم إيجاد الحلول لها إذا ما عدنا إلى ما نص إليه هذا الاتفاق سواء منها التي كان لها طابع ظرفي مثل الزيادة في الأجور والتعويضات او التي كان لها طابع هيكلي ونذكر هنا ما قاله السيد عبد الرحيم الحجوجي رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب عندما سألته الصحافة على هامش التوقيع على هذا الاتفاق حيث سألته هل عرفت جلسات الحوار حدة فكان جوابه نعم (اللهم الا كنا ما كنشوفوش) وهو ما نشرته الصحافة آنذاك.
كما أن الظرفية التي يتم التوقيع فيها على اتفاق 30 أبريل 2003 سواء فيما يتعلق بالأجور بالقطاع العام أو الخاص أو فيما يتعلق بالتوافق على مدونة الشغل، وبمختلف القضايا التي تم إيجاد الحلول لها حيث بدل السيد إدريس جطو جهدا محمودة مما سمح له مع خبرته الواسعة من التغلب على الصعوبات ونذكر هنا الخلافات الكبيرة بين الفرقاء والتي عرفتها هذه المرحلة والتي تطلبت التوفيع على المحضر الملحق في 28 يناير 2004.
كما أن فترة توقيع اتفاق 26 أبريل 2011 على عهد حكومة السيد عباس الفاسي والذي جاء بعد سلسلة الاحتجاجات التي قامت بها حركة 20 فبراير 2011 عرفت هي الأخرى تباينا في وجهات النظر بين الفرقاء مما تطلب عقد عدة اجتماعات مع كل نقابة على حدة أو بعض النقابات مع بعضها بالتوازي إلى أن تم التوصل إلى إبرام هذا الاتفاق.
فإذن إذا كانت السياسة حاضرة أثناء جلسات الحوار التي تمت على عهد حكومة السيد عبد الإله بنكيران فإنها من خلال ما أشرنا إليه يتبين أن الصعوبات التي عرفتها المراحل السابقة أكثر مما عرفته فترة السيد عبد الإله بنكيران الذي لم يبدل المجهود الكافي مقارنة مع سابقيه من رؤساء الحكومات ، بما يضمن الوصول توقيع اتفاق على عهده حيث ظل باستمرار يتحدث ويعتبر أن ما قام به من اقتطاع في أجور المضربين يعتبره إنجازا غير مسبوق وهذا في حد ذاته خطأ لا من حيث الاقتطاع من أجور المضربين بل ولا من حيث توظيف هذا الاقتطاع سياسيا . ولقد صاحبت هذا الحوار نقاشات مغلوطة حول الموضوع بقصد إحداث شرخ بين العمال وبعض الفئات المتضررة. .من خلال كل هذا يتبين أن من قام بتسييس النزاع الاجتماعي هي الحكومة السابقة وليست النقابات.ونود لتذكير هنا بأن النقابات قدمت تنازلات مهمة وهي التي اقترحت بديلا مقبولا فيما يتعلق بالزيادة في الأجور. هذه الزيادة التي شكلت أكبر نقطة خلاف في الحوار. واقتضى هذا الاقتراح الحديث عن ملائمة الأجور والسعار عبر ثلاث مخارج :
الزيادة في الأجور
مرجعة الضريبة على الدخل
الزيادة في التعويضات العائلية
خلاصة القول أنه كان بالإمكان الوصول إلى حل توافقي أشمل مقارنة مع الفترات السابقة وأن ما أشارت له بعض الجهات التي نكن لها كل الاحترام والتقدير كان مجانبا للصواب بعيدا عن الموضوعية.
فيما يتعلق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ،الذي يسير من طرف مجلسه الإداري الثلاثي التركيبة، فإن ما تصدره عنه من قرارات فهي تُحسب للجميع وليس لطرف دون آخر، سواء فيما يتعلق بوضعية العمال الذين لم يصلوا لعتبة 3240 التي تخولهم الحق القانوني من منحة الشيخوخة والسبب بالنسبة لنا يعود إلى عدم تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو إلى التلاعب في هذه التصريحات مما ينعكس سلبا على عشرات الآلاف من العمال الذين يحرمون من الحق في التقاعد وأن توصل العمال بتلك المبالغ المالية الهزيلة مما تم اقتطاعه من أجورهم .وعليه لا يمكننا اعتبار هذا انجازا من طرف الحكومة. والغريب في الأمر أنه يتم إغفال وضعية عشرات الآلاف من العمال الذين يحرمون من هذا حق التقاعد بسبب عدم احترام قانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فيما يتعلق بتعميم التصريحات وسلامتها من العيوب مع العلم أن المقاولة المغربية لا يمكنها أن تؤدي أجور تصل إلى 4000 أو 5000 درهم في الشهر لتغطية جميع تكاليف العيش للأسرة الواحدة وهو ما يتطلب دعم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكي يقوم بالدور المنوط به من خلال تعميم التصريحات وسلامتها من العيوب.
أو فيما يتعلق بقانون التعويض عن فقدان الشغل فإن النقابات قدمت تنازلات كبيرة من أجل إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود على أن يتم بعد ذلك إصلاحه وتقويمه وبالتالي لا يمكن أيضا اعتبار هذا القانون إنجازا خاصا بالحكومة.
بخصوص تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011 حيث لا زال جل ما تضمنه هذا الاتفاق وبالأخص القضايا الأساسية لم يتم تنفيذها لحد الآن والمتمثلة في :
مراجعة القانون الأساسي للوظيفة العمومية
إصلاح منظومة الأجور
الإصلاح الشامل للتعويض عن الإقامة
مراجعة منظومة التنقيط والتقييم
مراجعة منظومة التكوين المستمر
إصدار القانون الخاص بتحديد العلاقات بين المشغلين والأجراء وشروط الشغل في القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف (المادة 4 من مدونة الشغل)
إصدار المرسوم المتعلق بتحديد شروط وكيفيات الاستفادة من التكوين المستمر (المادة 23 من مدونة الشغل)
المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية
إلغاء المادة 288 من القانون الجنائي
المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 102 المتعلقة بالضمان الاجتماعي
الاتفاقية 141 حول منظمات العمال الزراعيين ودورهم في التنمية الاقتصادية ولاجتماعية
توحيد الحد الأدنى القانوني للأجر بين القطاعين الصناعي والفلاحي)
تعميم التغطية لاجتماعية والصحية على أجراء ومهنيي قطاع النقل
فيما يتعلق بوضعية جهاز تفتيش الشغل فقد تضمن اتفاق 26 أبريل 2011 ما يلي :
(التزام الحكومة بدعم الموارد البشرية لجهاز تفتيش الشغل ، وبتخصيص مناصب مالية كافية في قوانين المالية لسنة 2012 و 2013 حتى يتسنى له القيام بالأدوار الموكولة له في مراقبة تفتيش الشغل وتسوية نزاعات الشغل الجماعية والفردية) وكان في الإمكان تطبيق ذلك إلا أن الوضعية لا زالت على ما هي عليه، حيث لا يتجاوز عدد المفتشين 400 فردا بالإضافة إلى النقص الكبير في وسائل العمل على جميع المستويات.
وضعية صناديق التقاعد :
والمطلوب هنا الوصول إلى حل شمولي لوضعية الصناديق بما في ذلك ما يتعلق بقطاع الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص بدل اعتماد المقاربة المقياسية وفيما يتعلق بالتصويت على قانون التقاعد بمجلس المستشارين فالنقابات كانت مبدئيا ضد هذا القانون إلا ن تقديراتها اختلفت فيما يتعلق بشكل التصويت غير أن هذا لا يعني أنها تخلت عن مسؤوليتها. ثم إن عملية التصويت لم تكن تعني فقط المستشارين النقابيين بل تعني جميع أعضاء مجلس المستشارين المتكون من 120 عضو..
حول إدخال التعديلات على مدونة الشغل :
إذا قمنا بدراسة علمية سنجد أن التعديلات التي يتطلب إدخالها على مدونة الشغل ستصب لصالح العمال ولصالح تطبيق القانون غير أنه على أرض الواقع يتبين أن التعديلات المطروح القيام بها ستتجه إلى إدخال مزيد من المرونة، ويتبين ذلك من مضمون الكتاب الأبيض للاتحاد العام لمقاولات المغرب والذي تضمن 12 تعديلا كلها تتجه إلى إدخال المزيد من المرونة وما يروج له حول إدخال بعض التعديلات فيما يتعلق بالمواد التي تهم طب الشغل وهو كلام حق يراد به باطل علما بأن النقابات تطالب فقط بتعميم التغطية ولا تربطها بعدد الأجراء العاملين بالمقاولة.
فيما يتعلق بتظاهرات فاتح ماي لهذه السنة فأن الشروط التي مرت بها فإنها قد عرفت تعبئة كبيرة من طرف النقابات وعرفت نجاحا كبيرا. كما أن فاتح ماي لهذه السنة عرف لقاء عقده السيد رئيس الحكومة مع المركزيات النقابية والذي وعد فيه بالعمل على تلبية المطالب وإيجاد الحلول للقضايا المطروحة مما جعل طبيعة الشعارات غير حادة.
كما أنه لا بد من استحضار جميع المراحل التي عرفتها الخمس سنوات الماضية بما فيها من :
غياب الحوار الجاد والمسؤول.
التضييق على الحريات النقابية.
عدم تطبيق تشريع الشغل.
استهداف العمل النقابي بكل الوسائل.
الآفاق :
إن الوضع الحالي يتطلب استثمار ما تحقق من تراكمات خلال جميع المراحل الماضية والعمل على إبرام اتفاق ثلاثي خامس في أقرب الآجال خاصة وأن الحركة النقابية تتوفر على حس وطني كبير وقوة اقتراحية ذات ومنظور شمولي تربط بين ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي في أبعاده العامة وفي هذا الإطار فان القضايا المطروحة حاليا والملحة والتي تبلورت من خلال لقاءات المكثفة التي تمت طيلة السنوات الماضية بين المركزيات النقابية من جهة ومع بعضها من جهة ومع الحكومة السابقة من جهة أخرى والتي تتمثل في :
اعتماد مبدأ المقاربة التشاركية في كل القضايا ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي انسجاما مع الاتفاقيات الدولية وما نص عليه دستور 2011 وما تضمنته الاتفاقيات الأربع السابقة .
احترام دورات الحوار والمفاوضة الجماعية :
– على المستوى الوطني بعقد لقاءين في السنة في شهر أبريل وشهر شتنبر بين الحكومة وأرباب العمل والنقابات.
– اعتماد الحوار القطاعي على مستوى القطاع العام والمؤسسات العمومية تفعيلا لما جاءت به الاتفاقية الدولية 151 خاصة وأن النقابات القطاعية تملك تصورا متكاملا على المستوى المهني والمطلبي.
– تقوية وتعميم إتفاقيات الشغل الجماعية على جميع القطاعات المهنية .
– اعتماد الحوار على مستوى الأقاليم والجهات ينصب حول القضايا المحلية والإقليمية والجهوية وتفعيل المجالس الجهوية والإقليمي لإنعاش التشغيل وفقا لما تنص عليه المادة 524 من مدونة الشغل.
تنفيذ ما تبقى من أتفاق 26 أبريل 2011
احترام الحق النقابي وذلك من خلال :
وضع برنامج استباقي لحماية الحق النقابي لأن نسبة كبيرة من نزاعات الشغل تتم بسبب المس بالحق النقابي.
تطبيق تشريع الشغل من خلال :
– تطبيق مقتضيات مدونة الشغل
– تقوية دور وزارة الشغل والإدماج الاجتماعي
– دعم جهاز تفتيش الشغل.
– هيكلة القطاع غير المهيكل.
– وضع برنامج استباقي للوقاية من نزاعات الشغل الفردية والجماعية
– مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية وإنصاف جميع فئات الموظفين .
تقوية وتعميم الحماية الاجتماعية من خلال :
– دمقرطة المؤسسات الاجتماعية .
– إصلاح أنظمة التقاعد
– تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع سلامتها من العيوب
– مراجعة القانون الخاص بالتعويض عن فقدان الشغل
ملائمة الأجور والأسعار من خلال :
– الزيادة في الأجور
– الزيادة في التعويضات العائلية
– مراجعة الضريبة على الدخل
دعم المقاولة وتقوية الاقتصاد الوطني من خلال :
وضع برامج تحسيسية بتنسيق بين القطاعات الوزارية ذات العلاقة والقطاعات المهنية والنقابات على مستوى كل قطاع على حدة وتعميم اتفاقيات الشغل الجماعية وفق تصور متكامل يأخذ بعين الاعتبار التوازنات المالية والاقتصادية للمقاولات، والاجتماعية للأجراء.
دعم التشغيل من خلال :
ملأ المناصب الشاغرة بقطاع الوظيفة العمومية وخاصة في قطاع التعليم والصحة ومفتشي الشغل …..
وضع حد للتشغيل بالعقدة بالقطاع العام .
احترام القانون بالنسبة للقطاع الخاص حول الحالات التي يتطلب فيها التشغيل المستمر أو التشغيل المؤقت.
تحفيز المقاولات التي تساهم في التشغيل ومحاربة البطالة وتحمل مسئوليته الاجتماعية .
الكاتب : عبد الرحيم الرماح - بتاريخ : 11/05/2017