خطاب المسيرة الخضراء: التحول الأطلسي الكبير

نوفل البعمري

 

خطاب المسيرة الخضراء لهذه السنة لم يكن فقط مناسبة لاستذكار الحدث الذي بفضله انطلق مسلسل استكمال الوحدة الترابية، بل كان أيضا إعلانا ملكيا جديدا عن مسيرة برهانات كبيرة تم الربط فيها بين المنجز على المستوى السياسي والدبلوماسي الذي تم حسمه لصالح مبادرة الحكم الذاتي، ومغربية الصحراء التي لم تعد موضوع أي نقاش، بفضل ما حققه من مكتسبات، آخرها قرار 2703.
هذه المكتسبات السياسية فتحت الباب أمام إعلان ملكي عن ربط المسيرة التنموية التي دشنها المغرب منذ سنوات بالأقاليم الصحراوية الجنوبية بقطبها الأطلسي الذي يطل على القارة الأمريكية، والإفريقي حيث أعلن الخطاب عن وضع كل إمكانيته التي يتوفر عليها، خاصة منها خط السكك الحديدي وباقي المشاريع الكبرى التي أعطاها الخطاب بعداً إقليمياً على رأسها ميناء الداخلة، رهن إشارة الدول الأفريقية المطلة على الواجهة الأطلسية، والتي قد تشكل إلى جانب المغرب قطبا اقتصادياً حقيقياً يحقق التنمية الشاملة لكل دول المنطقة. هنا كانت الاشارة لأحد المشاريع الكبرى التي تربط غرب أفريقيا بالمغرب انطلاقاً من نيجيريا، وهو مشروع أنبوب الغاز الذي سيعزز من هذا الحضور الأطلسي للمغرب، ليس فقط على المستوى المغربي، بل أيضا الإفريقي.
الخطاب الملكي أعطى دفعة جديدة لمسار ملف الصحراء، إذ بعد أن حسم الصراع لصالح المبادرة المغربية، وقام بإنجاز مشاريع اقتصادية وتنموية أعادت هيكلة الأقاليم الجنوبية، وجعلتها تتحول من مناطق قاحلة، كما تركها الاستعمار، إلى مناطق تشهد بنيات تحتية متقدمة، مشاريع صناعية وسكنية كبرى…و غيرها من الإنجازات التي جعلت المغرب يحصد الاعترافات الدبلوماسية المتوالية بمغربية الصحراء وفتح القنصليات وحصده لدعم دولي كبير. هذه المشاريع يريد الخطاب أن يُعطيها بعداً إقليمياً، وألا تقتصر هذه المنجزات التنموية بعائداتها فقط على المنطقة، بل تعود بالرخاء على مجموعة المنطقة الأطلسية وغرب أفريقيا بشكل خاص، في تحول اقتصادي وتنموي جديد يدخل فيها المغرب لربط المنطقة بمجالها الجغرافي. هذا الربط سيؤدي إلى أن تتحول الأقاليم الصحراوية إلى قطب رحى اقتصادي، تنموي ببعد سياسي ودبلوماسي كبير وقوي، يعزز من الحضور المغربي في أفريقيا بروح تنموية واقتصادية تربط مشروع الحكم الذاتي بهذه الرؤية الاقتصادية الكبرى.
المغرب لم يعد ذاك البلد الذي قد يخيفه النزاع المفتعل حول الصحراء، بل الرؤية المغربية جعلته يتجه نحو حسمه سياسياً وجعله رافعة سياسية نحو جرِّ كل المنطقة نحو التقدم وربطها بهذا المشروع والرؤية الملكية التي عبر وأعلن عنها الملك في خطابه.
في كل هذا، تظل الجزائر هي الخاسر، بفعل استمرار سياسيتها العدائية اتجاه المغرب ورفضها المستمر لليد الممدودة التي لو كان حكام الجزائر تصرفوا بالحكمة المطلوبة لكانت الجزائر اليوم جزءا من هذا المشروع الكبير، وكان يمكن أن تكون في قلب هذا التحول التنموي الذي ستشهده الواجهة الأطلسية من أفريقيا بامتداداتها الجغرافية نحو غرب أفريقيا، لكنها اختارت الارتهان إلى أحقاد الماضي، وهو ما سيضيع على الشعب الجزائري فرصة أن يكون جزءاً من هذه الرؤية.
خطاب المسيرة الخضراء منذ سنة 2015 وهو في كل محطة يشكل عنوان لمرحلة جديدة سيدخلها الملف، دخلنا مرحلة التحول الدبلوماسي، وبعدها مرحلة حسم الصراع سياسياً ثم مرحلة التنمية الشاملة.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 08/11/2023

التعليقات مغلقة.