خطاب 20 غشت: ثورة أفق الانتظار
محمد العربي هروشي
تزامن الخطاب الملكي لذكرى 20 غشت هذه السنة مع الاستحقاقات التشريعية والجهوية والمحلية على بعد أسبوعين من فتح المغرب صفحة ولائية تشريعية تدبر خمس سنوات من الشأن العام للمغاربة، فهل سيكون الجميع على موعد مع التاريخ لإفراز نخب جديدة غير مكرورة خلاقة ومبتكرة لحلول التنمية، خصوصا وأن النموذج التنموي والميثاق التنموي جاهزان، فهل سنكون أمام هذا الامتحان في موقف العزة أم المهانة؟ خاصة وأن الانتخابات ليست هي الهدف في حد ذاته، كما ورد في الخطاب الملكي، وإنما العمل من أجل الصالح العام ورفع مصلحة وازدهار المواطن المغربي تحقيقا لكرامته هو جوهر هذه الاستحقاقات، ولأهميتها تصدرت خطاب الملك لكونها تحديات داخلية تشكل قطب الرحى في التماسك الداخلي ووحدة مصير الأمة المغربية في مواجهة التحديات الخارجية، والتي أفرد لها الملك محمد السادس محورا هاما اتسم بالشفافية والوضوح .
لقد تغير المغرب فعلا منذ العقد الأخير من حكم الملك محمد السادس، في ما يتعلق بالسياسات الخارجية وغير من أسلوب دبلوماسيته، بما يحصن حدوده الترابية ورمزية سيادته في علاقاته الجوارية إن إقليميا أو قاريا، خاصة في مجالات حساسة باتت تقض مضاجع دول قوية، سواء أتعلق الأمر بالإرهاب أم بالهجرة غير الشرعية أم الاتجار في المخدرات والأسلحة …إلخ.
وعلى هذا المستوى كنا أشرنا في مقال سابق، إلى أن العلاقة البينية بين المملكة المغربية وجارتها المملكة الإسبانية، عرفت حدا من التوتر غير مسبوق، على خلفية استقبال زعيم الميليشيا الانفصالية (البوليساريو) غالي من طرف حكومة بيدرو سانشيز الإسبانية، لدواعي «استشفائية إنسانية»، وزاد في الطين بلة تصريحات وزيرة الخارجية مخرجة فيلم استقبال غالي، وقد كان لذلك تداعيات ليس فقط على مستوى العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وإنما تبين مدى هشاشة الاستخبارات الإسبانية التي استيقظت لتجد ملفا حقوقيا ودبلوماسيا من العيار الثقيل، مطروحا من طرف المعارضة الإسبانية بزعامة بابلو كسادو وشركائه في اليمين الفرانكوي المتطرف حزب فوكس، الذي اعتبر ما قامت به وزيرة الخارجية تهديدا لمصالح إسبانية مع الجار الجنوبي المغرب.
أما المغرب فقد اتسمت سياسته،هذه المرة، بتصعيد غير مسبوق في إبراز كامل الندية في مواجهة السياسة الخارجية الإسبانية، التي عملت بكل الوسائل لتحريض الاتحاد الأوروبي واستمالة رئيس أقوى دولة في العالم، بعد أن اعترفت إدارة الولايات المتحدة الأمريكية على عهد ترامب، بالسيادة الكاملة والواضحة على صحرائه الجنوبية، وأمام فشل كل المحاولات اليائسة، واتخاذ المغرب الموضوع بحكمة وصرامة غير مسبوقتين، كاستدعاء السفيرة بنيعيش من مدريد إلى الرباط للتشاور دون تحديد آجال العودة ،وسيادة صمت دبلوماسي، تلته تحركات وازنة لخطواتها مع فاعلين سياسيين إسبان، بوريل وأعضاء من اللجنة الأوروبية، أثمرت تغييرا في حقيبة الخارجية الإسبانية التي كانت في يد أرنشا وتم تعويضها بسفير محنك كان يمثل بلده في باريس، ومع ذلك لم يصدر أي موقف من الرباط معتبرا الحدث،على أهميته ودلالته، شأنا داخليا يخص إسبانيا،غير أن الإشارات التي بعثت بها الرباط تركت الباب مواربا، وبقيت شعرة معاوية موصولة تاركة فرصة للأمور أن تأخذ وقتها .
لقد كان العاهل المغربي محمد السادس واضحا وشفافا في خطاب 20 غشت لما أعلن «المغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون، لأنه لا يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا، وفي نفس الوقت، يحرص على إقامة علاقات قوية،بناءة ومتوازنة،خاصة مع دول الجوار .(انتهى الاستشهاد).
يفهم من منطوق النص أن الأمر لا يتعلق فقط بدول الجوار، وإنما هي سياسة وأسلوب جديدان، اتخذه المغرب في علاقاته الدولية، إقليميا وقاريا، خاصة وأن التكتلات والتقاطبات الجيواستراتيجية إقليميا ودوليا،عرفت انقلابا بعد انهيار القطبية الأحادية وبروز نتوءات جديدة كالصين والهند ودول شرق آسيا …إلخ.
واليوم، يمكن اعتبار ما ورد في شأن العلاقات المغربية الإسبانية ضمن خطاب 20 غشت مؤشرا إيجابيا لطي صفحة الماضي ليس «هدفنا الخروج من الأزمة فقط، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات التي تحكم هذه العلاقات «(انتهى الاستشهاد) .
وإذن، كل المؤشرات تشي بانفراج قريب بين البلدين على أسس واضحة لخصها الملك بنفسه « على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل،والوفاء بالالتزامات .»
وتطرقتEl pais في عددها ليوم 21 غشت 2021 للخطاب الملكي حيث تفاجأت بمؤشرات هذا الانفراج، بعد أن ترقبت ذلك في خطاب العرش لكن الملك لم يتطرق إلى الموضوع.
في الجانب المقابل على إسبانيا ترجمة مضمون هذه الرغبة في إصلاح الأعطاب التي مست العلاقات الثنائية بين البلدين ،ليس أقلها من زيارة وشيكة لوزير الخارجية الإسباني مانويل ألباريس إلى المغرب، ثم انعقاد اللجنتين العليتين رفيعتي المستوى وعودة السفيرة المغربية، وحل مشكل الحدود في سبتة ومليلية السليبتين، بأفق استراتيجي يراعي مصلحة البلدين العليا، لجعل المنطقتين الحدوديتين منطقة تكامل اقتصادي ورفاه من أجل الشعبين، ولملا رفع التأشيرة الإسبانية عن المغاربة للدخول للمدينتين السليبتين، سبتة ومليلية، مع تعزيز مراقبة الحدود من الهجرات غير الشرعية ، والمغرب في هذا المجال رائد بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء، في أفق حصول المغرب على امتياز رفع التأشيرة عنه لدخول تراب الاتحاد الأوروبي،حتى يتم ترجمة،فعلا ،وضعه الامتيازي عوض الاكتفاء بتعبيرات إنشائية ليست إلا.
مرحبا إذن بعودة العلاقات بين البلدين المغرب وإسبانيا ،حيث لا غالب ولا مغلوب، حيث رابح -رابح هي العملة التي يجب أن تسود هذه العلاقة المحكومة بالجوار الترابي والمسار التاريخي، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
الكاتب : محمد العربي هروشي - بتاريخ : 23/08/2021