دفاتر سياسية (2)

6-ليس مقبولًا من قيادة سياسية التصرف بمنطق دون مستوى منطق رجال الدولة. إن الموقع الحزبي القيادي لا يكتمل إلا متى كان مقترنًا بالقدرة على تمثل مصلحة المجتمع برمته، بما يعنيه من شعب ودولة بطبيعة الحال.
ممارسة السياسة من منطلق حزبي ضيق، بالنسبة للحزب المشارك، أو الذي يتطلع إلى المشاركة، في تدبير الشأن العام، ينم عن خصاص في الوعي الضروري بالنسبة لأي قيادة ينطبق عليها هذا الإسم.
فأن تكون عضوًا في القيادة العليا في حزب سياسي يعني، بالضرورة، أن تكون قادرًا على فهم مجريات العمل السياسي، في مختلف المجالات، وأن تكون ممن لديهم القدرة على القول في السياسات العامة للبلاد. بل ومن بين من لديهم الأهلية لقيادة الشأن العام، عندما تدعو الضرورة إلى ذلك.
إن العقلية المطلبية النقابية لا تصنع رجل الدولة الكفء.
إنها تسقط في درك عبادة دغدغة مشاعر الناس. وهو أسلوب فاشل بالتأكيد .
7- ينبغي للإعلام أن يكون بمثابة الشاهد داخل المحكمة، حيث يلتزم أن يقول الحق، ولا شيء آخر غير الحق. وإذا ثبت أنه حاول تضليل العدالة، فمن واجب وصلاحيات القاضي والنيابة العامة متابعته جراء ذلك كما تنص عليه المساطر القانونية المختصة بالموضوع.
لكن بأي معنى يمكن عقد هذه المقارنة؟ إنه ببساطة عندما يتعمد الإعلام قلب الحقائق والافتراء على الخصوم والأعداء.
نعم، من حق الإعلام أن يعبر عن رأيه المخالف أو حتى المناهض لسياسات بعينها ويكشف الحقائق التي يحاول البعض التستر عليها، لكن ليس من حقه، أخلاقيًا ومهنيًا، امتهان الكذب وتشويه الحقائق، فقط بذريعة أن الخصم والعدو تجوز شيطنته بكل الوسائل، بما في ذلك الكذب والافتراء.
لست أزعم فرضية حياد الإعلام، لأنها غير ممكنة وغير واقعية، وذلك لأن الإعلام هو للتعبير عن آراء ومواقف متباينة بالتعريف من مختلف القضايا المطروحة على الساحة، إلى جانب القيام بمهمة الإخبار، ونقل المعلومات على أوسع نطاق ممكن، غير أن موضوعية الإعلام ومسؤوليته ينبغي أن تظلا الهدف والغاية في مختلف ظروف العملية الإعلامية .
8-ينطلق التكفيري من كونه مرجعا ومصدر قيم الإيمان وعدمه. وهو لا يتساءل من أين له تلك المكانة التي تخول له توزيع صفات الإيمان والكفر، لأنها من طبيعة الأشياء، مذ قرر أن يبوئ نفسه تلك المكانة من دون الناس.
ليس بإمكان الذي يكفر الناس ان يفكر، أو يتخيل، أن هناك من يعتبرونه قد تجاوز، من خلال سلوكه بالذات، مواقع الإيمان للسقوط في هاوية لا تتماهى مع الإيمان في كل الأحوال. وإلا فما معنى الإيهام بمعرفة سرائر الناس؟
إذا كان الرسول، وهو صاحب رسالة الإسلام، يرى أن من نطق بالشهادتين يحرم هدر دمه، حتى في حالات من الواضح فيها أن النطق بهما يرمي إلى الحفاظ على النفس أكثر مما يدل على الإيمان المباغت قبيل نزول السيف على الرقبة في ساحة من ساحات القتال، وأقول القتال وليس القتل، فبأي حق يتم تكفير ملايين المؤمنين من قبل أفراد، يظلون معدودين رغم كثرتهم هذه الأيام، نصبوا أنفسهم من تلقاء أنفسهم حماة للمعبد ومنافحين عن الإيمان عبر توزيع صكوك الكفر والمروق وغيرها من الفتاوى التي تنتهي إلى نشر فكر الفتنة والقتل في المجتمعات الآمنة، قبل أن يبرز هؤلاء التكفيريون لمصادرة مختلف الحقوق والحريات الفردية والجماعية، باسم ما يزعمون أنه الدين الحق والإيمان الذي لا تشوبه شائبة الزيغ والانحراف ولا يأتيه الباطل أبدا.
فهل هذا ناجم عن كونهم حفظة القرآن الكريم؟ أم هو ناجم عن إلمامهم الواسع بتاريخ الإسلام؟ أم هو ناجم عن تتبعهم للأحكام الفقهية عبر العصور؟ أم هو ناجم عن معرفتهم العميقة بالسنة النبوية ومختلف المذاهب والاجتهادات؟
هذا ما يقولون عادة، وهذا ما يوحون إليه في نصوص فتاواهم. وبذلك قد يؤثرون بقوة على من ليست لهم دراية كافية بطبيعة كل تلك القضايا فيعتقدون أنهم منبع الحق كل الحق ومرجعية في تحديد الإيمان كما في الدلالة على الكفر.
لكن لماذا لا يقولون للناس إن كل ذلك لا يكفي لاحتكار الإيمان بالطريقة التي يعتقدونها؟ لماذا لا يقولون لهم إن كل تلك المباحث مفتوحة، تماماً، أمام كل طالبيها، قديما وحديثا، دون أن يكون ذلك دليلا على الإيمان، بالمعنى الذي يروجونه؟ وهل يجهلون أن المسلم يمكن أن ينهل من تلك المباحث والعلوم، كما يمكن ذلك تماماً لغير المسلم من اتباع الديانات الأخرى؟ بل ويمكن كل ذلك حتى لمن ينكر الأديان كافة.
من الصعب أن يعترفوا بذلك، وينشروه في الناس، لأنه سيعني أن ما يعتبرونه رأسمالهم المقدس هو مشاع بين ذوي الاختصاص من كل الأجناس والأقوام والديانات والأيديولوجيات المتباينة إلى حد التناقض. وإذا كان مشاعا بطل ادعاء كل امتياز.
ومن هنا يمكن قلب مفردات المعادلة تماماً من خلال القول: إن الناس ليسوا مدعوين لإثبات إيمانهم عبر الخضوع لهرطقات التكفيريين والاستسلام لأهوائهم المتقلبة في كل المناسبات. وإنما المطلوب من هؤلاء أن يبرهنوا على إيمانهم اولا وقبل كل شيء.
وهنا تكمن مشكلة التكفيريين في الواقع. أما المجتمعات الانسانية، فإنها تعيش حياتها الروحية كما يسمح لها بذلك الحس السليم والفطرة النقية التي لم يخالطها شيء من المرض التكفيري العضال.
9 – ليس ممكنًا إدارة الظهر للواقع إلى ما لا نهاية. ذلك أن هذا الأخير يصر على احتلال موقع الصدارة في نهاية المطاف. وهكذا يجده المرء منتصبًا أمامه، حيثما حل وارتحل، رغمًا من الظن الذي لازمه بأن إدارة الظهر للواقع كفيل بنفيه والتحرر من قوانين جاذبيته القاهرة.
وعندما يحدث الاصطدام المحتوم بين الواقع ووعي عدم القدرة على تجاهله، تكون الغلبة للواقع على الوعي الذي دخل غمار المعركة وهو أعزل وأكثر هشاشة على تحمل صدمات المواجهة.
10- يتساءل المرء، أحيانًا كثيرة، عن جدوى الحياة. يقترن السؤال، غالبًا، مع هذه الأزمة أو تلك. هو لا يتوقع التوصل إلى جواب محدد، وقد لا يرغب في ذلك أصلًا، غير أن السؤال يداهمه، هكذا، وكأنه محايث للأزمة التي يواجهها.
سؤال ميتافيزيقي، وجودي ومحير على الدوام، إلا أنه غالبًا ما يختفي ويعود إلى نوع من اللاوجود، بمجرد ما يتم التغلب على الأزمة.
هكذا يهاجم السؤال المرء على حين غرة ويختفي بالطريقة إياها، متحينًا فرصة الهجوم مرة أخرى، إلى ما لا نهاية. أو بالأحرى حتى آخر نفَس.
11- محاربة الطواحين الهوائية لعبة قذرة عندما تكون واعية، وعن سبق إصرار. كل إنسان قد يعيش حالةً من الحالات التي تشبه ذلك، لهذا السبب أو ذاك، لكن دون وعي، وبشكل مؤقت وعابر، لأن الوعي الحقيقي ينتهي، بالتأكيد، إلى استعادة زمام المبادرة والإمساك بمقومات التوجيه نحو الأهداف والمعارك الحقيقية. لكن عندما تتحول هذه الحرب إلى لعبة واعية، فهي تقحم أصحابها في تيه الزيف والبهتان. وهذا هو مصدر القذارة التي تمسك بتلابيبها منذ نقطة الانطلاق إلى نقطة النهاية إذا كانت هناك نقطة نهاية لمثل هذه المتاهة.
12 – كان لدينا معنى للشجاعة يدور حول قيم النبل وعزة النفس وعدم القبول بالضيم.
الملاحظ اليوم أن معنى الشجاعة لدى البعض هو «قلة الحياء» السياسي والاستراتيجي علاوة على الطلاق البائن مع كل قيم المروءة وشرف الانتماء.