دوافــــع تـرامــــب فـــي اتـخــــاذ القــــــرار حــــرّك الــشــــــارع ووحــــــد الشـــعــــــــب

حمادة فراعنة

أضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوماً أسود جديداً لأيام البؤس والشقاء التي واجهت الشعب العربي الفلسطيني، وعانى من تداعياتها، وجعلت حياته عنوانها التشرد والحرمان، وكلما زادت أيام السواد الفلسطينية، تضاعفت معاناته وغدا معذباً مصلوباً على مذابح الصهيونية وأداتها وداعميها من المستعمرين.
يوم أسود على القدس
لقد سجل 6 دجنبر 2017 يوماً أسود، على يد ترامب وقراره الاعتراف بمدينة القدس، عاصمة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى عاصمة فلسطين وقلبها، بما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وبما يتنافى مع الدور الذي تدعيه الولايات المتحدة وتفرضه، باعتبارها وسيطاً راعياً للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وهو دور مارسته الإدارات الأمريكية المتعاقبة من الجمهوريين والديمقراطيين، ولم يُقدم عليه أي رئيس أمريكي، وبقيت إدارات البيت الأبيض تُؤجله باستنكاف الرؤساء كل ستة أشهر وعدم التوقيع على القرار، حتى جاء الرئيس ترامب ووقعه، متهماً الرؤساء السابقين بعدم امتلاكهم شجاعة التوقيع، رغم وعودهم الانتخابية حيال هذا الموضوع، الأمر الذي يدفع باتجاه السؤال بقوة لماذا فعلها ترامب ؟؟ ولماذا أقدم على هذا القرار ؟؟ وبهذا التوقيت بالذات ؟؟

ثلاثة عوامل صنعت قرار ترامب

والجواب يكمن بثلاثة عوامل وثلاثة أطراف صنعت هذا الحدث القرار، وأولها أنه تم بمناسبة مرور عام على انتخابه يوم 8/11/2016، وادعى أنه تم تنفيذاً لوعده الانتخابي، وقام بتنفيذ هذا الوعد، مع أن عدداً من الرؤساء المنتخبين قد وعدوا مثله خلال حملتهم الانتخابية ولكنهم لم يتمكنوا من تنفيذ وعدهم لاصطدامهم بالتزامات أمريكية ستقوض مكانة الولايات المتحدة كطرف يرعى المفاوضات، رغم انحيازها المسبق للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولذلك لم يتمكن الرؤساء بوش وكلينتون وبوش الإبن وأوباما من تنفيذ قرار الكونغرس منذ عام 1995، إلى أن جاء ترامب ونفذه، وهذا يعود ليس تنفيذاً لوعد انتخابي أو لالتزام أخلاقي، بل يعود لأزمته الداخلية التي تتفاقم، بعد إقرار العاملين معه، وثبت كذبهم بنفي علاقتهم مع الروس للمساعدة في نجاحه في معركة الرئاسة، ومقارنة مع ريتشارد نيكسون الذي هزمه تجسسه على خصمه الديمقراطي فكيف يكون الحال حينما يكون التواطؤ مع طرف أجنبي ؟؟
ترامب بحاجة لإسناد قوي من الإعلام المسيطر عليه اللوبي الصهيوني، وهذا ما دفعه كي يقوم بعمل استثنائي بعد أن أجل تنفيذ قرار الكونغرس في الستة الأشهر الأولى من ولايته، وها هو ينفذ القرار بعد مرور عام على نجاحه، نزولاً عند ضغط اللوبي اليهودي الصهيوني الإسرائيلي في صفقة كي يقفوا معه في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها على خلفية توظيف العامل الروسي وتدخله لزيادة فرص نجاحه أمام منافسة كلينتون وحزبها.
أما العامل الآخر فهو تورط نتنياهو في أربع قضايا فساد ستنال منه وتطيح به، بعدما فشل في تمرير قرار لدى الكنيست بتوفير الحماية له خلال توليه رئاسة الحكومة؛ ما يتطلب حدثاً قوياً وإجراء استثنائياً يوفر له مظلة الحماية، فكان قرار ترامب غير المسبوق الذي وصفه على أنه قرار تاريخي حصلت عليه تل أبيب بعهد نتنياهو، وبذلك استعمل الحليفان ترامب ونتنياهو بعضهما البعض، ووظفا قرار الكونغرس ليشكلا لهما مظلة سياسية، غير معهودة حتى ولو كانت على حساب الشعب الفلسطيني، وبما يتعارض مع الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة المفترض على الولايات المتحدة أن تكون صاحبة موقف في حمايتها لا أن تكون هي المبادرة في خرقها.
أما العامل الثالث الذي صنع القرار وكان وسيطاً بين ترامب ونتنياهو ولعب لعبته في هذا المجال، فهو الفريق الصهيوني اليهودي المحيط بالرئيس ترامب، وله تأثير عليه نظراً لإسهاماته في نجاح ترامب نفسه وهم اليهودي الثلاثي صهره كوشنير، ومفوضه جرينبلات، وسفيره فريدمان الذين وظفوا علاقاتهم بين الطرفين وسارعوا في الدفع لتوقيع القرار في ظل معطيات فلسطينية عنوانها الضعف والانقسام، وعربية عنوانها الحروب البينية والتصادم مع إيران، ودولية في الانشغال في مقاومة الإرهاب ومعالجة قضية اللاجئين المتدفقين نحو أوروبا.
تعليق أمريكي

كتب الصحفي الأمريكي المشهور توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز تعليقاً على قرار ترامب قوله حرفياً :
“ تمنت كل حكومة إسرائيلية، منذ يوم تأسيسها أن تعترف الولايات المتحدة، أن القدس عاصمتها، لكن جميع الإدارات الأمريكية امتنعت عن فعل ذلك، قائلة إن الاعتراف يجب أن يأتي فقط في أعقاب اتفاق سلام نهائي متفق عليه بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن كل هذا انتهى اليوم، لقد منح ترامب الإسرائيليين القدس مجاناً، ويالها من صفقة ؟! كيف يمنح مثل هذه الهدية المجانية دون استخدامها في الوصول إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني . “

رب ضارة نافعة

قرار ترامب المؤذي، والأحمق سياسياً كما وصفته الصحافة الأمريكية المناوئة له، يتعارض مع كافة قرارات الأمم المتحدة، بدءاً من قرار التقسيم 181، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقراري مجلس الأمن 476 و 478، الخاصين بالقدس واللذين صدرا في أعقاب قرار الكنيست بضم القدس يوم 20/6/1980، وليس انتهاء بالقرار 2334 الصادر يوم 23/12/2016، وجميعها تعتبر أن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها مدينة القدس، أراض محتلة، وأن أي تغيير يطرأ عليها باطل وغير قانوني ولا يملك أي صفة شرعية، ويجب التراجع عنها، واحترام معالمها وحق الفلسطينيين فيها وعليها، فكيف يكون الحال حينما تنتهك الولايات المتحدة العضو الأصيل والدائم لدى مجلس الأمن والأمم المتحدة قراراتها ؟؟ لقد انفردت الولايات المتحدة بهذا القرار ولم تجد بلداً واحداً يؤيدها، وما الجلسة التي عقدها مجلس الأمن يوم الجمعة 8/12/2017، إلا دلالة على عزلة الولايات المتحدة فقد أعلن مندوبو الدول أعضاء مجلس الأمن على التوالي : السويد، مصر، بريطانيا، فرنسا، بوليفيا، أوروغواي، ايطاليا، السنغال، الصين، أثيوبيا، أوكرانيا، كزخستان، روسيا واليابان، إضافة إلى ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة نيكولاي ميلادينوف إلى فلسطين، رفضهم للقرار الأمريكي وتقويضه لقرارات الأمم المتحدة، وأن حكوماتهم ملتزمة بعدم نقل سفارة بلدانهم إلى القدس، نزولاً عند قراري مجلس الأمن 476 و 478، اللذين دعيا إلى عدم نقل البعثات الدبلوماسية إلى القدس بل وترحيلها عنها .

النهوض الوطني
قرار ترامب فجر الواقع المرير المستكين لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين ضد العدو الوطني والقومي والديني: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فقد أزال القرار الأمريكي الغشاوة، وضِيق الأفق، وكشف حقيقة التحالف الأمريكي الإسرائيلي، والانحياز السافر من قبل واشنطن نحو تل أبيب، وأسقط الرهان على أي دور أمريكي نزيه نحو تسوية الصراع بين المشروعين المتصادمين المتناقضين : المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وقد أنجز القرار مجموعة من الخطوات الفلسطينية المهمة وهي : 1- إنهاء حالة القطيعة بين الضفة والقدس والقطاع، 2- كسر اتفاقيتي التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، 3- الحراك الجماهيري والنشاطات الشعبية ضد الاحتلال وقواته بمثابة المقدمات الضرورية لكرة الثلج الفلسطينية الصغيرة المتدحرجة على غرار الانتفاضة الأولى عام 1987، والانتفاضة الثانية عام 2000، وانتفاضات القدس المتقطعة، إنها بداية النهوض الفلسطيني بعد عشر سنوات عجاف من الانقسام والفرقة والتمزق الفلسطيني الذي كان هدية مجانية للعدو الإسرائيلي، فجاء قرار ترامب نحو القدس لإنقاذ الوضع الفلسطيني المستكين والمترهل، بسبب الانقسام وغياب الوحدة والتماسك، وغياب الحاضنة الشعبية لأي فعل كفاحي مهما بدا صلباً ومشروعاً وباسلاً كما حصل في ثورة السكاكين التي انفجرت يوم 3/10/2015، وسقط خلالها وبسببها طوال سنتين أكثر من 250 شهيداً وشهيدة، بلا نتائج سياسية مرجوة، وإخفاق إضراب المعتقلين والأسرى الذي بدأ يوم 17/4/2017، واستمر لأربعين يوماً بدون نتائج جوهرية، بسبب الفرقة وعدم التوافق والانقسام.
عودة الروح الكفاحية، وتوفر حاضنة جماهيرية مصحوبة بغطاء سياسي فلسطيني يقوم على التفاهم والشراكة من قبل فتح وحماس وباقي الفصائل بداية حالة النهوض الكفاحي الفلسطيني المفقودة المطلوبة.
المظاهرات والاحتجاجات في شوارع بعض العواصم العربية من الرباط وتونس والقاهرة والخرطوم وعمان وبيروت، ظاهرة تضامنية جديدة مفقودة سبق وأن دمرتها نتائج هيمنة الاتجاه الإسلامي المتطرف على فعاليات الربيع العربي، وتدمير الأولويات، وغياب البرامج العملية من أجل استكمال الاستقلال السياسي والاقتصادي، وانتزاع الديمقراطية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وتوفير متطلبات العيش الكريم من الصحة والتعليم والخدمات الضرورية، جعلت الشارع العربي أسيراً لتنظيمات الإرهاب والتطرف، مما يعيد وأعاد قرار ترامب جزءاً من روح مفقودة ومتطلبات ضرورية وحوافز كان بحاجة لها الشارع العربي ليدرك أولوياته وأن عدوه الوطني والقومي والديني هو العدو الإسرائيلي، وأن خلافاتنا مع تركيا أو إيران أو أثيوبيا ليس لها الأولوية في التصادم لمصلحة العدو الإسرائيلي الذي لايزال يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية فلسطين وسوريا ولبنان، وأن كل محاولات التهدئة معه أو تطبيع العلاقات، لن تكون إلا على حساب حقوق العرب ومصالحهم وكرامتهم.
لقد دلل قرار ترامب على مدى عدالة القضية الفلسطينية وشرعية مطالبها، فالرفض من قبل المجموعة الأوروبية وفي طليعتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وايطاليا، والبابا، وسكرتير الأمم المتحدة، وشيخ الأزهر والمظاهرات لدى عواصم أوروبية وأسيوية وإفريقية من قبل أصدقاء الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، مكاسب سياسية صافية، تحتاج حقاً وتفرض بالضرورة لملمة الصفوف الفلسطينية بين فلسطينيي مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، وفلسطينيي مناطق الاحتلال الثانية 1967، مع فلسطينيي بلدان اللجوء والشتات كي يصوبوا سياساتهم ويتوحدوا على العناوين الثلاثة وهي : 1- برنامج سياسي مشترك، 2- مؤسسة تمثيلية موحدة وهي منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، 3- أدوات كفاحية متفق عليها لا أن ينفرد طرف في عمل أخرق غير مفيد كما حصل من قبل أطراف متحمسة غير مسؤولة، أو أطراف مشبوهة حينما أطلقت صواريخ من غزة ضد مناطق 48، وهو فعل ضار وغير مفيد سيعطل العمل الجماهيري من قبل كل شرائح الشعب الفلسطيني لينتفض بجميع مكوناته ضد الاحتلال، وبالتالي يجب أن لا يقتصر العمل على فعل أشخاص محددين غير مؤثرين على قدرات العدو المتفوق، فالمطلوب صهر الشعب الفلسطيني بكافة طبقاته وشرائحه ومكوناته بفعل جماعي يقوم على الشراكة الواسعة ضد الاحتلال، لا أن يقوم على بطولات أفراد مهما ارتفعت درجة بسالتهم ولكنهم يبقوا أفراداً محدودين، أمام بسالة شعب بأسره سبق له وأن هزم الاحتلال ثلاث مرات في الانتفاضة الجماهيرية المدنية عام 1987، والانتفاضة الثانية عام 2000، والثالثة في شهر يوليوز حينما أرغم أهل القدس وحدهم، أرغموا نتنياهو على فكفكة البوابات الالكترونية، والكاميرات الذكية من حول الحرم القدسي الشريف وعن مداخله ومحيطه.
رب ضارة نافعة تلك هي المقولة التي أراها حصيلة قرار ترامب، إذا تواصل الفعل الكفاحي الجماهيري الفلسطيني لترغم إدارته على التراجع عن قراره غير الشرعي وغير القانوني والمتصادم مع قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، والذي يمس حقوق الشعب الفلسطيني في القدس وسائر فلسطين، حقه في العودة والاستقلال والحرية، تلك هي تطلعات الشعب الفلسطيني التي لن يستكين حتى ينتزعها كاملة غير منقوصة.
h.faraneh@yahoo.com
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.

الكاتب : حمادة فراعنة - بتاريخ : 12/12/2017