دُرِّيةَ الكتاب .. «الكتابة مغامرة داخل الحقيقة والوهم»

خالد الخضري

سألتني صديقة عزيزة خلال الأيام المنصرمة هاتفيا:

ألن تقوم بزيارة المعرض الدولي للنشر والكتاب؟
فأجبت بكلمة واحدة قاطعة وقطيعة:
لا
فاستغربتْ من هذا الرد غير المتوقع من كاتب وعاشق للكتاب وعرسه، فهذا المعرض بصورة أو بأخرى عرس للكتاب، واستفسرتْ:
ولماذا؟
أجبت ببساطة معقد لا يقبل الرأي الآخر:
لأنه ليس لدي كتاب جديد أوقعه هذه السنة في المعرض كما حدث في السنة الماضية، حين وقعت كتابيّ: «السينما والموسيقى» و«لطيف لحلو، عميد السينما المغربية» اللذين شرفني بتقديمهما كل من الفنانة القِرِّيئة إلهام واعزيز، الكاتب المبدع محمد صوف ثم الناقد والباحث السينمائي أحمد سيجلماسي إدريسي.. وحضر الحفل عدد من الفنانين كالممثلة خديجة عدلي والزملاء الصحفيين منهم الزميلة جميلة عناب، عبد الكبير فهيد كما الناقد السينمائي الزميل محمد باكريم وغيرهم… وبالتالي فقد يحز في نفسي أن أرى زمرة من زميلاتي وزملائي الكُتّاب يوقعون مؤلفاتهم هذه الدورة وأنا أقف بمحاذاتهم فوق طوار المتفرج ليس إلا…
فسألتني صديقتي بتلقائية غيورة:
ولم لم تنجز كتابا هذه السنة؟
ضحكت قبل أن أرد عليها:
أضحكتني ولله، هل تعتقدين أن إنجاز كتاب أمر هيِّن؟ إن كتابي «الجديدة بين القلب والقلم» على سبيل المثال تطلب إنجازه كتابة، رقنا، تصحيحا، صورا، تركيبا إلخ… ست سنوات متتالية وما يزيد
فردت هازلة:
قل فقط إنك كسول وكفى
وقلبنا الموقف هزلا.. ثم ضحكنا ضحك طفلين معا.. وانتهى الحوار والسؤال حول معرض الكتاب دون أن ينتهي الاهتمام – اهتمامي الشخصي – بالكتاب ومعرضه، فعدت أسائل نفسي:
هل الجواب الذي رددت به على صديقتي من كوني لن أزور هذا المعرض لسبب واحد هو أنني لم أنجز كتابا جديدا، هل هذا الرد – حتى وإن أقنعها هي إن لم أقل قمعها- مشروع أو لنقل منطقيا من كاتب مهووس بالكتابة ومراودة القلم من نعومة أظافره؟ أم مجرد هروب ومراوغة لإنهاء حوار لم تكن لدي فيه رغبة أصلا؟
فكرت، وبَصَّرت كثيرا فوجدت ردي ذلك ذريعة تخلص سمجة أو لأعترف: وجدته عذرا أقبح من ذنب.. فهل كوني لم أنجز كتابا يحتم علي عدم زيارة معرض الكتاب؟
وكأني بإنسان لم ينجب أطفالا فقرر عدم تقبيل أطفال أقاربه وأصدقائه ولا ملاعبتهم أو إبداء اهتمامه بعوالمهم، حيث تتحول الغيرة الإيجابية هنا إلى حسد مدمر.
وهل الكاتب يتوقف نشاطه الإنتاجي – يعني ممارسته للكتابة – على المعارض ومهرجانات الكتب؟ الكتابة نعمة ونقمة في آن واحد.. لكنها نقمة مرغوب فيها وهذه خاصية يعرفها من اكتوت أصابعهم وأصابعهن بحرقة القلم.. الكتابة بالنسبة لي – كما القراءة – بلسم لا غنى عنه.. إدمان جميل ومتنفس في خندق الحياة اليومية.. أو لنقل دواء أتناوله يوميا مع حبوب خفض ضغط الدم على مدى الحياة.. الفرق بينهما: أن هذه الأخيرة أتناولها بقرحة والثانية، أي الكتابة بفرحة. قال الكاتب التشيكي فرانز كافكا: «سوف أكتب رغم كل شيء.. سوف أكتب على أي حال.. إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات»
في حين صدح الكاتب البرازيلي باولو كويلو:»ولكن اكتبوا إذا أردتم أن تفهموا أفضل في هذا العالم.. اكتبوا. ورقة وقلم يحدثان معجزات».
في روايته الرائعة «أنثى السراب» كتب الروائي الجزائري واسني الأعرج على لسان بطلته ليلى وهي تناشد حبيبها سينو أن يكتب لها: «اكتب لي أي شيء جميل تراه جميلا.. أريد أحاسيسك في الكتابة وليس واجباتك.. أعرف أنك تكره فعل الأشياء من باب الواجب.. ألم تقل لي ذات مرة: إن الحب عندما يصبح واجبا من الحسن التخلي عنه نهائيا؟
اكتب لي، أو ليست الكتابة مغامرة داخل الحقيقة والوهم وضد كل المستحيلات؟»
لهذا وأنا أستعرض بعض الدرر الجميلة التي أفضى بها كُتّاب ومؤلفون وازنون وغيرها كثير، لعنت إبليس المعارضة الجوفاء وقررت أن أزور المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الحالية 24.. وأن أحضن صديقاتي وأصدقائي المؤلفين لتهنئتهم بدريتهم الجديدة.. وتقبيل فلذات أكبادهم.. كأي رجل عاقر يعانق جاره أو أخاه أو صديقا له، أنجب ابنا أو بنتا فجاء يبارك له وينفح والدته ب»زرورة» رمزية.
لهذا حزمت أمتعتي وحملت حقيبتي الفارغة من جديد كتبي لأدس فيها كتب / أبناء زملائي وزميلاتي ممن سأحظى بشرف إهدائها لي أو تلك التي سأقتنيها من بعض دور النشر العرضة هناك.
فمن يدري، فلعل زيارة المعرض الدولي للكتاب والنشر هذه السنة ولو في يومه ما قبل الأخير ولساعات معدودة، قد يفك عقدتي، ويزيل العقم الذي أصابني هذه السنة، ولو أنه لم يكن عقما كاملا باعتبار إنجاز سيناريو فيلم روائي طويل قد يتحول إلى كتاب، فيغدو بالتالي هو مولودي الأول أو الثاني خلال هذه السنة إن شاء لله.
وهكذا ذهبت وتصفحت أبناء زميلاتي وزملائي وعانقتها.. فشعرت بفيض عارم من الأبوة يحتويني نحوهم.. وكأني أنا من أنجبهم.. فخرجت مفعما بمزيد من العطف والحب لأبنائي الذين أنجبهم غيري.. وكذلك للذين سيزدان بهم فراشي قريبا إن شاء لله.. فاللهم لا تحرمنا دُرِّيةَ الكتاب والكتابة.

الكاتب : خالد الخضري - بتاريخ : 28/02/2018