ربيع الحراك التعليمي وطني لإنقاذ منظومة التربية والتعليم والتكوين…

بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي

إن الحركية دليل على وجود الحياة وحيوية الروح والعقل والضمير .. كما أن وجود الإحساس بالألم والظلم  والمطالبة برفعهما دليل وعي بقيم الوجود والفعل بكرامة في الواقع.. وعندما نرى الشباب والشابات وهم ربيع الوطن وغده اللواتي والذين  يجب المراهنة  عليهن وعليهم  وهم حملة الرسالة التربوية والتوعوية في تظاهرات  وطنية وجهوية وإقليمية فليعلم الجميع أن الحق معهم، وأنهم  نبض الشغيلة التعليمية والو ظيفة العمومية، وروح الآباء والأولياء الذين يريدون لأبنائهم  بالمؤسسات التعليمية الأساتذة والمتعلمين كل الخير  والنجاح والتوفيق ويسعون لإنجاز أوراش الإصلاح لأوضاعهم ولمنظومة التعليم والتربية والتكوين بالسهل والجبل والمدن والقرى..، إن من يريد أن يوهم الأب و الأستاذ  بأنه أحرص منه على ابنه وتلميذه، فقد أخطأ الأسلوب وأساء الأدب مع من كان لهم الفضل في أن يستطيعوا أن يفكوا الحروف ويركبوا الجمل ويصبحون أعضاء  في حكومة..
إن قراءة في تاريخ التعليم بالعديد من الدول، هي توثيق لارتجال وارتباك كبير شغل الساحة التعليمية والتربوية في طرق تدبيرها، وخلفيات إصلاحات  لم تكتمل أو لم تبدأ بشكل جيد، أو تعثرت و تعطلت ..حيث تسببت في معضلات طالت أهم قطاع تقوم عليه كل أشكال التنمية، ذلك لأنه عبر الحضارات المزدهرة منذ الأزل المعني بالتنمية البشرية قولا وفعلا وصدقا والمعني بكل الطفرات العلمية والفكرية و بتكوين  الإنسان ليعيش حاضره ويقود مستقبل وطنه والإنسانية نحو بر الأمان  ..فكل الأنبياء والرسل والفلاسفة والأدباء والصالحين معلمون / أساتذة،  إما كلفتهم السماء، أو حركهم ضميرهم لنشر المعرفة وتعليم الناس حتى خضعت لهم الأرض وفتحت لهم ملفاتها وأسرارها  فاستكشفوا البر والبحر والكون واخترعوا وأبدعوا وصنعوا بالتعليم والجودة كل ما نراه من تقنيات وآليات ونظريات وخبرات همت الطب والهندسة والفلك وعلوم الأرض والحياة والفلسفة والأدب والقانون…
..ولا غرابة أن يتعرض الأنبياء والمصلحون والمعلمون /الأساتذة  في كل العصور لهجمات وتهديدات وحتى تصفيات جسدية ونفي وتشريد وقمع، والباحث في هذا المجال سيقف على أسماء في جميع مجالات العلم والمعرفة والتربية والتكوين ظلمت وأقصيت وقتلت ليتبين بعد ذلك أنهم على صواب وأن من كان يتفنن للإيقاع بهم أو اتهامهم بما ليس فيهم هم على النقيض من الحق والصواب فضيعوا بسبب تعنثهم ذاك عقودا وأحيانا قرونا وزمنا ثمينا  تسبب في تأزيم  الواقع وتعميم التخلف والبؤس والجهل  ..وسنكتفي هنا باستحضار أمثلة تعود إلى ما بعد سبعينيات القرن الماضي، حيث التجأت الحكومة لإسكات الحركة النقابية والشغيلة وأخص بالذكر هنا التعليمية إلى حملات قمعية واعتقالات شملت مناطق مختلفة ووصلت إلى طرد المئات من المعلمين والأساتذة والإداريين ..فكان كل ذلك محفزا قويا للتشبث بالدفاع عن مطالب وحقوق الشغيلة التعليمة، فاضطرت الحكومة لاحقا إلى إرجاع كل المطرودين والمفصولين بمن فيهم المعتقلون إلى وظائفهم واستخلصوا كل أجورهم التي حرموا منها لأشهر عدة ، وتمت الاستجابة للعديد من المطالب المعنوية والتربوية والمالية التي كانت موضوع الاحتجاجات والإضرابات …إلخ
إن كل المكتسبات التي تحققت في قطاع التعليم لم تأت هدية وطوعية من الحكومة بل جاءت منجمة ومفرقة منذ أوائل الستينات فالسبعينات ثم الثمانينات فالتسعينات ليبدأ بعدها  مسلسل الجمود والتراجع الذي بلغ أوجه بعد الربيع الديمقراطي، أي بعد 2011م.

إن الأساتذة في كل العلوم والمعارف هم ورثة  الأنبياء وحملة مشعلهم، والقائمون على استمرار رسالة إخراج الناس من الظلمات إلى النور، لأنه لايستوي في الأرض ولا في السماء الذين «يعلمون والذين لا يعلمون»..
– واشكل بين قوسين بفتح الياء أو بضمها  في يعلمون ولا يعلمون –
إن العنف المتدرج والذي استغرق عقودا وأزمنة منها، مورس على الأبناء وأولياء أمورهم ،وعلى المدرسين والمدرسات،  بالتغيير غير المنضبط وغير العلمي  للمناهج والمقررات، وغموض وعدم استقرار الأهداف والسياسة التعليمية في علاقة ببناء الفكر والثقافة والوطن والدولة، وفي علاقة بالخريجين من الجامعات و مؤسسات تكوين الأطر الذين ضيعت خبراتهم وعطلت ، ليفتح الباب على مصراعيه للمساس بقيمة التعليم والتعلم وبهيبة الشغيلة التعليمية ومكانتهم بالمجتمع كرواد وآباء ومفكرين ومربين،وليطال التدهور بنية الاستقبال المعرفية عند الأطفال والشباب بتسطيح العديد من المواد والموضوعات  بالمقررات،  وبجعل التعليم أقرب إلى قطاع لمحو الأمية، وعدم ربطه  بالإنتاج والعمل والتشغيل والاندماج في الآليات ومفاصل الدورة الاقتصادية والتنموية، وأصبح التعليم العمومي ينعت بجرأة غريبة غير متخلقة  بأنه  غير منتج ولا مربح ويتسبب في تضييع المال العام، وأن مردوديته ضئيلة .. وأنه من أسباب  «البطالة المثقفة» ..؟!!
إن التعليم ليس موضوعا خاصا بحكومة أو وزير أو أحزاب يغيره ويتصرف فيه  كل واحد بمزاجه ونصائحه المعطلة  وكأنه حقل تجارب عشوائي، ولايجب أن تتحكم فيه سياسويات أو إيديولوجيات ظلامية وعدمية وتبخيسية  بجميع أوصافها وأشكالها، ولا يجب أن يفرغ من وظيفته المقدسة ويقزم دوره بإملاءات ومبررات مالية تدبيرية وإجرائية لاتحترم العلم والتعلم وحملة هذه الرسالة التاريخية .. إنه مصير وطن وشعب ودولة وحضارة ..
إن الدعوة للتعاقد ليست هي  الإصلاح الاستعجالي المطلوب لرد الاعتبار للعلم والتعليم .. بل المطلوب أن نتعاقد جميعا الشغيلة وممثليها والقوى السياسية والعلماء والمفكرين لإقرار تعليم عمومي يؤهل أبناء الوطن ببرامج ومناهج تجيب عن انتظارات اليوم والغد والمستقبل التي سبقنا إليها بعقود دول وشعوب أخرى ،فإما نتعلم منهم كيف نهضوا، وإما أن يفرضوا علينا «بصناديقهم ومصالحهم وسياساتهم » كيف نبقى تابعين لهم بعيدا عن أن نكون   شركاء ولا حتى منافسين لهم ..
إننا  أمام ربيع تعليمي حقيقي. فلنجعله جميعا بإنجاحه قاطرة لإصلاح ما أفسده زمن التراجعات والإملاءات والإجراءات الارتجالية التي تهدر الزمن والمال وتعطل التطور ..

الكاتب : بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 22/03/2019