رهان الدولة الاجتماعية
حفيظة حنان(*)
حظي موضوع الدولة الاجتماعية باهتمام كبير خلال الآونة الأخيرة، لا سيما وأن المغرب أولى أهمية قصوى لهذا الاختيار، تأكيدا للتوجهات الملكية، وتماشيا مع مضامين دستور 2011 الذي أكد على البعد الاجتماعي للدولة المغربية.
وقد جاء مشروع قانون المالية لسنة 2024 بمجموعة من المقتضيات التي تكرس لمفهوم الدولة الاجتماعية وتساهم في مأسستها، إلا أن المتتبع للشأن الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب يلاحظ أن هناك تحديات وطنية ودولية أفرزت وضعا اجتماعيا واقتصاديا مأزوما، مما حدا بالدولة إلى مباشرة محاولات جادة لتحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين من خلال تعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح المنظومة الصحية والتربوية، فضلا عن إرساء مجموعة من البرامج والخدمات الاجتماعية وإنعاش الشغل.
ومن أبرز البرامج التي جاء بها قانون المالية السنة 2024، تلك المتعلقة بإنعاش الشغل ومحاربة البطالة، لا سيما في صفوف الشباب والنساء، حيث تم اعتماد برامج نشيطة لتعزيز إدماج فئة الساكنة في سن التشغيل، ونخص بالذكر برنامج أوراش الذي يتكون من الأوراش العامة المؤقتة وأوراش دعم الإدماج الدائم، وبرنامج فرصة الذي يهدف إلى دعم وتشجيع المبادرات الفردية لحاملي المشاريع لفائدة الأشخاص المقيمين أو المغاربة المقيمين بالخارج الحاملين لمشاريع مقاولاتية أو مقاولين ذاتيين. ثم برنامج انطلاقة الذي أُعِد لدعم وتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة والشباب أصحاب المقاولات وحاملي الشهادات لتشجيع ريادة الأعمال وخلق فرص الشغل.
وعلى الرغم من المجهودات المبذولة في مجال إرساء برامج إنعاش الشغل، إلا أن نجاح واستمرارية هذه الأوراش يبقى رهينا بقدرة الدولة على تمويلها وحكامة تدبيرها.
وفي هذا الصدد، أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير الصادر بتاريخ 19 دجنبر 2024 إلى محدودية تدبير الموارد المالية المتعلقة بتنزيل ورش الدولة الاجتماعية. ويبدو ذلك جليا من خلال ضعف نسبة استخلاص الاشتراكات المستحقة الخاصة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي لم تتجاوز 27% إلى حدود آخر شتنبر 2023، مما يعني أن الصندوق مهدد بالعجز خلال الأشهر المقبلة. كما أشارت معطيات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، إلى أن سوق الشغل على المستوى الوطني لا يزال يعاني من الآثار السلبية لجائحة كوفيد- 19 ومن ضعف المحصول الفلاحي بسبب الجفاف.
إضافة إلى ما سبق، تعاني بعض القطاعات التي لم تحظ بالاهتمام الأوفر من هشاشة أوضاع المنتسبين لها، كقطاعي الصحة والتعليم، وهي قطاعات لها ارتباط مباشر بجوهر الدولة الاجتماعية المرجوة، وهنا لا مناص من ضرورة التدخل لتحسين أوضاع هؤلاء، حتى يتسنى لهم تنزيل الدور الاجتماعي للدولة عبر مزاولتهم للمهام المنوطة بهم على أكمل وجه وفي أحسن الظروف.
إن الهدف من إرساء الدولة الاجتماعية هو إعادة الانسجام والاندماج المجتمعي الذي يعتبر مصدر قوة الدولة أمام التحالفات الدولية والصراعات الجيوسياسية التي أفرزت أزمات على الصعيد الوطني والدولي، وقد عبر المغاربة عن تضامنهم وتآزرهم واندماجهم خلال الأزمات التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة (الأزمة الصحية كوفيد-19 وزلزال الحوز) انطلاقا من موروثهم الثقافي والديني الذي قوامه التماسك والتضامن.
ومن منظورنا، يستدعي تنزيل ورش الدولة الاجتماعية، توظيف كل من السلطة السياسية والقدرات المجتمعية لتطوير السياسة الاجتماعية، وهذا لن يتأتى إلا بتوفر إرادة سياسية قوية ورغبة مجتمعية ملحة.
(*)دكتورة في القانون العام والعلوم السياسية
الكاتب : حفيظة حنان(*) - بتاريخ : 27/01/2024