روح المسؤولية بين الحضور والغياب هل «العرجة» حقا جزائرية؟

بتاريخ 23 مارس 2021، نشرت جريدة «القدس العربي» على صفحاتها الإلكترونية مقالا بعنوان «فصل جديد من التوتر المغربي الجزائري» للدكتور حسن أوريد، استهله بقوله: «كنت نأيت عن الخوض في موضوع العلاقات المغربية الجزائرية لأنني اعتبرت أن الظرف لم يعد سانحا لطرح موضوعي؛ إلا أن قضية ما عرف بعرجة أولاد سليمان أخرجني عن تحفظي…» ورغم أنه في الفقرة الأخيرة التي ختم بها هذا المقال جاء مناسبا، ومعترفا لسكان مدينة فكيك بحقوقهم التاريخية وحقوق الملكية التي لا تلغيها السيادة، إلا أن خروجه عن تحفظه هذا، جاء حاملا لعدد من الأفكار والمعلومات التي تقتضي المراجعة والتدقيق، وربما إعادة النظر، والتي -على الأقل- لا تتناسب ولا تتطابق مع ما هو مثبت في الوثائق المرتبطة بهذا الموضوع: موضوع الحدود بين المغرب والجزائر، وبالأخص في هذه المنطقة من المغرب، منطقة فكيك؛ ولا تتطابق مع الواقع بهذه المدينة. وأقصد بالوثائق بالأساس: الاتفاقيات بين المغرب وفرنسا من جهة، وبين المغرب والجزائر من جهة أخرى، والتي تتعلق كلها بموضوع الحدود عامة، وبمنطقة فكيك خاصة.
لقد سبق للسيد بلقاسم بوحسون أن رد على هذه المقالة، ومما جاء في رده هذا قوله: «وقد جاءت المقالة محملة بعبارتين ثقيلتين في قاموس العلوم القانونية والسياسية، أقرت بقانونية استيلاء الجزائر على أرض العرجة وأسقطت عنها السيادة المغربية». وأورد السيد بوحسون العبارات التي بها نسب الدكتور أوريد عرجة أولاد سليمان للتراب الجزائري والتي أكد فيها: «قانونيا،لا أحد يجادل في سيادة الجزائر على تلك الرقعة»، وأن «المعاهدة ملزمة للمغرب، ولم يجادل فيها، ولم يعتبر أنها موضوع نزاع» (أي معاهدة 15 يونيو1972 بين المغرب والجزائر حول الحدود). ومما ذكره السيد بوحسون، أن هذه المقالة: « كتبت بثقة كبيرة في النفس وكأنها تقطع الشك باليقين من صاحب القرار».
ولا يسعني إلا أن أشاطر السيد بوحسون رأيه هذا، فالمقال في هذا الجانب يجزم بأن «العرجة»، أو على الأقل «موقع عرجة أولاد سليمان»، «توجد بمقتضى اتفاقية الحدود المبرمة بين المغرب والجزائر سنة 1972 في التراب الجزائري…» (…) «وأن المشكل المطروح ليس ذا بعد قانوني…».
هذا الجزم الحاسم في الموضوع، وهذا الكلام المليء بالثقة في النفس هو الذي استوقفني، وجعلني أستحضر قائله، فالمتحدث هنا، ليس إنسانا بسيطا عاديا، بل هو مثقف، باحث، مؤرخ، خبِرَ العمل الإداري، وتقلب في مناصب إدارية وسياسية لها حساسيتها من المجال الدبلوماسي إلى أستاذ جامعي، إلى مؤرخ، إلى الناطق الرسمي للقصر الملكي، إلى والي أو محافظ لجهة مكناس، ثم العودة إلى الجامعة أستاذا باحثا من جديد. فلا يمكن لمن مارس كل هذه الوظائف، وتَمَرَّسَ فيها، أن لا يكون قد اكتسب خبرة متميزة، وتجارب غنية وعميقة، سواء في تعامله مع الوقائع والأحداث، أو في تعامله مع الوثائق. وهذا ما جعلني أقتنع –أو على الأقل أفترض– أن الدكتور حسن أوريد لا يرسل الكلام على عواهنه، ولا يطلق الأحكام جزافا، وأن في حوزته من المعلومات والوثائق ما يجعله يجزم بما جزم به، وأن يقطع فيه الشك باليقين (كما قال السيد بوحسون).
لكن ما لدي من وثائق-وما لدى عدد ممن هم مهتمون بهذا الموضوع مثلي- يتعارض مع ما قاله الدكتور أوريد. ولهذا فإني لا أتردد لحظة في أن أطلب منه أن يزودنا بهذه المعلومات أو الوثائق التي استند إليها، واعتمد عليها، في أحكامه القطعية بأن «أرض العرجة جزائرية، قانونيا، ولا أحد يجادل في سيادة الجزائر على تلك الرقعة». أطلب منه أن يزودنا، وأن ينفعنا بعلمه، وبهذه الحجج والدلائل، وبهذه المستندات والمعلومات؛ لأن ما صرح به بناء عليها، يخالف ما لدينا من معطيات، استنادا لما لدينا من وثائق؛ وبتزويده لنا، سنتمكن –إذا كنا مخطئين– من أن نصحح أخطاءنا وأن نبني علمنا ومعرفتنا بالمعلومات الصحيحة؛ ولكي تكون مواقفنا التي نتخذها قائمة على أسس ودعائم سليمة ومتينة.
ولكي يكون رأيي واضحا أكثر، سأحتاج إلى أن أعرض ما جاء في الوثائق الأساسية التي يعتمدها المهتمون بالموضوع من أبناء المنطقة -وأنا منهم- مما له علاقة بقضية الحدود مع الجزائر بهذه المنطقة.
**أشارت ديباجة المعاهدة المتعلقة بالحدود بين المغرب والجزائر، المبرمة بتاريخ 15 يونيو 1972، إلى جل هذه الوثائق، التي تشكل المرجع الأساس لهذه القضية، فهذه المعاهدة جاءت طبقا لما تم الاتفاق عليه في: معاهدة إفران المبرمة بتاريخ 15 يناير 1969؛ تصريح تلمسان المشترك بتاريخ 27 مايو 1970؛ البلاغ المشترك بالرباط المؤرخ ب6 يونيو 1972؛ التصريح الجزائري المغربي الصادر بالرباط بتاريخ 15 يونيو 1972.
**كماجاءت هذه المعاهدة «رعيا لمعاهدة رسم الحدود المبرمة بلالة مغنية بتاريخ 18 مارس 1845، في ما يرجع لمقتضياتها المتعلقة برسم الحدود الجزائرية المغربية».(النص مأخوذ من الاتفاقية)؛
**وكذا النصوص الموالية لها خاصة منها: اتفاقية (بروتوكول) 20 يوليوز1901، واتفاقية 20 أبريل 1902، فيما يرجع لمقتضياتها المتعلقة برسم الحدود بين الدولتين.
إذا بدأنا باتفاقية «للا مغنية»، فسنجد أن هذه الاتفاقية في الفصل الأول منها تشير إلى أن «الطرفين المفوضين من طرف المغرب وفرنسا اتفقا على أن الحدود التي كانت قائمة في السابق بين المغرب وتركيا ستبقى كما هي بين الجزائر والمغرب… ولا يحق لأي الطرفين تجاوز حدود الآخر… وستبقى هذه الحدود كما كانت قبل احتلال فرنسا للجزائر». وتشير في الفصل الثاني إلى «تسطير حدود واضحة… وما هو شرق الخط الحدودي يعود للجزائر، وكل ما هو في غرب هذا الخط يعود للمغرب».
وفي الفصل الرابع يتحدث عن «عدم وجود تحديد (أو وضع) خط للحدود بين البلدين من ثنية الساسي إلى فكيك» (..) لأن الأرض بها لا تحرث وتستعمل للرعي فقط». وفي الفصل الخامس تتحدث عن القصور التابعة للجزائر(أي فرنسا آنذاك) والأخرى التابعة للمغرب، وينص هذا الفصل بشكل واضح على أن «القصور التابعة للمغرب هي إيش وفكيك».
والفصل الخامس منها يخول للسكان التابعين للسلطة الجزائرية والذين لهم أملاك وأغراس ومياه وحقول… في الأراضي الخاضعة للنفوذ المغربي أن يستغلوا هذه الأملاك… وكذلك بالنسبة للمغاربة الذين لهم أملاك في التراب الجزائري أن يستغلوا أملاكهم. والفصل السابع منها يخول حق ممارسة التجارة من سكان كلا الطرفين كل واحد منهما في بلد الآخر.
فمعاهدة «للا مغنية»، إذن، تؤكد أن الحدود بين المغرب وفرنسا (آنذاك) هي استمرار للحدود الموروثة التي كانت بين المغرب والأتراك، وأن منطقة فكيك وإيش مغربيتان، وتؤكد حق السكان من الطرفين في استغلال أملاكهم إذا كانت موجودة تحت نفوذ الطرف الآخر.
بروتوكول 20 يوليوز1901، ينص في الفصل الأول منه على «الحفاظ على ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية للا مغنية» باستثناء النقط الواردة في هذه الاتفاقية. ولم يرد في هذه النقط ما يشير إلى تغيير الحدود الموروثة عن العهد العثماني -قبل احتلال فرنسا للجزائر- مع المغرب. ويؤكد الفصل الثاني منه، من جديد، أن إيش وفكيك تابعتان للمغرب. أما الفصل الثالث فينص بصريح العبارة على أن «سكان قصور فكيك وقبيلة لعمور الصحراء يستمرون كما كان ذلك في السابق في استغلال أغراسهم، المياه، حقول الحرث والمراعي… ويستغلون بشكل كامل كل ما يملكونه شرق السكة الحديدية، كما عهدوا ذلك في السابق دون عائق أو منع» (هذه ترجمة للنص الفرنسي).
وكذلك الفصل السادس يقول بوضوح «يخول للسكان التابعين للسلطة الجزائرية والذين لهم أغراس، مياه، حقول… في الأراضي الخاضعة للنفوذ المغربي أن يستغلوا هذه الأملاك، وكذلك بالنسبة للمغاربة الذين لهم أملاك في التراب الجزائري أن يستغلوا أملاكهم». والفصل السابع يخول للطرفين من السكان حق ممارسة التجارة كل واحد منهما في بلد الآخر.
هكذا يكون بروتوكول 20 يوليوز1901 بباريز: يرسخ الحدود التي كانت قائمة بين المغرب والإيالة العثمانية، أي تلك التي كانت قائمة ومعتمدة قبل احتلال فرنسا للجزائر. يؤكد تبعية فكيك وإيش للتراب المغربي. يؤكد حق سكان الطرفين بالمنطقة في العبور إلى أملاكهم واستغلالها في كلا الاتجاهين دون عوائق أو منع من أحد الطرفين. يضيف حق ممارسة التجارة من طرف سكان المنطقة الحدودية في البلدين بكل حرية.
اتفاقية 20 أبريل 1902، خصصت لاستتباب السلم والأمان بالمناطق الحدودية، وإنشاء حركة تجارية يستفيد منها الطرفان. وفي هذا السياق حددت الاتفاقية القبائل والمناطق التابعة للنفوذ الفرنسي، والقبائل والمناطق التابعة للنفوذ المغربي، وحددت أماكن إقامة مراكز للحراسة وللجمارك الحدودية، والإجراءات الجبائية والجمركية التي تقتضيها حركة التجارة في الاتجاهين المغربي والجزائري. مع تخصيص الفصل السادس للحديث عن صعوبة إحداث مراكز للمراقبة وللجمارك الحدودية بالمنطقة الممتدة من ثنية الساسي إلى إيش وفكيك، وتخليهما عن إقامة هذه المركز بهذا المجال الواسع.
وما يهمنا من هذه الاتفاقية، مما له علاقة بالمنطقة التي نحن بصددها، فكيك، ما جاء في الفصل الثالث منها، يقول: «تحدث الحكومتان في الصحراء أسواقا: سوقا فرنسية تحدث بعين الصفراء، وسوقا مغربية بفكيك، وأسواقا مشتركة، مع تحصيل الضرائب وجباية رسوم السوق على طول خط السكة الحديدية ببني ونيف والقنادسة». والفصل التاسع الذي ينص على تعيين «خليفة لعامل فكيك لتمثيل الحكومة المغربية لدى أحد القصور الثلاثة: القنادسة، بشار، أوكدة، وسيكلف بتقديم يد المساعدة للسلطات الجزائرية ضد الأفراد السيئين الذين سيلجأون إلى القصور» (أي هذه القصور). ورغم أن هذه النصوص لا تفيدنا في تعيين الحدود؛ إلا أنها تبرز الإمكانيات التجارية والاقتصادية المهمة التي كان يراها الطرفان بالمنطقة.
قبل أن نتحدث عن المعاهدة التي أبرمت بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية، كما جاء في هذه الوثائق نفسها، سنحتاج إلى أن نعرج قليلا على عدد من الوثائق التي لم تعتمدها هذه المعاهدة، والتي سبقت المعاهدة، وتمت الإشارة فيها إلى منطقة فكيك، والعرجة بالخصوص.
استطعت الوصول إلى مجموعة من الوثائق، دون أن يعني هذا أنها الوحيدة في الموضوع مما سيساعد على وضع هذه الاتفاقية في سياق تاريخي أكثر وضوحا. من هذه الوثائق: رسالة السلطان المولى الحسن الأول سنة1891؛ الوثائق الفرنسية التي جمعت وحررت بأمر من الحاكم الفرنسي بالجزائر جيل كومبون JULE CAMBON؛ رسالة فارنيي M.VARNIERالمفوض السامي الفرنسي بوجدة إلى السيد بيللي القائم بالأعمال بطنجة سنة:1912؛ وثيقة أعيان قصر لودغير إلى الحاكم بدائرة فكيك في 8 نوفمبر 1950؛ اتفاقية الاستيطان التي وقعت بين المغرب والجزائر يوم15 أبريل 1969.
**جاء في رسالة السلطان الحسن الأول إلى الحاج بومديين الزناكي سنة 1891 «…كما نأمركم أن تجعلوا نزالة بالسيد سليمان بوسماحة للقبض من القوافل التي ترد من توات ووادي الساورة وغيرهم وأخرى في ملياس بزناكة للقبض من قوافل تافلالت وذومنيع وأولاد جرير وغيرهم وأخرى في العرجاء للقبض من قبائل بني كيل ومن والاهم…». وقبائل ذوي منيع وأولاد جرير ستصبح بحكم اتفاقية 20 أبريل 1902 تابعة للسلطة الفرنسية بالجزائر؛ وقبائل بني كيل ومن والاهم تابعة للسلطة المغربية. وهذه الرسالة من النصوص التي تبين بوضوح -لا لبس فيه- أن المنطقتين العرجة والملياس مغربيتان.
**أما الوثائق الفرنسية التي جمعت بأمر من الحاكم الفرنسي جيل كومبون، فهي تتحدث عن «الواحات التي تشكل امتدادا مباشرا لمدينة فكيك» وتذكر لكل واحة أو مجموعة من النخيل موقعها والمسافة التي تفصلها عن فكيك وعدد نخيلها والمياه التي تتوفر فيها، وكم تستطيع هذه الكمية من المياه أن تسقي من الجنود. وعدد هذه الواحات 26 موقعا، في طليعتها العرجة التي تقول عنها هذه الوثيقة: «العرجة توجد على بعد 6 كيلومتر تقريبا شمال واحة فكيك، وتضم (آنذاك) 10000 نخلة، يملك نصفها لودغير والنصف الآخر عبد الله بن لعمور، ويملك أولاد سليمان جزءا قليلا منها. في الوادي الذي يخترق هذه الواحة توجد ثقوب مليئة بمياه جيدة وغزيرة تكفي لسقي فيلق من عشرة آلاف شخص».
**ومن رسالة فارنيي إلى القائم بالأعمال الفرنسي بطنجة، والتي يقترح عليه فيها أماكن تعيين الحدود بين المغرب وفرنسا المحتلة للجزائر، نقتطف هذه الفقرة المتعلقة بمنطقة فكيك: «…(…) من بداية نهر بوخلخال، تعبر الحدود نحو الجنوب على قمة جبل الدوك، من قمة جبل الدوك تتجه الحدود في خط مستقيم نحو أيش (مغربية) عبر قمة جبل الركايز ومجرى نهر مرغدان إلى أن تصل إلى رافده بأعلى وادي زوسفانة المسمى تسرفين، ثم نهر العرجة، تتبع عمق هذا الوادي إلى المرتفعات التي تفصل بني ونيف، ثم الخط من قمم المرتفعات المسماة جبل تاغلا، جبل زناقة، جبل ملياس…» فالمفوض السامي فارنيي يذكر وادي العرجة بالاسم ويذكر وادي زوسفانة، كما يذكر المرتفعات التي تفصل بين بني ونيف وفكيك. وسنحتاج إلى هذه التسمية وإلى هذه المقترحات في تعيين الحدود حين سنتحدث عن اتفاقية 1972.
**لرسالة أعيان لودغير نكهة خاصة، فهي تعبر عن رأي المواطنين المالكين لمنطقة العرجة بالرفض القاطع لأن تكون لأملاكهم أية صلة أو علاقة إدارية بالحاكم الفرنسي، والتأكيد على أن العرجة تابعة للمغرب في الماضي وفي الحاضر. جاء في هذه الرسالة: «…وبعد، فإننا بعد المشاورة مع أهل قصرنا فيما طلبت منا من تجريد مالنا من النخيل في وادي العرجة على يد حاكم قصر بني ونيف قصد أداء الضرائب عنها لحساب الإيالة الجزائرية، قد اتفقت كلمتنا على الجواب عن ذلك باستلفات نظركم بكل احترام إلى أن تراب العرجة ونخله وكامل نقطه المنصوص عليها في هذا الرسم صحبته، والتي هي في حوزتنا هو تراب فجيج التابع للإيالة المغربية الشريفة، وعلى ذلك استمر الحال منذ قرون حتى حاول حكام الدولة الفرنساوية عام 1914م بموجب ووفق الحماية المبرمة عام 1912م».
وعليه، فإن الموافقة على مثل هذا الإجراء متعذر علينا وليس في طوقنا قبوله والتصرف فيه لأننا وأرضنا ملك لسيدنا السلطان أعزه الله كما كان عليه الحال بين أجدادنا وأسلافه المنعمين. لذا وجب إعلامكم والسلام.
**اتفاقية الاستيطان التي وقعت بين المغرب والجزائر يوم 15 أبريل 1969، والتي هي بدورها ترجع في أصلها إلى: اتفاقية الاستيطان المبرمة بعاصمة الجزائر يوم 15 مارس 1963؛ البروتوكول الملحق المغير والمتمم لهذه الاتفاقية والموقع بإفران يوم 15 يناير 1969؛ الرسالتين المتبادلتين بإفران يوم 15يناير 1969.
وتفاديا للإطالة نورد خلاصة لما جاء في الفصول:1، و2، و8، من فصول المعاهدة التي لها علاقة بموضوعنا في صيغتها النهائية التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين المغربي والجزائري يوم 15 أبريل 1969. فهذه الفصول تتحدث عن حرية التنقل والإقامة، والمساواة في المعاملة وعدم الميز بين مواطني الدولتين، وعن حرية ممارسة الحقوق الاقتصادية وحرية التملك، وحرية التجارة والتصرف في أموالهم، وممارسة جميع أنواع المهن الصناعية والتجارية والفلاحية على قدم المساواة بين مواطني الدولتين. وعدم نزع الملكية للطرف الآخر إلا لأجل مصلحة عمومية، وطبقا للقانون مع التعويض العادل. واستفادة مواطني البلدين على وجه المساواة من نفس الضمانات التي يخولها القانون بخصوص حماية الأشخاص وممتلكاتهم، مع ما تستلزمه هذه الجوانب من شروط وأحكام تضمن لكل دولة حقوقها وأمنها…
نصل الآن إلى المعاهدة الأساس التي نعتبر أن كل ما قلناه يرتبط بها كثيرا أو قليلا، وما يهمنا منها أكثر هو الفقرة 11 من المادة الأولى، جاء فيها: «…و تسير [أي الحدود] عبر خط القمم مارة بالنقط المرقومة 1544،1026 (جبل ملياس) وتمر بعد ذلك بخط القمم على المرتفعات التي تفصل واحات بني ونيف وفجيج، مجتنبة منطقة الكثبان الرملية شرق هذه القرية مارة بالواد غير المسمى حتى التقائها بواد حلوف، تابعة هذا الواد شمالا حتى رأس بني سمير…».
كل ما يتعلق بفكيك ذكر في هذه الفقرة. وما نلاحظه فيها، أن المعاهدة لم يذكر فيها وادي زوسفانة، ولم تذكر منطقة العرجة، ولم يذكر وادي العرجة (ولم يذكر جبل سيدي يوسف). وتعيين الحدود فيها انطلق من الجنوب الشرقي متجها نحو الشرق ثم الشمال الشرقي ثم الشمال. فإذا رجعنا إلى رسالة فارنيي، وقارنا بين ما جاء في المعاهدة وبين مقترحاته في هذه الرسالة، فإننا سنجد أن فارنيي في اقتراحه للحدود بهذه المنطقة انطلق من الشمال متجها نحو الشمال الشرقي ثم نحو الشرق ثم نحو الجنوب الشرقي في اتجاه الجنوب. وأن فارنيي في اقتراحه ذكر وادي زوسفانة، من أعلاه بتيسرفين عبر وادي العرجة إلى المرتفعات التي تفصل بني ونيف… وأورد هذه المرتفعات بالاسم تاغلا زناقة ملياس. والذي يهمنا من اقتراح فارنيي الذي لم يؤخذ به في هذه المعاهدة، أن مقترحاته كانت دقيقة في تحديد المواقع ونقط الحدود في مقترحه. ولا يمكن أن يكون الذين عينوا نقط الحدود وصاغوها في هذه المعاهدة غير مطلعين على هذه الرسالة. وبالتالي فعدم ذكر وادي زوسفانة، ومنطقة العرجة وواديها في هذه المعاهدة يعني شيئا واحدا: أن الحدود في هذه المعاهدة تقع بعيدا عن وادي زوسفانة ومنطقة العرجة بكاملها أي شرق وادي زوسفانة (وراء جبل سيدي يوسف حيث الكثبان الرملية) وشمال منطقة العرجة بكيلومترات حيث يمر الوادي غير المسمى لدى الذين صاغوا الاتفاقية، والمعروف لدى السكان والفلاحين المالكين للمنطقة، والذين لم يؤخذ برأهم ولم يستشاروا لا في الكبيرة ولا في الصغيرة في هذا الموضوع، بـ» تمراقت».
في هذا، إذن، أكبر دليل على أن تعيين خط الحدود عبر الواد غير المسمى سيكون بالضرورة وراء الهضبة التي تُرى واضحة شمال وادي العرجة، وأن وادي العرجة ليس هو الحدود، وأن العرجة وزوسفانة واحة ونهرا ليست على الإطلاق جزائرية، ولا تابعة للنفوذ الجزائري بحكم منطوق نص المعاهدة، إذا كنا سنتمسك بما تم التوقيع عليه؛ وإلا فلماذا سيتم التوقيع أصلا؟ إن السلطات الجزائرية يوم 18 ماس 2021، قَرْصَنَتْ من جديد جزءا آخر من أراضي فكيك، أمام الصمت المريب لدولتنا وسلطاتنا.
أعود الآن إلى نقطة البداية، إلى ما قاله الدكتور أوريد بالحرف، وبثقة كبيرة وعالية: «قانونيا، لا أحد يجادل في سيادة الجزائر على تلك الرقعة…» (يقصد عرجة أولاد سليمان). وها أنذا قد جادلت بالوثائق، بالمقارنة بين الوثائق، بما عايشته في الواقع لأنني واحد من أبناء هذه المنطقة. فإذا كان الأمر كما تقول؟ فما فائدة هذه الوثائق والمراجع التي حاولت أن استدل بها بأن العرجة بكاملها بواديها بنخيلها بأرضها، ليست جزائرية، وليست قانونيا تابعة للسيادة الجزائرية؛ خصوصا إذا اعتمدنا نص المعاهدة المبرمة بتاريخ 15 يونيو 1972، وأؤكد على نص المعاهدة، التي لم يرد فيها أي ذكر لا للعرجة ولا لواديها ولا لوادي زوسفانة على الإطلاق. فإذا لم يقتنع الدكتور أوريد بما أوردت من وثائق وأدلة تتعلق بالموضوع، فهذا يعني أن بحوزته أدلة أخرى لا نتوفر عليها نحن. وهي التي ستجعله، رغم كل ما ذكرناه، يجزم بأن هذه المنطقة من العرجة جزائرية. إذا كان الدكتور حسن أوريد يتوفر على وثائق أخرى غير التي اعتمدتها وذكرتها، تقطع بأن هذه الرقعة تابعة للسيادة الجزائرية، فأننا نطلب منه أن يزودنا بها، كي لا نطالب، إذا اقتنعنا مثله، بما ليس لنا. وسنشكره على هذا الجميل. وإذا لم يفعل-وما أظن أن الدكتور سيبخل عنا- فهذا يعني أن الدكتور قد تعامل مع الموضوع مثل ما تعامل معه بعض صحفيينا المغاربة، دون الرجوع إلى الوثائق الأساسية، والتدقيق في جزئياته وجوهره؛ بل ودون تقدير لحساسيته بالنسبة لجميع المتضررين من معاهدة الحدود بين المغرب والجزائر في يونيو1972. في هذه الحالة، سأضطر إلى أن أردد مع السيد محمد كنون نداءه «على الإعلام الوطني أن يتشبع بشيء من الحرفية وتقصي الحقائق»، وأن أردد نداءه إلى المغاربة «لا يستقيم أن يشكك أحد في مغربية العرجة، فقط لأنه لا يملك المعطيات وليست لديه معلومات، وبالتالي البحث عن الحقيقة لا يرتفع».

(*) أستاذ متقاعد
(أحد أبناء المنطقة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *