صحوة الشارع بين المطالب الحقوقية وسؤال النموذج التنموي

سعيد الخطابي
جيل Z في المغرب يعيش اليوم صحوة حقيقية تتجسد في خرجات احتجاجية متكررة بعدد من المدن المغربية ، هذه الخرجات لا تعدو أن تكون فعلا تكراريا ولا رد فعل ظرفي على ازمة محددة بل هي تعبير عميق عن ازمة ثقة متراكمة وعن جيل جديد نشأ في عالم رقمي مفتوح يقارن اوضاعه لحظة بلحظة بما يجري في العالم. من حرب اوكرانيا الى العدوان على فلسطين ومن ازمة المناخ الى الجائحة الصحية يتابع الشباب المغربي هذه الاحداث الكونية ويعيد اسقاطها على واقعه الوطني ليجد نفسه امام سؤال بسيط لكنه جوهري: لماذا لا نعيش في وطن يضمن لنا الحد الادنى من الكرامة والعدالة الاجتماعية ولما لا الحق في الرفاهية كما عدد من الدول؟
ان هذه التعبيرات الشبابية تسائل النموذج التنموي القائم الذي وعد بالكثير ولم يحقق الا القليل. فالتنمية الحقيقية لا تقاس بالمشاريع الاسمنتية ولا بالخطابات المكرورة بل بقدرتها على توفير تعليم جيد وصحة لائقة وفرص عمل تحفظ الكرامة. الواقع يكشف ان الهدر المدرسي مازال ينخر المنظومة التعليمية تاركا الاف الاطفال والشباب خارج اسوار المدرسة. الارقام الرسمية تشير الى ان اكثر من 1.7 مليون شاب مغربي لا يدرسون ولا يشتغلون ولا يتابعون اي تكوين. هذه الفئة تمثل جرس انذار حادا لانها تعكس ضياع طاقات هائلة كان يمكن ان تكون رافعة للتنمية. ماذا ننتظر من شاب اقصي من المدرسة في سن مبكرة ولم يجد عملا ولا تكوينا؟ كيف نطالبه بالاندماج والمساهمة في التنمية وهو لم يمنح حتى ابسط حقوقه في التعليم والشغل؟
المطالب التي يرفعها الشباب واضحة ومشروعة وحقوقية بالاساس: الحق في تعليم جيد منصف يضمن تكافؤ الفرص الحق في صحة تحترم الكرامة الانسانية الحق في سكن يضمن الاستقرار والاهم الحق في الشغل باعتباره حجر الزاوية لاي مشروع مجتمعي ناجح. البطالة لم تعد مجرد رقم اقتصادي بل صارت عنوانا للاقصاء الاجتماعي ومصدرا لفقدان الثقة في الدولة واي نموذج تنموي يتحدث عن الجودة يبقى فارغا اذا لم يجعل من التشغيل اولوية الاولويات.
جيل Z من خلال خرجاته في الشارع يعلن بوضوح ان زمن الانتظار والوعود قد انتهى. انه جيل لا يكتفي بالتشخيص ولا بالخطاب بل يفرض نفسه كفاعل جديد يطالب باصلاحات جذرية ويعيد طرح سؤال الديمقراطية والتنمية على الطاولة. وهذه الصحوة ليست تهديدا للاستقرار كما يحاول البعض تصويرها بل فرصة لتصحيح المسار واعادة ترتيب الاولويات الوطنية. الصحوة الشبابية هي نداء لتجويد السياسات العمومية: تجويد التعليم تجويد الصحة تجويد الخدمات وتجويد التشغيل تصحيح مؤسسات وقيادات الاحزاب السياسية . فبدونها لن يكون هناك نموذج تنموي ناجح ولا استقرار اجتماعي.
ان القراءات حول هذه الخرجات متنوعة. هناك من يراها تهديدا للاستقرار وخطرا على السلم الاجتماعي وهناك من يعتبرها فرصة لتجديد الدماء الديمقراطية وبناء نموذج اكثر عدلا فيما يراها فريق ثالث انذارا مبكرا لما قد يحدث مستقبلا اذا لم تتم الاستجابة لها. لكن المؤكد ان المغرب اليوم امام مفترق طرق: اما ان يحول هذه الطاقة الشبابية الى قوة اقتراحية داخل المؤسسات او يتركها تتراكم في الشارع بما يحمله ذلك من مخاطر.
واذا كان جيل Z قد عبر عن مطالبه بجرأة في الشارع فانه في الان نفسه يعبر عن طموحه في بناء وطن ملنحم وجديد. المغرب الذي نريده كشباب ليس مغرب الشعارات بل مغرب الفعل. نريد مغربا مواطنا يضمن المساواة في الفرص مغربا يضع التعليم الجيد في صدارة اولوياته مغربا يجعل من الصحة حقا لا امتيازا مغربا يفتح امام شبابه ابواب الشغل والابداع مغربا ينصت لاصواتنا لا ليقمعها بل ليجعلها جزءا من صناعة القرار. نريد مغربا عادلا يكرس الكرامة يحرر الطاقات ويعيد الثقة في المستقبل.
ان جيل Z خرج الى الشارع لانه فقد الثقة في الخطابات الرسمية وفي حكومة اخنوش المتغولة لكنه لم يفقد الامل في التغيير. خرج لانه يرفض ان يعيش على الهامش ولانه يؤمن ان مستقبله يجب ان يصنع هنا في وطنه.
الرسالة واضحة: الشباب يريد جودة حقيقية في أرض الواقع لا في الاوراق ولا في المؤشرات ولا في العروض المقدمة بل في التعليم والصحة والشغل والكرامة. واكبر جودة يمكن ان تقدمها الدولة اليوم ليست في البنايات الفارغة ولا في الشعارات بل في ضمان الحق في الشغل باعتباره المدخل الحقيقي للكرامة الانسانية فعلا نعتبرها خرجات احتجاجية و صحوة وطنية يجب على الحكومة الحالية المتغولة التي يفترض أن تقدم استقالتها أن تلتقط الاشارة قبل ان يفوت الاوان.
عضو المجلس الوطني للحزب
الكاتب : سعيد الخطابي - بتاريخ : 06/10/2025