صورة الهجرة في الإعلام

باريس يوسف لهلالي

أصبحت الهجرة اليوم ظاهرة كونية، تمس كل البلدان بما فيها البلدان الغنية، كما انها مكون من مكونات العولمة التجارية والاقتصادية التي يعرفها العالم. وأصبح تنقل الملايين من سكان الأرض ظاهرة كونية، لكن المفارقة ان هذه الظاهرة الإيجابية التي ترافق تطور عالمنا اليوم يرافقها حكم قيمة سلبي حولها، والتي تستغل سياسيا من طرف تيارات اليمين المتطرف والشعبوي في العديد من البلدان خاصة بلدان أوروبا الغربية و الولايات المتحدة الامريكية، حيث يوجد خطاب سياسي وإعلامي يستغل بعض مشاكل الهجرة لتقديمها بمنظور سلبي بل خطر على العديد من البلدان. وهو ما يتناقض مع التقارير الاقتصادية التي تمت حول الظاهرة تبين مساهمتها الإيجابية والكبيرة في عدد كبير من اقتصاديات العالم دون الحديث عن الجانب الثقافي بالمعنى الانتربولوجي الواسع للكلمة.
هذه الظاهرة وهذا الخطاب السلبي حول الهجرة في الاعلام وفي العديد من البلدان كان احد المواضيع البارزة التي تناولها المنتدى العالمي للهجرة بمراكش وفي ورشاته في دجنبر الأخير، وهي اليوم موضوع لقاء بين ما تنظمه الحكومة المغربية وحكومة الايكواتور التي تأخذ مبادرة المنتدى العالمي بمدينة الصخيرات في 4و5 من يونيو.
لقاء مراكش الذي تم في شهر دجنبر 2018 ، و الذي ترأسه المغرب وألمانيا، كان فرصة لتسليط الضوء على المقاربة التنموية في مجال الهجرة والتي دافع عنها المغرب والدول الإفريقية، وكان فرصة للأقطار التابعة للأمم المتحدة لتنفيذ التوصيات الواردة في معاهدة المؤتمر الدولي للهجرة والتنمية ببرلين وهو ميثاق اممي حول الهجرة الامنة، المنظمة والمنتظمة كما تقول الوثيقة. والتحديات المطروحة علينا منذ لقاء برلين سنة 2017 حول الهجرة والتنمية والتي أصبحت مطروحة اليوم بفعل توسع قوة الأحزاب الفاشية واليمينية المتطرفة.
اليوم لابد من بذل مجهود من طرف الجميع من مجتمع مدني وسياسيين من أجل إبراز الجانب الإيجابي للهجرة ومساعدة الذين يريدون البقاء في بلدانهم على تحقيق ذلك من خلال مقاربة تنموية شاملة تمكن من الاختيار بدل الرحيل نحو المجهول.
بلدان الغرب الصناعية اليوم تعيش مفارقة كبيرة، فهي تستقطب كفاءات بلدان الجنوب في جميع المجالات التي لها فيها خصاص كبير، مما يمكنها من المحافظة على ديناميتها الاقتصادية وريادتها في عدد من المجالات الصناعية، وفي نفس الوقت تعبر بعض صحفها وكتابها عن رأي معادي للهجرة والمهاجرين، وهو ما يؤلب جزءا كبيرا من الرأي العام بهذه البلدان ضد هذه الهجرة، بل ان اليوم العديد من الأحزاب تستغل هذه الظاهرة من أجل استمالة الرأي العام، خاصة الفضاءات الهشة بهذه البلدان التي تضررت من العولمة والتحولات الكبيرة التي يعرفها سوق الشغل. وهذه الظاهرة وهي ازدياد الخطاب العدائي للهجرة، يروجها سياسيون من الصف الأول، ولا تخفى على أحد مواقف احد رؤساء أكبر الدول في العالم و المستقبلة للهجرة في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وهي بلد صنعه المهاجرون والمستوطنون مكان السكان الأصليين. رئيس هذا البلد دونالد ترامب يردد خطابا معاديا للهجرة، بل يطالب بإقامة جدار مع جارته المكسيك، ويتهم مهاجري هذا البلد بأقبح النعوت ويحملهم مسؤولية كل الظواهر الاجتماعية التي يعرفها بلده، في خطاب مبني على العواطف واستغلال غضب الرأي العام من المستقبل وتجييشه ضد الهجرة.
نفس الظاهرة تشهدها أوروبا حيث ان أحزاب اليمين المتطرف تتقدم بشكل مستمر، وتشارك في التحالفات الحكومية، بل ان هذه الأحزاب المتطرفة وصلت إلى الحكم في أحد البلدان المهمة والمؤسسة للاتحاد الأوروبي وهي إيطاليا، التي يتحدث وزير داخليتها ماتيو سلفيني الذي لا يمر يوم واحد لا يتحدث فيه عن مخاطر الهجرة، وعندما لا تتجاوب معه وسائل إعلام بلده أحيانا، فإنه يستعمل الشبكات الاجتماعية للحديث عن الموضوع.
والجميع يردد هذا الخطاب السلبي في الإعلام بهذه البلدان ولا أحد يتحدث عن الكفاءات الكبيرة التي تستحوذ عليها هذه البلدان الصناعية كل سنة حيث يتم استقطاب عشرات الآلاف من المهندسين في جميع المجالات بالإضافة الى الكفاءات التقنية، لا أحد يتحدث عن دور الهجرة في حل المشكل الديموغرافي في عدد كبير من بلدان أوروبا مثل اسبانيا، إيطاليا، المانيا ودورها أيضا في إعادة التوازن الى صنادق التضامن التي كانت مهددة بالشيخوخة في هذه البلدان.
لا حديث اليوم إلا عما هو سلبي حول الهجرة في الإعلام، أحيانا بحسن نية، وأحيانا بسوء نية، الصورة السلبية حول الهجرة هي ظاهرة أحيانا تمس بلدان الجنوب، حيث يوجد خطاب سلبي حول الهجرة خاصة ان جزءا كبيرا من الهجرة الدولية لا يتم نحو البلدان الصناعية بل يتم بين بلدان الجنوب. الهجرات التي تعرفها القارة الافريقية بين بلدانها خير دليل على ذلك، حيث ان الجزء الكبير من الهجرة الخارجية تستقطبه بلدان افريقية، حيث ان هذه الهجرة تتجه نحو المغرب، جنوب افريقيا، والكوت ديفوار وهي بلدان في حاجة إلى هذه الهجرة بل إن المغرب له تجربة متميزة ورائدة في هذا المجال، حيث يستقبل جزءا كبيرا من هذه الهجرة بل ان سياسته في هذا المجال كانت متميزة حيث قام بتسليم حوالي 60 الف بطاقة إقامة لمهاجرين قادمين على الخصوص من بلدان افريقيا جنوب الصحراء.
اليوم من اجل خطاب إيجابي حول الهجرة لا بد من تظافر جهود الحكومات مع المنظمات الدولية والمجتمع المدني، والعمل مع وسائل الاعلام، سواء منها الكلاسيكية او شبكات التواصل الا جتماعي من أجل العمل على ابراز المعطيات الحقيقية، ومنتدى مراكش العالمي للهجرة وضع توصية في هذا الباب تطالب بوضع معطيات موضوعية حول الهجرة رهن إشارة الرأي العام، وواضحة وتعتمد على إبراز مزايا الهجرة والصعوبات التي تتعرض لها، من أجل تفكيك الخطاب الإعلامي الذي يسعى إلى تقديم الهجرة بشكل سلبي.
النكتة الكبيرة ان المنتدى العالمي للهجرة بمراكش كان بنفسه ضحية الشائعات الكاذبة التي اطلقت حوله، وروجها اليمين المتطرف، وزعيمته بفرنسا مارين لوبين صرحت للصحافة الفرنسية ان لقاء مراكش العالمي حول الهجرة سوف يتضمن فتح الحدود الاوروبية بشكل مكثف نحو الهجرة القادمة من افريقيا، وهي دعوات كانت بالقوة التي جعلت العديد من قادة العالم يتغيبون عن لقاء مراكش منهم الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون.
الاخبار الزائفة اليوم التي تروجها بعض وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي على الخصوص حول الهجرة، تجعل قضية الهجرة ضحية من ضحايا الخطابات الكاذبة والسلبية حولها وحول صورتها في العالم.

الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 11/07/2019