عرب المنطق… وعرب الأوهام!

خير الله خير الله

بعد أقل بقليل من شهر على انعقاد القمة العربية في الجزائر، يتبيّن كم كانت تلك القمّة فاشلة، خصوصا في غياب القدرة لدى البلد المضيف على تسمية الأشياء بأسمائها، أو التغطية على انحيازه لمحور الممانعة الذي تقوده إيران حيث نظام مرفوض من شعبه، لا يدلّ على ذلك أكثر من المناورات العسكرية الجزائرية – الروسية في منطقة قريبة من الحدود المغربية، تبدو هذه المناورات، التي أجريت مباشرة بعد انعقاد القمة العربية، من النوع المضحك المبكي، في مرحلة لم يعد فيها سرا مدى قوة العلاقة الروسية – الإيرانية. ظهرت قوة هذه العلاقة وطبيعتها مع تزويد إيران الجيش الروسي بمسيرات وخبراء كي يتابع حربه التدميرية على أوكرانيا وشعبها.
تدعو هذه المناورات إلى الضحك بعدما كشفت الحرب الأوكرانية حقيقة القوة العسكرية الروسية ونوعية السلاح الروسي في الوقت ذاته، مثل هذا السلاح يصلح لقتل شعب مثل الشعب السوري المجرد من أي سلاح لا أكثر، عندما يتعلق الأمر بجيش مدرّب يمتلك بعض الأسلحة الحديثة مثل الجيش الأوكراني، تصير الأمور مختلفة، يتبيّن أن الجيش الروسي لا يصلح لحروب خارج أرضه ولا يستطيع خوض مثل هذه الحروب.
لقد سبق للاتحاد السوفياتي أن فشل فشلا ذريعا في أفغانستان، لكنه أظهر فاعلية كبيرة عندما تعلّق الأمر بمواجهة مدنيين مسالمين، فقد استطاع السيطرة على بودابست في العام 1956 وقمع «ربيع براغ» في العام 1968.
أما الجانب المبكي في المناورات الروسية – الجزائرية، فهو عائد إلى استعداد النظام الجزائري لتبديد مليارات الدولارات (نحو عشرين مليارا) من أجل شراء أسلحة روسيّة لا فائدة تذكر منها، اللهمّ إلّا إذا كان الأمر يتعلّق بمنافع ما ومصالح شخصيّة وتأكيد لانتماء الجزائر إلى فكر ما قبل انتهاء الحرب الباردة.
في الواقع، كان مفيدا صرف هذه الأموال على الاستثمار في إقامة بنية تحتية أفضل وتوفير فرص عمل للشبان وبعض الرفاه للشعب الجزائري، كي لا تتكرر تجربة «سنوات الجمر» بين 1988 و1999. كذلك، كان يمكن استثمار كلّ هذه المليارات التي مصدرها ارتفاع النفط والغاز، من أجل تحسين المستوى التعليمي في المدارس والجامعات الجزائرية بدل استمرار البحث عن عدو وهمي هو المغرب الذي لا يكنّ للجزائر وشعبها سوى الخير. من يتذكّر أن الملك الحسن الثاني، رحمه الله، كان أول من قام بإرسال مساعدات غذائية وغير غذائية إلى الشعب الجزائري في أعقاب الانتفاضة الشعبية في أكتوبر 1988، وهي انتفاضة عبّرت عن مدى كره الشعب الجزائري للنظام العسكري القائم منذ الانقلاب الذي نفذه العقيد هواري بومدين في العام 1965.
كانت قمّة الجزائر فرصة كي يثبت النظام الجزائري قدرته على التطور والتخلص من أسر عقد الماضي، لكنّه أضاع الفرصة التي سنحت له، وكشفت القمّة حقيقة هذا النظام الذي يسيطر عليه العسكر سيطرة تامة. في هذا المجال، أوضحت مصادر على علم بدقائق ما جرى في القمة وخلالها، أن الرئيس عبد المجيد تبّون كان يتطلع إلى مجيء الملك محمد السادس إلى الجزائر، خصوصا أن مثل هذه الخطوة ستوفّر قيمة للقمة العربيّة وستعطيها معنى، قمة استضافتها الجزائر بعد اضطرار النظام إلى التراجع نهائيا عن فكرة دعوة بشّار الأسد… لكن التعليمات التي صدرت من المجموعة العسكرية إلى تبون منعته من السعي إلى الترحيب بحضور العاهل المغربي . فوق ذلك، لجأ العسكر، مستخدمين الأجهزة الأمنية، إلى مضايقة الوفد المغربي الذي كان موجودا في الجزائر تحضيرا للقمّة، لم يكن التركيز على وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ومساعديه فحسب، بل شملت المضايقات أيضا الوفد الإعلامي المغربي إضافة إلى إعلاميين عرب وأجانب سعوا إلى الحصول على وجهة النظر المغربية.
كانت الطريقة التي تعاملت بها الأجهزة الجزائرية مع الوفد المغربي سابقة في تاريخ الاجتماعات العربية، لكن كان لطريقة التعامل هذه، جانب إيجابي واحد نظرا لأنّها كشفت طبيعة هذا النظام ومدى معاناته من العقدة المغربية، كذلك كشفت إلى أي حد يبدو مستعدا للذهاب عندما يتعلّق بإظهار العداء للمغرب بغية تنفيس الاحتقان الداخلي.
بعد فترة قصيرة من انعقاد القمّة، انصرفت كلّ دولة عربية إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية وكيفية حماية نفسها من المخاطر التي يشهدها العالم، خصوصا في ضوء الحرب الأوكرانية. على العالم العربي، أو العوالم العربية، الاهتمام بما تشهده إيران من تطورات داخلية في غاية الخطورة. من الواضح أنه بات على كل دولة عربية تحترم نفسها، التعاطي مع نظام لا هم لديه غير المضي في مشروعه التوسّعي الذي في أساسه تدمير المؤسسات في هذه الدولة العربية أو تلك، وليس لبنان الذي انهار كلّيا سوى مثال على ما يستطيع المشروع التوسّعي الإيراني عمله.
نجح النظام الجزائري في أمر واحد، وهو جعل اللغة الخشبية تسيطر على أعمال القمّة التي اكتفت بـ»إدانة كل أنواع التدخل في الشؤون العربيّة»، لم تسمّ القمة في البيان الصادر عنها إيران وميليشياتها المنتشرة في أماكن مختلفة من بينها العراق وسوريا ولبنان واليمن.
هل ينجح النظام الجزائري في جعل القمّة التي استضافها نموذجا لما على العرب تفاديه في المستقبل؟ يبدو أن ما حصل خلال القمة وبعدها يوفر جوابا عن هذا السؤال الذي يجعل بلدا مثل المغرب، صاحب حسابات خاصة به تقوم على الدفاع عن نفسه وعن مصالح شعبه، خصوصا بعدما وقف العرب الشرفاء إلى جانبه ودعموا وحدته الترابية وطرحه في ما يخصّ أقاليمه الصحراوية.
من حسنات مرحلة ما بعد قمة الجزائر أنّ هذه الأخيرة كشفت وجود عرب المنطق وعرب اللامنطق، عرب القرن الواحد والعشرين وحقائقه، وعرب الأوهام الذين يرفضون الاستفادة حتّى من تجربة التعاطي مع الاتحاد السوفياتي ثم مع روسيا فلاديمير بوتين التي يتبيّن يوميا إلى أي درجة صارت مرتمية في الحضن الإيراني.

الكاتب : خير الله خير الله - بتاريخ : 30/11/2022

التعليقات مغلقة.