عزاؤنا واحد يا وطني!
زكية حادوش
يوم الأربعاء 24 يناير 2018 نزل الخبر كالصاعقة علينا أنا وأنت يا وطني… انتقل إلى عفو الله البروفيسور مولاي أحمد عراقي.
هل تكفي الكلمات للتعبير عن يُتمنا الآن؟ لا أعتقد أننا نخترعها كلمات قد تفي بالتعبير عن هذا الفقدان ولا قد توفي هذا الرجل حقه.
مولاي أحمد رحمة الله عليه، كما عرفناه أنا وأنت يا وطني، إنسان يختصر رجالاً في رجل واحد: هناك الدكتور مولاي أحمد، أستاذ التشريح الدقيق في كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، العالم الباحث الذي لا يكل ولا يمل من التعلم والتعليم. نعم، نفس الرجل الذي كان يجلس في مكتبه البسيط جدا بين أكوام البحوث وحصيرة قش صغيرة، بينما تستريح دراجته الهوائية من عناء الطريق في زاوية من ذلك المكتب العجيب.
هناك مولاي أحمد رئيس قسم التشريح الدقيق بالمستشفى الجامعي ابن رشد، الذي أنقذ العديد من الأرواح، والذي لولاه والأجل ما كانت والدتي رحمها الله قد عاشت ثمانية سنوات بمرض السرطان الذي شُخِّص لها في مراحله الأخيرة. أنا متأكدة أني لم أعرف سوى القليل من المرضى الذي تدخل مولاي أحمد لإنقاذهم، وغاب عني أضعاف أضعافهم.
هناك مولاي أحمد وزير البيئة في عهد حكومة اليوسفي في نسختها الأولى، أول من كان يحضر إلى العمل قادما يوميا من الدار البيضاء وهو يقود سيارته القديمة بنفسه، الذي يعقد اجتماعاتنا وقت الغذاء المتكون من قطعة خبز مع جبن، أو فاكهة، وماء «سيدي بزبوز». الوزير المتواضع الذي يدون «خطاباته» السابقة لعصرها في دفتر التلميذ ويطلب مراجعتها، دون أي عقدة… الذي تأبط مكنسة وصار يكنس مرآب مقر الوزارة في شارع الأبطال.
ثم هناك مولاي أحمد السياسي، الذي يمارس سياسة الأخلاق وسموها فوق أي اعتبار مادي محض، وسياسة مصلحة الوطن قبل كل شيء، «الكاميكاز» بلغة السياسيين «القافزين»… الذي عَرَف بذكائه الفطري وعلمه المكتسب الاستثنائيين أن السياسة فيك يا وطني ليست فن الممكن بل علم المستحيل واجتراح البديل والاعتماد على النفس.
هناك مولاي أحمد رب الأسرة، الذي تبدأ عائلته بأسرته الصغيرة ولا تنتهي عند أقربائه وأصدقائه، الذي قال في استجواب له إنه سيعيد الزواج من نفس المرأة لو عاد به الزمن إلى الوراء لأنها الوحيدة القادرة على تحمله! تحية لك أيتها السيدة رجاء على صمودك إلى جانب هذا الرجل، وهنيئا لكل من أشرف وأمل وكنزة وحمزة على كونهم أبناءه. أما نحن الأصدقاء فقد كان آخر رب أسرة لنا، وعزاؤنا أننا عرفناه واشتغلنا معه ورافقناه لمدة.
أخيرا، هناك مولاي أحمد أثناء مرضه الذي استمر في الإنتاج وفي الإيمان بأن الحياة هي سلف نقترضه وعلينا أن نرده إلى صاحبه بالفائدة، أي بقيمة مضافة ننتجها في هذه الدنيا، وهذا يلخص الحكمة التي أوتيها.
مولاي أحمد الشريف حقا، لا أودعك لأنك ما زلت معنا بأفكارك الكبيرة وبروحك الطيبة المرحة، أقول لك فقط إلى اللقاء في زمان أحسن ومكان أفضل. أما أنت يا وطني فلَكَ لله… عزاؤنا واحد ورحمنا لله جميعا أحياءً وأمواتاً.
الكاتب : زكية حادوش - بتاريخ : 31/01/2018