عندما تصبح الوطنية والقومية»طواغيت « جديدة في الخطاب الإسلاموي

عبد الله راكز

مصر كموطن أولي نموذجا

 

1/ القطيعة الابستيمولوجية في نظام الخطاب:

لربما كان تضخّم المؤسسة « الدولتية» ونمو نظرتها العنفية، وتعاظم هالتها « الكاريزمية» زمن عبد الناصر، سببا في ردة الفعل التي أنتجت مقولة « الحاكمية» القطبية(نسبة لسيد قطب)، لكن مثل هذا التفسير على أهميته في تلمّس مرجعيته من الإشكالية السياسية المعاصرة، لايتفق مع القول الراجح بكون « الحاكمية» تشكل «قطيعة ابستيمولوجية « في نظام الخطاب، بل هو كان بدءا قطيعة سياسية مع النظام الناصري، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن مقولة « الحاكمية» وهي- ليست نظرية في جميع الأحوال- في أصولها الفكرية الإيديولوجية عند المودودي، لم تنتج عن السياق الهندي كردة فعل ضد القمع الدولتي، بل هي ولدت في السياق الوطني الذي يتأسس على التمايز الديني، فالمرجعية السياقية الواقعية مختلفة، ومع ذلك استعارها»قطب « استعارة انتقامية. ودليل هذا وآيته أن « الحاكمية» تتأسس على مقولة « التكفير» التي يمكن أن يكون لها مبرراتها في السياق الهندي، بهدف التميّز الديني(الوطني)، فإن قطب يلغي هذا السياق الخاص، ويعممه ليكفر أمة يشكل إسلامها ودينها العصب الرئيسي لثقافتها الوطنية.
ولو كان الخطاب « الإخواني « يشكل « نظاما ايبستمياً لما كان من المعقول كردة فعل على القمع ، أن ينتج نظاما ابستمياً في « الجهادية «. والحال، أن القمع الذي مورس عليهم في الزمن الناصري لم يطلهم لوحدهم، بل طال الشيوعيين أيضأ دون أن يُحدث هذه الانعطافات العنفية.

2/ في « ترسيمة» الراديكالية العُنفية:

يجب النظر إلى النص بوصفه ملتقى شبكة من العناصر التكوينية الداخلية والخارجية، في قراءة التحول الإيديولوجي والسياسي للخطاب الإسلاموي، بل أكثر من ذلك بوصفه(=النص) نصا حركيا يتيح قراءة موشومة تسمح بمقاربته من زوايا متعددة، دون أن نُخضعه لقراءة أحادية معصومة. وذلك لاعتبارين اثنين نراهما كالتالي:
1/ لقد كان الإسلام السياسي أطروحة مضادة للشيوعية، ومن تم كان لابد له من أن يحمل كل حمولات هذا العداء على المستوى العالمي والعربي بالتحديد، وهو الشيء الذي يتيح المساءلة، أنه كلما ازدادت الفجوة بين الناصرية ومناخاتها الإخوانية السابقة، تعاظمت لهجة الخطاب الإخواني حدة إزاء الراديكاليات العُنفية التي آل إليها هذا الخطاب في صيغته «الجهادية « ليس إلا. كأداة فعل على الراديكالية الناصرية وثورة يوليو في صياغة « ترسيمتها» المستقلة عن جذورها الإخوانية، بمحتواها الوطني والقومي والفكري والاجتماعي، هذه الترسيمة كانت تبدو في عين الإخوان والسعودية وعين الغرب على أنها تجنح باتجاه الشيوعية(وهذا غير حقيقي بالمرة )، فلا بد إذن من تسعير المواجهة معها، فالمقولات الوطنية والقومية راح الخطاب الإسلاموي يعتبرها «›طواغيت» جديدة، لأنه فقط، يرى فيها اشتقاقات للخطاب اليساري.
2/ ولأن الخطاب « الجهادي» (سليل الخطاب الإخواني ) يرى في الدولة نوعا من « استعمار داخلي ) استوطن جسم الأمة وتولى منهجيا الفتك بذاتها وتقطيع أوصالها الروحية…فقد واجه العقائد التي يعتبرها « شعبوية»(=الناصرية ومثيلها) بعقائد «إسلامانوية» على قياسها ومثالها(حسب تعبير حامد أبو زيد ).
لقد تشكلت الدعوة الإسلاموية/ الجهادية ضدا عن منسوب الوعي الوطني بمضمونه الإسلامي والعروبي، لأنه احتوى(رغم أخطائه وفشالاته ) دينامية حركة واقع كان يسير إلى الأمام، وينفتح على آفاق فكرية وثقافية وسياسية(بالرغم من العوائق والتّعثرات) تتجاوب مع عصرها،هذا الروح العصري كان يتناقض تناحريا بانفتاحه وديناميته الحركية، مع « روح لاهوتي» ساكن، ثابت عند لحظة الوحي، صالح لكل زمان ومكان.

3/ هامش ضروري:

لم تشكل الناصرية امتدادا لتيار العلمنة، بل هي احتضنت متوسط الوعي العام المثقل بميراثه الديني التقليدي المحافظ، لذلك كان صراعها مع التيار الإخواني صراعا على « السلطة» وليس على « العقيدة،ولذلك(أيضا) فإن الراديكالية السياسية الوطنية والتقدمية كلما ازدادت تبلورا ورسوخا، تمرد عليها مضمونها المحافظ، حيث يزداد الخطاب الإسلاموي حدة وعُنفا، وهذا هو الحال بالعالم العربي ومنه المغرب بدون أدنى ريب.

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 12/05/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *