عندما يرتدي الدين عباءة السياسة… سقوط مدوٍّ من القمة

المصطفى عبقري(*)

غالباً ما تبدأ الفصول السياسية الكبرى بوعود براقة وشعارات طنانة، ولكن سرعان ما تتكشف الحقائق على أرض الواقع. عندما يمتطي أحدهم صهوة السياسة متلحفاً بغطاء ديني، ويتمكن من اكتساح البرلمان والوصول إلى أعلى مراتب السلطة التنفيذية، ليصبح أول رئيس حكومة بعد دستور 2011، فإن الأنظار تتجه إليه بترقب حذر وأمل مشوب بشك.
لكن سرعان ما تبدأ التصدعات بالظهور. قرار رفع سن التقاعد في الوظيفة العمومية إلى 63 سنة، في تحد سافر للنقابات والأحزاب السياسية والمجتمع برمته، دون حتى عناء فتح ملف شائك كإفلاس أنظمة التقاعد، كان بمثابة الشرارة الأولى. ثم تلتها قرارات مؤلمة كإزالة الدعم عن المواد الأساسية تحت مسمى «إصلاح صندوق المقاصة»، ليجد المواطن البسيط نفسه في مواجهة مباشرة مع موجة غلاء متصاعدة.
ومع مرور الوقت، بدأت تتكشف ملامح أخرى أقل بهاءً. التعايش مع الفساد والمفسدين تحت شعار «عفا الله عما سلف»، والعفو عن المخالفات الجبائية ومخالفات الصرف، كلها مؤشرات على نهج سياسي يثير الكثير من علامات الاستفهام. وتحرير أسعار المحروقات دون وضع سقف لها، فتح الباب على مصراعيه للفوضى والاحتكار، ليصبح المواطن ضحية تقلبات السوق وجشع البعض.
التناقض الصارخ بين التصريحات الرنانة والانتقادات العلنية، والتعايش مع مداخيل الخمور والتبغ والقمار في الميزانيات السنوية، يكشف عن ازدواجية في الخطاب والممارسة. منع التوظيف في القطاع العام والتشجيع على التعاقد، وفتح الباب على مصراعيه أمام الاستعمال المفرط للخطوط الائتمانية والديون، يضع أعباء ثقيلة على كاهل الأجيال القادمة، ويرهق مستقبل البلاد.
وختاماً، توقيع الحزب على اتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل، بل والدفاع المستميت عن هذا التوقيع، كان بمثابة الصدمة التي أفقدت الكثيرين الثقة المتبقية. وعندما يصل الأمر إلى وصف الخصوم ومن يخالفون الرأي بأوصاف مهينة كـ»الميكروبات» و»الحمير»، فإن هذه التصريحات تعكس حالة من الضعف السياسي والهزيمة الفكرية.
إن هذا المسار المتعرج، المليء بالتناقضات والإخفاقات، لا يمثل فقط نهاية فصل سياسي لشخص أو حزب، بل يمنح مشروعية أكبر لمن يديرون الشأن العام حالياً، ويدق آخر مسمار في نعش مسيرة سياسية كان يمكن أن تكون واعدة.
آن الأوان لتسليم المشعل
إن المسار السياسي الذي وصفناه ليس مجرد قصة فرد أو حزب، بل هو انعكاس لمرحلة تاريخية تتطلب مراجعة عميقة للذات. لقد أثبتت التجارب أن التشبث بالكرسي والسلطة، وتجاهل نبض الشارع وتطلعاته، لا يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والإحباط.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تبرز الحاجة الملحّة إلى ضخ دماء جديدة في شرايين السياسة. إن الشباب والنساء، بطاقاتهم المتجددة ورؤاهم المختلفة، هم الأقدر على قيادة المرحلة القادمة. إنهم يمثلون المستقبل، ويحملون في جعبتهم حلولاً مبتكرة لتحديات معقدة.
إن إفساح المجال أمام هذه الطاقات الشابة والنسائية ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لبناء مغرب الغد. مغرب أكثر عدلاً وإنصافاً، مغرب يواكب تطلعات أبنائه وبناته، مغرب يضع ثقته في قدرة شبابه ونسائه على التغيير والابتكار. لقد آن الأوان لتسليم المشعل، وتمكين الجيل القادم من قيادة سفينة الوطن نحو آفاق أرحب.

(*)فاعل سياسي و جمعوي

الكاتب : المصطفى عبقري(*) - بتاريخ : 06/05/2025