عن السلفية ك«أدلوجة» بورجوازية

عبد الله راكز

 

1/ الانحياز في الصياغة النظرية وبها:
كان شكل الانحياز لجهة الأيديولوجيا البورجوازية أثناء عملية صياغة «أدلوجة» سلفية يتم اعتمادا -وأساسا- على التالي:
أ- كون هذا الانحياز يَقي الفكر السلفي من»مكروب أي تيار إلحادي(=شيوعي في التعبير السلفي) يمكن أن يَضُرّ به ويُفقده غالبية قواعده البورجوازية الصغيرة المُسخّرة تحت غطاء الدين(وقد فقدها بالفعل في السنوات الأخيرة بِفِعْل انكشاف أيديولوجيته الزائفة).
ب- ثم لكون هذا الانحياز كذلك، يمكّنه من النظر إلى/وفي مجموعة من المُشْكليات العصرية التي ليس لها بأي حال من الأحوال، أي موقع بتنظيراته، وبالتالي، يصعب عليه تلمّسها واستيعابها، أو على الأقل، إيجاد تفسير لها.
ج- وهذا دون الخروج عن الأرضية العامة التي هي المنظومة السلفية، في حين دون فقدان المصالح الحيوية البورجوازية التي يخدمها هذا الفكر واجتهاداته. هذه الصفات رافقت الفكر السلفي خلال مسيرته، وخصوصا في السنوات الأخيرة، بل برزت بوضوح بموجب الصراع الاجتماعي/الفكري داخل المجتمع. وهذا كله(وهو واضح) على اعتبار الفكر السلفي إيديولوجية بورجوازية وليست دينية(كما يزعم ذلك منظرو هذا الفكر قصد مقارعة كل من يجرؤ على مقارعتهم أو مناقشتهم على الأقل )..وأن، وبتعبير مهدي عامل «الايديولوجية البورجوازية ليست دينية برغم كون الايديولوجيا الدينية تيارا منها(مهدي عامل: مدخل إلى نقض الفكر الطائفي) وبرغم «كون الطبقة البورجوازية تستخدم هذه الإيديولوجيا بالذات في ممارسة صراعها الطبقي «…
لذلك لم يكن من الصعب على الفكر السلفي إيجاد صيغة (على الأقل) في نفس السياق المذكور، وكمدخل للمشاركة في الحياة السياسية، لمسألتي الفرد/الحرية والمؤسسات/الديموقراطية، صيغة تتخذ فيها المسألة الأولى مضمونا ليبيراليا في أحسن الحالات المتقدمة، في حين تتخذ فيها المسألة الثانية مضمونا ليبراليا فجّا بالمرّة (وهذا أساسي أيضا لدعاة التنوير؟).
2/الحرية كمبحث فلسفي «سلفي»؟؟
لم تأخذ مسألة الحرية في التفكير السلفي القسط الذي تستحقه من البحث عن أصلها-معانيها ومُحدّداتها- أي خلاصة الأمر، لم توضع هذه المسألة في إطار بحثٍ فلسفي، بقدر ما أُدرجت في سياق دعوة أخلاقية، كما كان الشأن حتى بالنسبة للرواد الأوائل: م حمد عبده، الكواكبي، خير الدين التونسي…. الشيء الذي أدى بهم إلى قطع حبل الوصال والاتصال مع الفكر التقليدي/الإسلامي على حد تعبير عبد الله العروي:»والتحاقهم بالفكر الليبيرالي الذي يتميز بحصره مشكلة الحرية في إطارها السياسي/الاجتماعي..» لاغير.(انظر العروي في مفهوم الحرية ).
ثم إن هذه الظاهرة-إذا أمكن القول- لم تكن عابرة، بقدر ما كانت لها تأثيرات واسعة، خصوصا على مسألة التنظيم في المجتمع الإسلامي، وعبر تحديد منهاج الحكم الذي هو»الشورى والعدل وما إليها(مقاصد الشريعة-علال الفاسي)، كل ذلك عبر الاعتماد على «التّأويل « كضرورة ملحّة. هذه المسألة تتجلى بوضوح-مثلا- عندما يستعرض علال الفاسي قول رشيد رضا القائل ب»ن أولي الأمر معناه أصحاب أمر الأمة في حكمها وإدارة مصالحها، وهو المشار في قوله تعالى: وأمرهم شورى بينهم ولايمكن أن يكون بين جميع أفراد الأمة «، ليرى فيه من جديد وحسب اجتهاده(أي علال)أن السلطة للأمة، بحيث هي التي تتولى تعيين أهل الحل والعقد منها بالطريقة التي تقتضيها التطورات الاجتماعية والاقتصادية وذلك بمُقتضى شرعي» (مقاصد الشريعة ).
ما يُلاحظ ضمنا هنا وبشكل جلي، هو كون القولة»وأمرهم شورى بينهم» تتعرض لتأويل التّأويل، تأويل رشيد رضا لها وفق المنطوق السلفي الأصولي، ثم تأويل علال الفاسي لها وفق المنطوق السلفي التّجديدي (= السلفية الوطنية). بيد أن ماهو أساسي في هذا، هو كون الثاني يُبرز مسألة القطيعة مع الفكر التقليدي/السلفي،عبر الالتفاف على فعالية تأثير قانون التطور الاجتماعي/الاقتصادي، وهو ما يؤدي غالبا بالفكر السلفي إلى اللحاق بالفكر الغربي الليبرالي عبر اعتماد الخلط الفكري مابين الديموقراطية في شكلها الغربي الليبيرالي والشورى. وفق معايير واضحة يقتضيها صوغ «أدلوجة سلفية» نظريا، وترتيب أدوات فعلها ب «التعادلية» على أرض الواقع عيْنياً.

الكاتب : عبد الله راكز - بتاريخ : 31/08/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *