عن ملتمس الرقابة… وعن بعض من يتهرب من مسؤوليته

عمر أعنان(*)

تابعت كما تابع كثير من المغاربة ما أثير حول مداخلة رئيس الفريق الاشتراكي عبد الرحيم شهيد في برنامج «نقطة إلى السطر»، بث بالقناة الأولى بتاريخ 27 ماي 2025، وما تلاها من ردود فعل انفعالية تجاوزت حدود اللباقة السياسية، لتحوّل النقاش الديمقراطي حول ملتمس الرقابة إلى تراشق لفظي وتجريح شخصي لا يليق بالفاعلين في مؤسسة تشريعية من المفترض أن تكون قدوة في النقاش المسؤول.
ولأن المقال الأخير، الذي نُشر رداً على المداخلة، جاء مليئاً بالاتهامات العشوائية والانزلاقات الأخلاقية، وجب التوضيح والتصويب، لا دفاعاً عن شخص أو حزب، بل عن القيم التي نؤمن بها في العمل السياسي النبيل.

حين يصبح النقاش السياسي تفريغاً للغضب

ما ورد في المقال من عبارات مثل «الهرطقة»، «التبعية العمياء»، «الحقد الأيديولوجي»، و»البحث عن الكنز»، لا تمت بأي صلة إلى لغة السياسة الرصينة، ولا إلى النقد المشروع الذي يُفترض أن يُمارَس ضمن سقف الاحترام المتبادل.
الأخطر أن صاحب المقال أراد تسويق صورة أن رئيس الفريق الاشتراكي خرج عن جادة الصواب لأنه تحدث بصراحة ووضوح عن تردد بعض أطراف المعارضة في تفعيل ملتمس الرقابة، مع العلم أن الفريق الاشتراكي كان أول من بادر بطرح هذه الفكرة منذ أواخر 2023، وأدرجها الحزب رسمياً ضمن وثائقه أمام مؤتمره الوطني.

ملتمس الرقابة: التزام لا مناورة

خلافاً لما تم الترويج له، فإن الفريق الاشتراكي لم يتراجع عن أي التزام. لقد شارك في كل الاجتماعات، واقترح مسودة المذكرة، وشرع فعلياً في تعبئة التوقيعات. غير أن بعض الفرق، بدل المضي قدماً في التنسيق المشترك، انخرطت في تبرير التأجيل، والتشكيك، والتشويش الإعلامي، والإغراق في الشكليات.
لقد تم التوافق يوم 4 ماي، كما جاء في المقال، ولكن ما لم يُذكر هو أن الفريق الاشتراكي كان الطرف الأكثر وضوحاً في دفع المبادرة إلى الأمام، بينما البعض الآخر اختار الحسابات الضيقة، والنقاشات الثانوية، والتردد المتكرر، مما أفقد ملتمس الرقابة زخمه.

الإعلام العمومي ليس حلبة تصفية حسابات

اتهام القناة الأولى بأنها «وضعت برنامجها رهن إشارة حزب سياسي» ليس إلا محاولة لإسكات صوت المعارضة. فهل يُطلب من القناة الأولى أن ترفض استضافة رئيس فريق نيابي فقط لأنه يعبّر عن موقف لا يروق لطرف سياسي معيّن؟ إن المطالبة بحق الرد مكفولة قانوناً، ولكن لا يجب أن تتحول إلى محاولة لفرض وصاية على الإعلام العمومي أو تحييده وفق الأهواء.

الاختلاف السياسي لا يبرر التشهير

أن يُتهم عبد الرحيم شهيد بعدم الاستقلالية والبحث عن مصالح شخصية، فذلك افتراء لا يعكس إلا عجزاً عن مواجهة الموقف السياسي بموقف سياسي، وردّ الحجة بالحجة.
والأدهى أن يُشوّه الاتحاد الاشتراكي وقيادته الوطنية، ويُختزل تاريخه في عبارات من قبيل «حزب العائلات»، بينما يعلم القاصي والداني أن هذا الحزب خاض أعقد معارك الإصلاح والديمقراطية في المغرب، ويدفع اليوم ثمن مواقفه المستقلة، لا ثمن تقلباته.

خاتمة: عن أخلاقيات السياسة
إن السياسة ليست خصومة دائمة، وليست صراعاً وجودياً. هي فن الاقتراح، وحسن التدبير، ومسؤولية الكلمة. والفريق الاشتراكي لم يمارس إلا حقه في مساءلة الحكومة، وفي التعبير عن خيبة أمله من انسحاب بعض «الشركاء» من معركة رقابية كان يمكن أن تعيد للمعارضة اعتبارها، لو أن النوايا كانت صادقة.
وإذا كان ملتمس الرقابة قد أثار كل هذه الهزات، فذلك دليل على أنه كان مبادرة حقيقية، جادة، ومزعجة للبعض. لكننا في الاتحاد الاشتراكي نعتبر أن «الإزعاج الجاد» جزء من رسالتنا، وأننا لن نحيد عن هذا النهج، ما دام في البلاد مواطنون ينتظرون منا الوضوح، والموقف، والمعقول.

(*)نائب برلماني وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

 

الكاتب : عمر أعنان(*) - بتاريخ : 02/06/2025