غياب الشعور بوجود العنصرية يبقى أخطر من انتشارها

لحبيب شباط

جل المجتمعات الغربية خرجت إلى الشوارع، رغم الحجر الصحي المفروض منذ شهور بسبب جائحة كورونا، للتعبير عن رفضها الكامل لما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية من مس ممنهج لحقوق السود من طرف شريحة مهمة من الأمريكيين، ورفع المتظاهرون أصواتهم احتجاجا وغضبا ضد وفاة المواطن جورس فلويد على يد شرطي أمريكي أبيض منددين بالطرق البشعة التي تستعملها الشرطة ضد الموقوفين السود،  مع المطالبة بمنع تلك الممارسات بشكل جذري وسحبها من القوانين.
هذا التعاطف الغربي ينبع من خوف لدى المحتجين من أن ما يحدث الآن في أمريكا قد يعود ويتكرر في بعض الدول الأوروبية، فجل هذه الدول ليست أحسن حالا في طريقة تعاملها مع الأقليات، سواء أكانوا أصليين كالغجر أم كانوا من أصل أجنبي، خصوصا من شمال إفريقيا، فهي ليست محصنة بتاتا ضد الشطط في استعمال السلطة إلى حد العنف الممنهج في بعض الحالات.
وكمثال على ذلك نذكر موت الشاب من أصل مالي ادما طراوري في مخفر للشرطة بفرنسا في 2016، الذي مازال غامضا لحد الآن، كما يبقى موت الشاب المغربي إلياس الطاهري في مركز إيواء القاصرين بألميريا، غامضا بدوره أوأقل ما يمكن أن يقال عنه، إنه تم طمس الوقائع الحقيقية من طرف المسؤولين عن المركز، من أجل الإفلات من العقوبة الحبسية.
لكن ما موقع الشعوب العربية مما يدور الآن حول التمييز العنصري في أمريكا أو أوروبا؟

رأينا ردودا استنكارية جد محتشمة عبر ربوع العالم العربي، كما لو أن الشعوب العربية في صدد مشاهدة فيلم آخر غير الذي نشاهده في الدول الغربية، و لما يحصل في أمريكا، أو كما لو أنهم يتابعون الأخبار عبر قناة «فوكس» الأمريكية اليمينية التي تنعت السود بأنهم لا يصلحون لشيء ولم يقدموا شيئا مفيدا لأمريكا. لا أعتقد أن يكون هذا سببا في هذا الرد العربي البارد، فشعوبنا العربية تتعايش مع مختلف أشكال العنصرية، والخطير في الأمر أننا لا نستطيع الكشف عنها أو الحد منها، لا أحد منا ينكر النعوتات القبيحة الموجودة في لغتنا العامية لذوي البشرة الداكنة، فجولة قصيرة في أزقتنا وشوارعنا سندرك من خلالها حجم الكلمات القدحية لوصف السود ك» عزي « أو «حرطاني «، كما نتعايش مع عنصرية ذات صبغة سوسيولوجيا، أبطالها سكان المدن تجاه سكان البوادي، أوعنصرية تجاه التجار الأمازيغ، ناهيك عن العنصرية الجنسية للرجل العربي الذي يشعر ويؤمن بتفوقه على الأنثى وكذلك الازدراء لذوي الإعاقات.
إنها عنصرية متجذرة في عقليتنا لم تستطع مناهجنا التعليمية أو خطبنا الدينية، ولا وسائل إعلامنا الرسمية أو غير الرسمية، وضع حد لها ولهذا المرض الاجتماعي الذي يقف عقبة أمام بناء مجتمع مبني على الاحترام المتبادل بين جميع مكوناته دون النظر إلى لون البشرة واللغة أو العقيدة.
جل وسائل الإعلام في المغرب تتحدث، الآن، عن قضية وفاة الشاب إلياس الطاهري، وأصبحت تحاسب إسبانيا على عدم احترام حقوق الإنسان للأطفال المغاربة غير المرفقين الذين تم التخلي عنهم في الأصل، وتتكفل إسبانيا بإيوائهم ورعايتهم عن طريق شبكة من الجمعيات مدعومة من الحكومات الجهوية أوالمركزية، إننا نحس بالعنصرية ونتحدث عنها فقط عندما تمارس على المغاربة من طرف دول أجنبية لكن متى سنتحدث بجدية عن عنصريتنا المحلية؟

 

*كاتب عام الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني لامبريتي، إشبيلية

الكاتب : لحبيب شباط - بتاريخ : 18/08/2020