غيتو وارسو في غزة
حمادة فراعنة
تعلم الصهاينة وسائل الموت النازية المعادية للشعوب الأوروبية ، ومن ضمنهم الطوائف اليهودية التي تعرضت مثل أغلبية الأوروبيين ، لأبشع أنواع التعذيب والحرق غير الإنساني ، قبل وخلال الحرب العالمية الثانية التي خلّفت خمسين مليون ضحية من البشر، ودمار عدد من المدن على مساحة أوروبا التي شملها ووصلتها الحرب على خلفية التطرف والإستعلاء والعداء للأخر .
والصهاينة بدلاً من أن يدركوا معنى الدمار والخراب وقتل الأخر وعدم الإقرار بوجوده والتسليم بشراكته، وتحاشي أثاره ويُنجوا شعبهم ويلات تبعاته وتداعياته ، تعلموا من النازيين والفاشيين كيفية كره الأخر وتدميره ، وتعقب حياته ومطاردته، فمارسوا القهر والأذلال للشعب العربي الفلسطيني، عبر سلسلة المجازر التي شملت العديد من أهالي القرى العربية الفلسطينية قبل وخلال عام 1948 وفي طليعتها دير ياسين في مثل هذه الأيام، وما بعدها، ولازالوا، وتكثفت نحو أهالي قطاع غزة، خاصة بعد أن أجبر الفلسطينيون عبر ضرباتهم الموجعة، أجبروا شارون على رحيل قواته الإحتلالية عن قطاع غزة بعد أن أزال المستوطنات وفكفك قواعد جيش الإحتلال عام 2005 .
تنفس أهالي قطاع غزة الهواء النقي وشمروا عن سواعدهم بعد عام 2005، لإعادة بناء بلدهم التي حرموا من التمتع بخيراتها، وجرت الإنتخابات كي يعيشوا في ظل إدارة منتخبة لعلها تُعيد لهم ما فقدوه، وإختار الأغلبية منهم حركة حماس لما قدمت من تضحيات ولعلها تتفوق على إدارة حركة فتح التي لم يسعفها الحال كي تكون كما كان الرهان عليها، ولكن أهل غزة بدلاً من أن يتمتعوا بما هو أفضل وكما يستحقون وقعوا في شر خيارهم إذ تبين أن حركة الإخوان المسلمين وأداتها حركة حماس لا تتبع قيم الديمقراطية ولا تؤمن بقاعدة الشراكة ، ونهجها التسلط والتفرد والأستحواذ على السلطة مهما كانت الكلفة وتدني مستوى الخدمات ، وهكذا هرب فلسطينيو أهل القطاع من تحت الدلف ليقعوا فريسة المزراب الحمساوي اللعين المتشبث بتفاصيل مؤسسات القرار ، وزاد الأمر تعقيداً وسوءاً وإنحداراً الحصار الخانق للحياة الذي فرضته قوات الإحتلال براً وبحراً وجواً على قطاع غزة أفقدهم الصلة مع الحياة والعالم الخارجي وباتوا في غيتو شبيه لغيتوات النازيين، ولم تتوقف إجراءات الحصار عند هذا الحد، بل تم تجاوز ذلك عبر سلسلة هجمات برية وجوية نالت من بيوت الأمنين عبر ثلاثة حروب متتالية شنتها قوات الإحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة 2008 و2012 و2014، جعلت من قطاع غزة منطقة منكوبة غير مؤهلة للحياة الطبيعية، فاقدة للإنتاج، بلا مياه صالحة للشرب وسلطة تفتقد لمقومات الأهلية والشراكة وإحترام الأخر.
ويتبين أن السلطة المحلية لا تقل سوءاً عن العدو الأجنبي قسوة في عدم إحترامها لإنسانية الإنسان، ودلالة ذلك ما تفعله داعش والقاعدة بالمناطق التي تسيطر عليها وتتحكم بها، وكل منهم يدعي أن السماء هي التي وهبتهم السلطة، وأقرت ضرورة الحفاظ عليها، وتصفية من يسعى للمس بها أو تغييرها ، وحركة حماس تحذو حذوهم في التسلط والتفرد وإدعاء الوعد السماوي.
أهل غزة خرجوا عشرات الألاف يوم السبت 8/4/2017، وتحول إلى يوم مشهود سيكون تاريخياً إن تواصل ضد المثلث الذي لا يوفر لهم الكرامة ويصادر حقهم في الحياة، فهم ينتفضون ضد حصار الإحتلال لأنه عدوهم وأصل البلاء ، وضد إنقلاب حماس سبب الإنحدار، وضد رئاسة فتح التي ترتكب الغباءات السياسية ضد حالها وضد قواعدها وضد شعبها.
المثلث يعاقب شعب فلسطين، وعليه أن يستعيد زمام المبادرة الكفاحية كي يتخلص من تسلط الإحتلال وسوء إدارة حماس، وسوء خيارات قيادة فتح، وأعان لله أهل غزة على ما هم فيه من قهر وجوع وفقدان الأمل.
الكاتب : حمادة فراعنة - بتاريخ : 12/04/2017