فلسفة خطاب 20 غشت 2021 العميقة

الصافي مومن علي

قال جلالة الملك محمد السادس في الخطاب السامي الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ما يلي :
(المغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل.)
هذه المقولة العميقة، وقع بشأنها اختلاف فكري في فهم مضمون فكرتها الأساسية، بسبب وقوع الاكتفاء بربط الهوية الأمازيغية بالدولة المغربية القديمة فقط، أي بالدول التي كانت قائمة قبل اعتناق المغاربة للإسلام، من دون ربطها كذلك، بنفس الدولة المغربية الوسطى، والحديثة، أي المتواجدة تحديدا في فترة اثنى عشر قرنا الأخيرة ، ذلك أن هذا الاختلاف جعل البعض يعتقد أن المقولة استثنت دولة 12 قرنا الأخيرة من حملها للصفة الأمازيغية، ما يشكل حسب نظرها تراجع نظامنا الرسمي عن مشروع التصالح مع الذات والتاريخ الأمازيغيين، وتشبثه بالتالي بإيديولوجية الفكرالعربي، الراسخة في الأذهان.
في حين أن البعض الآخر استبشر بالخطاب، لما ينم عنه من إقرار مؤسستنا الملكية بوجود دولة عريقة لدى المغارية، في فترة ما قبل الإسلام، هذا الإقرار الفريد ، الذي لم يحدث قط مثله ، من قبل ، لاعتقاد الجميع تقريبا بانتفاء وجود أية دولة في المغرب، في هذه الفترة، والاعتقاد كذلك بأن المغارية خلالها كانوا يحيون حياة بدائية ، يسكنون فيها الكهوف، ويلبسون الصوف، ويحلقون الرؤوس.
وفي تقديري فإن التأويل الأول للخطاب لم يكن مقنعا، ومريحا معرفيا، لعلة أن عدم ربط لفظة “ الأمازيغي “ بالدولة المغربية القائمة خلال فترة 12 قرنا الأخيرة ، لا ينهض دليلا حاسما على نفي الهوية الأمازيغية، عن هذه الدولة .
كما أن التأويل الثاني بدوره غير مقنع أيضا، لأنه – والحال أنه ثبت ربط لفظة الامازيغي بالدولة المغربية القديمة فقط – فإن ثبوت الإقرار الرسمي بوجود الدولة، في المغرب قبل الإسلام ، على الرغم مما فيه من فرادة ومن شجاعة، لا يقوم حجة على اتصاف الدولة المغربية في فترة اثنى عشر قرنا الأخيرة، بالهوية الأمازيغية، نظرا لعدم تقديم هذا التأويل أي تعليل على هذا الاتصاف.
ومن الأكيد ان هذا الاختلاف لم ينشأ – كما قال الفيلسوف ديكارت – عن كون أصحاب الرأي الأول، أعقل من أصحاب الرأي الثاني، أو العكس، بل نشأ لرؤية كل واحد منهما مقولة الخطاب، من زاوية جزئية مختلفة، أحدهما ركز نظره فقط، على الدولة المغربية الوسطى، والحديثة، غيرالمقرونة بلفظ الأمازيغي ، والآخر ركزه على الدولة المغربية القديمة المقرونة بهذا اللفظ.
وهكذا فإنه أمام ثبوت خفاء جوهر فكرة المقولة، لعدم ظهوره بشكل مباشر وتلقائي، بدليل ما رأيناه من الاختلاف في إدراك مضمونه ، فان المطلوب في نظري ، لكشف حقيقته، هو النظر إلى المقولة، ككل ، مركب ، ثم القيام بتحليل هذا الكل وتقسيمه ، لرده الى أجزائه البسيطة، وبعد الإحاطة بجميع هذه الأجزاء، نقوم حينئد بتركيبها تركيبا منطقيا ، لنصل به في النهاية إلى جوهر المقولة الواضح والمتميز.
اذن ، يمكن القول إن الوحدة الكلية المركبة للمقولة، هي كالآتي :
( المغرب ، دولة عريقة ، تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا ، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل.)
فالمقصود ب : المغرب طبعا ، ليس هو الأرض الجامدة ، غير العاقلة ، التي لا يمكنها طبيعيا أن تصنع ، أو تؤسس أية دولة، وإنما المقصود به هو شعب المغرب ، ككيان ، وكذات حرة ، مستقلة ، ومتميزة عن غيرها من الشعوب الأخرى.
ومن العجيب في الأمر، أن المقولة بعد أن تحدثت عن : المغرب، بصيغة المفرد الواحد، وليس بصيغة الجمع، تأكيدا لفكرة وجوده ككيان مستقل، فقد تحدثت عن دوله الكثيرة والمتعددة، بصيغة المفرد كذلك، حيث وحدتها جميعها في دولة واحدة مفردة، لتأكيد وحدة لحمتها، وكذا وحدة انتسابها إلى المغرب العريق، ثم الأهم من هذا تأكيد وحدة تاريخ هذه الدولة المغربية، منذ انطلاقها من أعماق التاريخ القديم الطويل الأمد، لتمتد في فترة الاثنى عشر قرنا الأخيرة، ثم لتستمر في الوجود بطبيعة الحال في آفاق المستقبل إلى نهاية الكون.
هذا ، ومما يستفاد من المقولة كذلك، أن ذلك المغرب الذي صنع دولته القديمة، المتصفة بهويته الأمازيغية الأصلية، هو نفسه الذي صنع الدولة الوسطى، والحديثة في فترة اثني عشر قرنا الأخيرة، من منطلق عدم ذكر المقولة، وجود أي عنصر أجنبي كيفما كان، يكون قد تقاسم مع الشعب المغربي أرض وطنه، أو تقاسم معه تأسيس دوله وامبراطورياته الخاصة ، ما يعني أن المغرب كان ولا يزال ، هو المالك الوحيد لسيادته على وطنه، ثم أنه أيضا ، كان ولا يزال، هو الفاعل الوحيد الأوحد، في تقرير مصيره.
إذن، بعد هذه الإحاطة بمختلف الأجزاء البسيطة للمقولة، ثم بعد تركيب هذه الأجزاء في قالب منطقي معقول، نستنتج ما يلي:
أن عدم عدم قيام المقولة بربطها الدولة المغربية الوسطى والحديثة بلفظ : الأمازبغي لا ينفي عن هذه الدولة هويتها الأمازيغية، طالما ثبت أن المغرب المشهود بأصالته الأمازيغية العريقة ، هو من صنع هذه الدولة، من دون أن يثبت وجود أي عنصر أجنبي، في أي لحظة من التاريخ، تقاسم معه وطنه ، أو أيضا تقاسم معه حيازة أية دولة منشأة.
أنه لما ثبت انتساب الدولة المغربية إلى المغرب – الأمازيغي الهوية – وذلك في جميع مراحل تاريخها، القديم، والأوسط، والحديث ، فإننا ندرك بالبداهة ، وبالحس المنطقي السليم ، أن كل دوله وإمبراطورياته بدون استثناء، تتصف بدورها بهويته الأمازيغية ، سواء وقع ذكرهذه الهوية بشكل صريح ، كما فعلت المقولة بالنسبة إلى الدولة القديمة، أو وقع بشكل ضمني ، كما فعلت بالنسبة للدولة الوسطى والحديثة.
لهذه الأسباب أعتبر أن الخطاب الملكي السامي المذكور يشكل تقدما كبيرا في الوعي بالذات المغربية، أو بالأحرى الوعي بالذات الأمازيغية، على اعتبار أن الذاتين معا، لهما معنى واحد، لا يفترقان إلا في الاسم. فالمغربي هو الأمازيغي والعكس صحيح.
والحضارة المغربية هي الحضارة الأمازيغية ، والعكس صحيح أيضا.
ثم إن الأرض المغربية هي الأرض الأمازيغية، وكذلك العكس صحيح.

الكاتب : الصافي مومن علي - بتاريخ : 09/09/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *