في أسباب التوتر بين المغرب والجزائر بسبب تأجيل المصادقة على ترسيم الحدود

كوبنهاكن الدنمارك: حيمري البشير

 

لم يتآمر المغرب ملكا وحكومة وشعبا  على الجزائر ولا دول المغرب العربي الأخرى. المغرب عنوان حضارة عمرها أكثر من أربعة عشر قرنا. المغرب عبر قرون طويلة كان لها امتداد روحي مع إفريقيا. المغرب عبر التاريخ كانت أرضا للتسامح والتعايش. المغرب عانى من الاستعمار الفرنسي  والكل يعلم أن معركة إيسلي سنة 1844، كانت دعما من المغرب للمقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر أمام  الجيش الفرنسي.
فرنسا التي زحفت على باقي الأراضي المغربية انضمت إليها القوات الإسبانية  التي احتلت مدن شمال المغرب باستثناء طنجة التي كانت منطقة جذب دولية.
إذا الشر جاءنا من الشرق والشمال. والاحتلال الفرنسي  والإسباني وجد مقاومة شرسة في المغرب، ومعركة أنوال التي قادها البطل عبد الكريم الخطابي كانت مثالا للمقاومة التي استعمل فيها الجيشان الفرنسي والإسباني الغازات السامة.
حركة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني  كانت قوية وانطلاقتها الحقيقية كانت من جبال بني يزناسن، والتي احتضنت كذلك قيادات جبهة التحرير الوطني الجزائري  ونلسون مانديلا .
ومن الزعماء التاريخين لثورة المليون ونصف شهيد  الذين يحتفظ لهم سكان المنطقة الشرقية بذكريات خالدة القادةالجزائريون   الذين  حكموا الجزائر بعد الاستقلال  وكافأوا المغاربة على موقفهم الداعم للثورة  بالتآمر على المملكة الشريفة وعلى الشعب المغربي  مباشرة بعد حصولهم على الاستقلال سنة 1962، حيث شنوا حربا على المغرب كان من أسبابها مشاكل الحدود في الجهة الشرقية والتي خلفها الاستعمار الفرنسي، الذي كان يطمع في البقاء في الجزائر، فترك بؤرة توتر لازالت قائمة حتى الآن في الصحراء الشرقية، بسبب عدم ترسيم الحدود بين البلدين.
ولعل من الزعماء الجزائريين  الذين يتحملون كامل المسؤولية في استمرار العداء والتآمر على المغرب القادة التالية أسماؤهم أحمد بن بلة  الذي ينحدر من أصول مغربية، وهو من مواليد مدينة مغنية الحدودية، وهواري بومدين الملقب ببوخروبة وعبد العزيز   بوتفليقة الذي درس في ثانوية عبد المؤمن بوجدة، وأحمد بوضياف  الذي عاش في المغرب لأكثر من ثلاثين سنة قبل أن يستدرجه الجيش لوقف التغيير الإسلامي في الجزائر ، وقاد مسلسل الحوار تم اغتياله. ولعل من أسباب الاغتيال تبنيه سياسة مصالحة ورد الجميل للملكة المغربية، بما قامت به في دعم الثورة الجزائرية ، وحسين آيت أحمد القيادي الأمازيغي الذي عاش طوال حياته في المنفى بسويسرا.
المغرب ملكا وحكومة وشعبا لم يتآمر  يوما على الجزائر ولا على شعوب المغرب العربي، كما تآمرت عليه الجزائر وليبيا اللتان صنعتا ودعمتا البوليساريو. المغرب وقف بجانب تونس عندما تعرضت منطقة قفصة لهجوم من طرف الجزائر والنظام الليبي والعاهل الرحل الحسن الثاني كان واضحا وفضح المؤامرة أمام العالم وقال بصريح العبارة تونس خط أحمر. المغرب تعرض للتآمر من طرف الجزائر  منذ قرر استرجاع الأقاليم الجنوبية بفضل المسيرة الخضراء إذ طرد خمسة وأربعون ألف مغربي من الجزائر يوم عيد الأضحى وحرمهتم الدولة الجزائرية من جميع ممتلكاتهم  لحد الساعة، ولم يعتذر النظام العسكري  للجريمة التي ارتكبها عندما فرق بين الزوج والزوجة، وترك سكان المنطقة الشرقية يعيشون قطيعة وعداء في حين يجمعهم الدم والدين واللغة.
المؤامرات لازالت مستمرة والحدود مغلقة والحكام يصرون على ربط فتح الحدود بالاعتذار للشعب الجزائري على فرض التأشيرة في الوقت  الذي كان عليهم الاعتذار لما ارتكبه بومدين سنة1975بطرده خمسة وأربعين ألف مغربي ومغربية من الجزائر  وضرورة إعادة ممتلكاتهم .
سلوك النظام  الحالي لا يختلف عن سلوك من سبقوه فهو مستمر في استفزاز المغرب وعدم احترام المعاهدات والاتفاقيات المبرمة  واعتداءاته مع كامل الأسف، متوالية كلما حقق المغرب إنجازات دبلوماسية .
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تنزع فيها الجزائر حق الاستغلال الأراضي من المغاربة؛ فخلال عام 1983، منع جنود جزائريون المغاربة من استغلال منجم للملح بالقرب من قرية زاوية الحجوي الحدودية، التابعة لقيادة بوعنان في إقليم فكيك.
وهكذا منعت السلطات الجزائرية أهل زاوية الحجوي بقيادة بوعنان من استغلالِ آبار الملح، التي دأبوا على العمل فيها بوادي “زلمو”، ويطلق عليه سكان المنطقة وادي “قير”، ويبلغ طول مجراه حوالي 600 كيلومتر؛ حيث يلتقي هذا الأخير بوادي “الساورة” بمنطقة “اقلي” الجزائرية.
كما صادرت السلطات الجزائرية المساكن والمزارع وأشجار النخيل التي وجدت على الضفة الشرقية للوادي، بدعوى أنها تمثل “الحدود الطبيعية الفاصلة بين الجزائر والمغرب”.
وكان منجم الملح الذي صادرته السلطات الجزائرية مصدر عيش الساكنة المحلية، التي أصبحت بدون معيل في ظل صعوبة المناخ الصحراوي الجاف؛ بينما دفع الوضع الجديد سكان المنطقة إلى الهجرة وترك أرض الأجداد.
كما أن الرحل المنتشرين في المنطقة الحدودية يعيشون المعاناة نفسها، حيث إذا تاهت المواشي والإبل، فيستحيل استرجاعها بالمقابل، وتجنبا لأي مواجهة مباشرة مع الجزائريين، قامت السلطات العسكرية المغربية ببناء جدار أمني حدودي يفصل التراب المغربي عن التراب الجزائري  وعودة لسياسة الاستفزاز لعسكر الجزائر الذي يسعى بشتى الطرق إلهاء الحراك الذي صمم على إسقاط النظام والمطالبة بحكومة مدنية لا عسكرية، بفتح ملف الحدود والتذرع بتشديد المراقبة بحجة وضع حد لتسرب المخدرات والزطلة ،يقومون بالتطاول على واحات استثمر فيها ساكنة المنطقة لسنين طويلة، ويعتبرونها أراضي مغربية  ويتساءلون لماذا لم تتحرك الجزائر لوقف أنشطة ملاكي هذه الأراضي لأكثر من ثلاثين سنة؟ ولماذا اليوم بالذات، ويؤكدون أنهم ذهبوا ضحية نظام عسكري  فاشل  لم يقو على الضربات التي تلقاها من المملكة المغربية بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ذلك أن توجيه أوامرهم لملاكي واحات العرجة بالمغادرة يراها العديد من المتتبعين محاولة للنظام للتخفيف من ضغط الحراك بخلق صراع مع المغرب.
هل  حقيقة أن واحة العرجة.. أرض مغربية اقتطعها الاستعمار الفرنسي من المملكة و»أهدتها» معاهدة الحدود للجزائرز
إن الاتفاقية التي تعتمد عليها الجزائر جرى عقدها بين الملك الراحل الحسن الثاني وهواري بومدين بصفته رئيسا لمجلس الثورة ورئيس مجلس الوزراء للجمهورية الجزائرية، ووقعها عن الجانب المغربي أحمد بن هيمة، بصفته وزيرا للشؤون الخارجية، أما عن الجانب الجزائري فوقعها عبد العزيز بوتفليقة، بصفته عضوا في مجلس الثورة ووزيرا للخارجية، وهي وإن كانت تعود لسنة 1972 فإن البرلمان المغربي لم يصادق عليها إلا في 28 ماي 1992 ونُشرت في العدد 4156 من الجريدة الرسمية بتاريخ 24 يونيو من العام نفسه.
والفقرة التي تستند إليها الجزائر لضم أراضي واحة «العرجة» هي التي تنص على التالي: «وتسير (الحدود) عبر خط القمم مارة بالنقطة المرقومة 1544 . 1026، (جبل ملياس) وتمر بعد ذلك بخط القمم على المرتفعات التي تفصل واحات بني ونيف وفجيج، متجنبة منطقة الكثبان الرملية شرق هذه القرية مارة بالواد غير المسمى حتى التقائها بواد حلوف، تابعة هذا الواد شمالا حتى رأس بني سمير».
ومكمن القوة في الطرح الجزائري هو أن أراضي العرجة توجد على الطرف الجزائري من الوادي الفاصل بين البلدين، وهي عمليا جزء من دائرة بني ونيف تابعة لولاية بشار، وليست جزءا من إقليم فجيج كما كان يعتقد مستغلوها، ونص الاتفاقية يؤكد أن هاتين المنطقتين منفصلتان حدوديا، فالأولى تابعة للجزائر والثانية تابعة للمغرب، وهو النص الذي لم يستحضر وضع مالكي الأراضي الموجودة على مواقع التماس الحدودية.
لكن إذا كانت تلك الأراضي تابعة للتراب الجزائري، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: لماذا سمحت الجزائر للفلاحين المغاربة باستغلالها طيلة العقود الماضية، لدرجة أنهم اعتقدوا أنها تعد داخل الحدود المغربية؟ والجواب عن ذلك وفق صحيفة «الخبر» المقربة من دوائر القرار هناك، يعود إلى حقبة الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي تم ترسيم الحدود في عهده، والذي التزم مع نظرائه المغاربة بأن «تترك الجزائر العائلات المغربية القليلة المستقرة في المنطقة بمواصلة الزراعة في منطقة العرجة»، التي تقع خلف الوادي الذي يفصل البلدية لظروف إنسانية»، علما أن المنطقة صحراوية.
ومعلوم أيضا أن إقليم فكيك  التابع للملكة المغربية يقع في منطقة متوغلة بين الحدود الرسمية بين البلدين.
ومع أن «المصالح الأمنية الجزائرية نبهت منذ تسعينيات القرن الماضي أن هذه المنطقة تحولت إلى منفذ معروف لتهريب المخدرات المغربية عن طريق الصحراء الكبرى مرورا بليبيا نحو السوق المصرية»، إلا أن السلطات المغربية لم تتخذ إجراءات لوضع حد لظاهرة التهريب (هذه الرواية الجزائرية لتبرير استلائهم على منطقة العوجة).
ويبدو أن الرواية الرسمية المغربية بخصوص موقع الواحة لا تختلف عن نظيرتها الجزائرية، فوفق شهادات سكان نشطاء مدنيين بالمنطقة، فإن سلطات إقليم «فجيج» أخبرت بالفعل مجموعة من المتضررين بأن الأراضي واقعة على الجانب الجزائري من الحدود، وهو الأمر الذي أكده ضمنيا أول بلاغ صادر عن  عمالة إقليم فجيج، في الأيام الأولى من التصعيد، والذي تطرق إلى القرار الجزائري وكأنه «أمر واقع» مع وصفه بـ»المؤقت والظرفي».
وجاء في بلاغ عمالة فجيج أن عامل الإقليم التقى مستغلي تلك الأراضي من أجل «تدارس الحلول الممكنة للتخفيف من تداعيات القرار السالف الذكر»، موردا أن «السلطة الإقليمية وبتنسيق وتشاور مستمرين مع الهيئات التمثيلية للجماعة السلالية ومستغلي الأراضي الفلاحية المعنية بقرار السلطات الجزائرية، ستبقى منكبة على دراسة وإعداد صيغ حلول تأخذ بعين الاعتبار كافة الاحتمالات الواردة».
لكن السلطات الإقليمية بفجيج لم تتطرق إلى الوثائق التي يقول المتضررون إنهم يتوفرون عليها والتي تثبت ملكيتهم للأراضي، وهي الوثائق التي تجعلهم، على الأقل، أصحاب ممتلكات في بلد أجنبي وفق ما ورد في الإعلام المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه، المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/144 في 13 دجنبر 1985، والذي تنص المادة التاسعة منه على أنه «لا يحرم الأجنبي على نحو تعسفي مما اكتسبه من أموال بطريقة قانونية».
ويذكر تغييب هذا الأمر بأصل المشكلة، وهو اقتطاع السلطات الاستعمارية الفرنسية لمنطقة الصحراء الشرقية من التراب المغربي وضمها للحدود الجزائرية، وهي المنطقة التي تضم حاليا ولايتي تندوف وبشار، هذه الأخيرة التي تنتمي إليها واحة العرجة، وكان اتفاق الرباط الموقع  بتاريخ 6يوليوز1961 بين الملك محمد الخامس ورئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة،  فرحات عباس، قد تضمن اعترافا من هذا الأخير بأن الضم تم بـ»صفة جائرة» وتعهد بحل المشكلة بعد استقلال بلاده، لكن في 1963 تملص الرئيس أحمد بن بلة من هذا الاتفاق متشبثا بـ»الحدود الموروثة عن الاستعمار.
إذا لا نستبعد أن يستمر تآمر الجزائر على المغرب الذي أصبح يشكل عقدة للنظام القائم في الجزائر، والتطورات  التي تعرفها المنطقة  والمناورات المتواصلة والهجوم المتواصل الذي يشنه الإعلام الجزائري يعكس بالفعل هذه العقدة لقد أصبحت الإنجازات المغربية  التي تحققت على جميع الأصعدة كان آخرها تدبير أزمة كورونا ونجاح المغرب في تلقيح حوالي خمسة ملايين محط اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي في الجزائر في حين عجزت الجزائر من توفير اللقاح للشعب الجزائري ولم تتجاوز عتبة 75 ألف مواطن، ثم أزمة الغلاء المتفشية وانخفاض سعر الدينار الجزائري. وسيستمر النظام العسكري في استفزازه للمغرب لإلهاء الحراك  بفتح جبهة مع المغرب والتدخل في شؤونه الداخلية واتهامه بالتآمر على الجزائر.

الكاتب : كوبنهاكن الدنمارك: حيمري البشير - بتاريخ : 01/04/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *