في الحاجة إلى يسار براغماتي لمواجهة حكومة التغوّل
عادل أزعر
إن تواجد اليسار بمختلف أطيافه في المعارضة لأول مرة في العهد الجديد فرصة متاحة يجب التعامل معها بشكل جيد وتوظيفها لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي المغربي، الذي يتميز بتغول وسيطرة ثلاثة أحزاب يمينية على مختلف المؤسسات المنتخبة (البرلمان بغرفتيه ومجالس الجهات والعمالات والمدن والغرف ….).
فنتائج الانتخابات وما أسفرت عنه من تحالفات لا تعكس الحجم الحقيقي لقوى اليسار سواء التي تشتغل من داخل المؤسسات المنتخبة أو التي تشتغل في المجتمع المدني من داخل الجمعيات والنقابات والتنسيقيات التي تقود الحركات الاحتجاجية في مختلف القطاعات والمواقع.
لقد أعطى الدستور المغربي صلاحيات مهمة للمعارضة من الناحية التشريعية والرقابية، كان ممكنا للأحزاب اليسارية داخل المؤسسات المنتخبة-لو قامت الحكومة بالانتصار لروح الدستور الجديد الذي تحقق عبر مسار طويل وإرادي- أن تلعب دور المعارضة البناءة والمسؤولة للمساهمة في تدبير الشأن العام من موقعها كقوة سياسية لها امتدادها المجتمعي في إطار نوع من التعاون والتكامل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، كما أكد على ذلك جلالة الملك في خطابه ليوم 12 أكتوبر 2012 في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي، إذ جاء في نص الخطاب ما يلي: « تم تعزيز دور المعارضة البرلمانية كسلطة نافذة، مع تخويلها وسائل عمل جديدة، تمكنها من مشاركة أقوى وأكثر مسؤولية في العمل البرلماني».
غير أن تعامل الحكومة المتغولة والمستقوية بنتائج الانتخابات وبالأغلبية العددية ، في محاولة منها لاستغلال الأوراش الملكية في مجالات الحماية الاجتماعية والسكن والصحة والتعليم والإصلاحات الاقتصادية الكبرى لصالحها بما يكرس التبعية للنظام المالي العالمي والليبرالية المتوحشة، التي تخدم مصالح الأفراد وليس الشعوب، وجب مواجهته بمختلف الطرق الشرعية الممكنة والاعتماد على منهجية براغماتية في الفعل الاجتماعي والعمل الميداني لتحقيق التوازن السياسي، الذي يجعل من مراقبة تنزيل الأوراش الملكية والخطط الاقتصادية والاستراتيجية ذات جودة وفعالية، خدمة لمختلف فئات المجتمع ولتحقيق النمو والازدهار الذي نطمح إلى تحقيقه.
والبراغماتية أعني بها هنا أولا التحليل الملموس للواقع الملموس، وهذا جزء من هويتنا وتجربتنا السياسية كيسار مغربي، وثانيا من خلال العمل، باعتباره أساس الفلسفة البرغماتية وأحد المنطلقات الرئيسية لتحقيق النتائج المرجوة المرتبطة بكسب القوة الضروري لإعادة التوازن داخل المؤسسات المنتخبة.
* أولا: التحليل الملموس للواقع الملموس هو أساس التفكير العلمي وضرورة منهجية للاستفادة مما راكمه اليسار من تجربة في تدبير الشأن العام المحلي والوطني وانتصارا لقيمنا ومصالحنا الوطنية ضد هذا التغول الحكومي المستفيد من عملية الجمع بين المال والسياسة، وهو ما يعني أن المعارضة البرلمانية غير كافية ووجب رفع درجة الضغط المجتمعي والترافع من أجل القضايا العادلة والمشروعة لمختلف الفئات والقطاعات، لتوسيع الرقابة الاجتماعية وأن لا تقتصر على البرلمان وحده، ومن هذا المنطلق وجب دعم العمل النقابي الجاد والمسؤول وتوحيد الجهود بعيدا عن الحسابات الإيديولوجية أو الدوغمائية أو المثالية، ولعل أزمة قطاع التعليم وإخراج الحكومة لقانون أساسي خارج الأعراف الديمقراطية وبدون موافقة الشركاء الاجتماعيين لخير دليل على هذا الاستقواء والتغول في التعامل مع قطاع حيوي ومصيري بالنسبة للمجتمع المغربي ولمستقبل الأجيال القادمة، وهو ما يدفعنا أيضا إلى الشك في تنزيل مختلف الأوراش الملكية والقضايا المصيرية للشعب المغربي.
* ثانيا: العمل والفعل الاجتماعي والسياسي: هي خطوات نحو المستقبل يسهل علينا تتبعها وتقييمها وقياسها، وأعتقد أن حضور الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بالمؤتمر الخامس للحزب الاشتراكي الموحد، وتأسيس لجنة مشتركة لقيادة حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية للشروع في تفعيل العمل المشترك، تم بعدها دعوة إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لتشكيل جبهة وطنية ضد هيمنة الحكومة وأغلبيتها المتغولة، هي خطوات سياسية في اتجاه تغيير موازين القوى لصالح اليسار المغربي ومختلف القوى الحية، التي ترغب في الرخاء والازدهار والتنمية المستدامة والتطور لبلادنا، في ظل شروط قانونية ومؤسساتية واجتماعية واقتصادية يطبعها نوع من التكامل والتوازن خدمة للصالح العام.
الكاتب : عادل أزعر - بتاريخ : 12/12/2023